تستمر التحضيرات في الداخل التركي للانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية المقررة في العام 2019، والتي يليها الانتقال الرسمي للنظام الرئاسي، للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية. وبينما تستمر المعارضة التركية في مشاوراتها للتوافق على تحالفات للانتخابات البرلمانية أو الرئاسية أو حتى البلدية، لمواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه، جاء زعيم حزب الحركة القومية (اليميني القومي المتطرف)، دولت بهجلي، كعادته، بالرأي الأكثر صراحة ووضوحاً، مؤكداً أن خيار حزبه في الانتخابات الرئاسية سيكون دعم أردوغان، سواء تم ذلك عبر "التحالف الجمهوري" مع حزب العدالة والتنمية أو من دونه. في هذا الوقت، عاد اسم الرئيس السابق، عبد الله غول، بقوة إلى الواجهة، من بوابة الخلاف مع أردوغان، وسط أنباء غير محسومة عن نيته الترشح في وجه رفيقه السياسي السابق أردوغان، وهو ما يدخل عنصراً جديداً كبيراً إلى الحياة السياسية التركية في حال حصل.
وأكد بهجلي أن حزب "الحركة القومية" لن يقوم بتقديم مرشح له للانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وسيدعم الترشيح المتوقع لأردوغان "وفاءً للروح التي نشأت منذ 7 أغسطس/ آب 2016"، على حد تعبيره، في إشارة إلى أجواء التحالف والاتفاق التي حصلت بين كل من "العدالة والتنمية" الحاكم و"الحركة القومية" بعد المحاولة الانقلابية التي أدت إلى التوافق على تعديلات دستورية لإرساء نظام رئاسي، بجهد مشترك في البرلمان التركي، وكذلك في الاستفتاء الشعبي في نيسان/ إبريل من العام الماضي. وبدأ حزب العدالة والتنمية حملته الانتخابية بشكل غير رسمي للانتخابات المقبلة، وبالذات الانتخابات البلدية في مارس/ آذار من العام المقبل، وذلك عبر إجراء مؤتمرات على مستوى المناطق والولايات، أدت إلى تغييرات واسعة في قيادات الحزب المحلية، وكذلك تغييرات واسعة في رؤساء البلديات التابعة للحزب، بدءاً من بلدية إسطنبول وأنقرة مروراً ببلدية بورصة وعدد كبير من البلديات الأخرى الصغيرة، وصولاً إلى فصل رئيسي بلدية تابعين لحزب الشعب الجمهوري المعارض لشبهات فساد.
كما علت الأحاديث، سواء في الإعلام أو في صفوف "العدالة والتنمية"، حول إمكانية تكوين "تحالف جمهوري" بين "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" في الانتخابات المقبلة، إلا أن ذلك لم يُنتج حتى الآن أي اجتماعات بين الجانبين. تحالف تقف في وجهه العديد من العوائق، على رأسها مخاوف حزب العدالة والتنمية من أن التحالف مع حزب الحركة القومية سيؤدي إلى خسارة أصوات الأكراد في جنوب شرق تركيا، وهي أصوات أدت دوراً محورياً في تمرير التعديلات الدستورية. ويقول نائب عن "العدالة والتنمية"، رفض التصريح عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنه يتم الحديث بشكل كبير عن هذا التحالف، وتمت مناقشته في عدد من الدوائر ضمن الحزب، لكن تقف في وجه الخوض فيه بشكل رسمي العديد من العوائق، أولها أنه لا يزال هناك أكثر من عام على الانتخابات البلدية، وهذا وقت كبير في السياسة، وثانياً لم يتم بعد حسم القرار حول إمكانية التوافق مع أحزاب المعارضة، إما على تقديم تاريخها أو على تأجيلها لتحصل بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية والرئاسية (خريف 2019). من جانب آخر، فإن التوافق مع "الحركة القومية" خارج إطار الانتخابات الرئاسية، قد تكون تكاليفه باهظة لناحية خسارة أصوات المواطنين الأكراد، بالتزامن مع الانخفاض الواضح في شعبية "الحركة القومية" بعد إنشاء الحزب المنشق عنه، بقيادة ميرال أكشنر. ووصل الأمر ببهجلي إلى حد الدعوة لتخفيض العتبة البرلمانية لدخول الأحزاب إلى البرلمان، والتي تعتبر واحدة من أعلى العتبات البرلمانية في العالم، إذ يجب أن يحصل الحزب على 10 في المائة من الأصوات لتأمين دخوله إلى البرلمان، وإلا يخسر كافة مقاعده لمنافسيه. في غضون ذلك، تستمر المشاورات بين أحزاب المعارضة، خصوصاً بين "الشعب الجمهوري" (يسار وسط كمالي) و"الشعوب الديمقراطي"، الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، وكذلك بين "الشعب الجمهوري" وحزب "السعادة"، الذي زار زعيمه، تِمِل كرمان أوغلو، مقر "الشعب الجهوري"، أخيراً، وأجرى لقاءات مع قيادات حزب الوحدة الكبرى في إطار التحضير لتحالفات الانتخابات.
وعادت الشائعات عن إمكانية ترشح الرئيس السابق، عبد الله غول، للرئاسة، مرشحاً توافقياً عن المعارضة، وهو الأمر الذي كان قد طرحه في وقت سابق أحد قادة "الشعب الجمهوري"، دينيز بايكال، فيما نفى غول موافقته على العرض، وذلك بعد التصريحات الخلافية التي تبادلها كل من غول وأردوغان، إثر المرسوم التشريعي الذي أصدرته الحكومة، بموجب قانون الطوارئ، والذي حمى من وقف في وجه الانقلابيين من أي مساءلة قانونية. ورغم الهجوم الذي تلقاه غول من عدد من الكتاب والصحافيين الموالين لحزب العدالة والتنمية ولأردوغان شخصياً، واتهام البعض له بافتعال المناوشات الكلامية مع أردوغان للاستفادة منها انتخابياً، بعد موقفه غير المعلن والرافض للتعديلات الدستورية بالتوافق مع رئيس الوزراء التركي السابق، أحمد داود أوغلو، إلا أن ترشح غول إلى الرئاسة لا يزال غير محسوم.
ويرى مراقبون أن ترشح غول للرئاسة لا يمكن أن يتم من دون إحداث انشقاق في "العدالة والتنمية"، كون غول أحد مؤسسي الحزب أيضاً، وبلا دعم الكماليين وربما "الشعوب الديمقراطي" نكاية بالرئيس التركي. لكن هذا الدعم يتنافى مع الخلفية التي يأتي منها غول، كشخص محافظ متدين من ولاية قيسري، وسط الأناضول، وغالباً ما سيؤدي ترشحه عن المعارضة إلى رفض المحافظين دعمه، بحكم العداء التقليدي المزمن بين محافظي وسط الأناضول وعلمانيي الغرب خصوصاً. كما يصعب أن يكون غول محل توافق في صفوف الكماليين واليسار التركي، للأسباب ذاتها، إلا في حال قام غول بالتعاون مع داود أوغلو بإنشاء حزب جديد، والعمل للانتخابات البلدية كنوع من البروفة للانتخابات الرئاسية، وهذا أمر لم تظهر مؤشراته بعد، ولا يتم تداوله في الأوساط السياسية التركية، ولم يبق وقت كاف لتنفيذه، إذ إنه يحتاج إلى إعادة ترتيب كوادره الحزبية، وطاقات كبيرة لمواجهة أردوغان و"العدالة والتنمية"، وهو أمر غير متوفر بعد، لا لغول ولا لداود أوغلو.
وبينما أكد أحد أهم وأبرز الوجوه السياسية لحزب الحركة القومية الكردية، زعيم حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرتاش، في رسالة من السجن الذي يقبع فيه، أنه لن يترشح لرئاسة الحزب في مؤتمره المقبل، فقد دعا دولت بهجلي غول لعدم الترشح، في حين أن الكماليين لا يزالون مختلفين حول طبيعة مرشحهم للرئاسة، على وقع ذكريات الفشل الكبير في نظرية "المرشح التوافقي" في انتخابات 2014، التي خسر فيها أكمل الدين إحسان أوغلو. في المقابل، فإن وضع زعيم الحزب، كمال كلجدار أوغلو، لا يبدو إلا متراجعاً، وربما عاجزاً عن الحفاظ على كتلة 49 في المائة من الأصوات التي عارضت التعديلات الدستورية التركية. ورغم غموض الموقف، فإن الثابت هو أن جميع الأحزاب والتيارات السياسية تعمل بشكل نشط للغاية للتحضير للانتخابات المصيرية المقبلة، وتحضر جميع الأحزاب لإجراء مؤتمراتها العامة، فيما تبحث أحزاب أخرى صغيرة عن موطئ قدم في النظام الجديد.