انطلاق سباق الانتخابات التشريعية الفرنسية مع اختيار الأحزاب مرشحيها

20 مايو 2017
حركة ماكرون دخلت الانتخابات بـ 526 مرشحاً(باتريك كوفاريك/فرانس برس)
+ الخط -
أودعت، أمس الجمعة، كل الأحزاب والحركات السياسية الفرنسية أسماء مرشحيها في الانتخابات التشريعية لدى وزارة الداخلية، في الوقت الذي كان فيه الرئيس الفرنسي الجديد، إيمانويل ماكرون، يتناول الطعام إلى جانب جنوده في مالي، ويستنجد بالدعم الأوروبي والغربي لمساعدة فرنسا على تحمل التكاليف الباهظة لوجودها في دول الساحل والصحراء.

وبعد ظهور أسماء المرشحين، بدأت الحملة الانتخابية بشكل واضح، ولم يغب عن أجواء هذه الانتخابات التشريعية الزلزال الذي أحدثه فوز إيمانويل ماكرون، ليس فقط على صعيد تغيير سياسيين كثيرين لولائهم عبر "الترحال السياسي"، والذي كان، في السابق، مستشرياً في دول العالَم الثالث، بل وتجلى في قرار نحو 212 نائباً برلمانياً سابقاً عدم الترشح. 

ولا يستبعد أن يكون لاختيار حركة "الجمهورية، إلى الأمام" مرشحيها تأثير على قرارات البرلمانيين السابقين الذين فضّلوا عدم الترشح، إذ يكفي للدلالة على هذا مِثال الوزير هولاند جان ماري لوغوين، المقرب من مانويل فالس، والذي خشي الخسارة أمام مرشح "الجمهورية، إلى الأمام"، فقرر عدم الترشح ثانية، وأيضاً القيادي والرجل الثاني في حزب "الجمهوريون"، لوران فوكييز، والذي قرّر في آخر لحظة العدول عن ترشحه.


ويعلن حزب "الجمهوريون"، اليوم السبت، عن دخوله الحملة الانتخابية عبر تنظيم تجمع وطني وحيد في هذه الانتخابات، في باريس، على وقع انشقاقات وتقدم أكثر من مرشح في الدائرة الواحدة، كما هو الحال في الدائرة الباريسة الثانية، حيث ترشح مستشار ساركوزي السابق، هنري غينو، ضد المرشحة الرسمية ناتالي كوسيسكو موريزي، إضافة إلى جان بيير لوكوك، عمدة المقاطعة الباريسية الخامسة عن حزب "الجمهوريون". 

وفي هذه الدائرة الباريسية التي يتبارى فيها 24 مرشحاً، يستغرب الكثيرون ترشيح حركة "الجمهورية، إلى الأمام" أحد أعضائها، جيل لوجوندر، خصوصاً أن كوسيسكو موريزي كانت من بين الموقّعين على بيان "التقاط يد ماكرون الممدودة"، بل وكانت بعض التكهنات تمنحها منصبا وزاريا في حكومة إدوار فيليب.

وفي الوقت الذي يدخل حزب مارين لوبان، الجبهة الوطنية، الحملة راغباً في تعويض خسارته في الرئاسيات بدخول مزلزل إلى البرلمان، يقفز به من عضوين اثنين، كما هو عليه الحال، إلى ما بين 60 و80 نائبا، رغم أن الظروف الصعبة قد لا تمنحه سوى 15 إلى 20 مقعدا، بسبب تعقد الأمور في الدورة الثانية، والتي يجد فيها مرشح "الجبهة الوطنية" نفسه في مواجهة المرشح الآخر، مدعوما من باقي المرشحين الخاسرين، أي ما يعتبر نوعا من "الجبهة الجمهورية" في مواجهة حزب متطرف "غير جمهوري".       

وفي الوقت نفسه، قررت حركة رئيس الجمهورية الجديد دخول الانتخابات بـ 526 مرشحا، تاركة 51 دائرة انتخابية فارغة، أغلبها من أجل منتخبين يمكنهم لعب دور الإسناد للأغلبية الحكومية. 

ويرى كثير من المراقبين أن الرئيس ماكرون وضع في رأسه فكرة تشكيل تحالف يضم إلى جانب كتيبة نواب حركته مجموعاتِ دعمٍ قادمة من اليسار واليمين، أو كما يعترف القيادي في الحزب الاشتراكي، لوك كارفوناس، من دون مواربة، بأن إيمانويل ماكرون بصدد تكوين "أغلبية مطاطية"، كشكل من "إبداء الشكر المستتر لمن كانوا بلا لون أثناء حملة بونوا هامون"، أو بلغة مباشرة لـ"من خانوا معسكرهم الاشتراكي".

ولا شيء يأتي صدفة في خطط الرئيس الجديد، والذي يفخر بأنه "ليس من اليمين ولا من اليسار"، فإذا كان قد منح اليمين حصة أهمّ من حصة اليسار في حكومته، أي بتعبير صحافي ليبراسيون: "صندوق المال لليمين والقصائد لليسار"، فهو يحاول في هذه الانتخابات أن يعيد نوعاً من التوازن. ومن هنا فالعديد من المرشحين في هذه الانتخابات من زملائه في حكومة فرانسوا هولاند لا يجدون في مواجهتهم أي مرشح من حركة الرئيس ماكرون. ولا يقتصر الأمر على مانويل فالس، فإلى جانبه نجد الوزيرة ماريسول تورين وستيفان لوفول ومريم الخمري وجورج بولانجيفان وإيريكا بارايت.

ويبدو أن هذه الفكرة راقت لوزيرة فرانسوا هولاند السابقة والمسؤولة عن قانون الشغل الجديد المثير للجدل، والذي يحمل اسمها، مريم الخمري، فعبّرت عن انتمائها لـ"النموذج الألماني، أي ثقافة الحل الوسط الديمقراطي الاشتراكي، ثقافة التحالف"، والتي لم تجد حَرجاً، وهي مرشحة الحزب الاشتراكي الرسمية، أن تضيف إلى شعارها الانتخابي هذه الجملة التي تقول كل شيء: "لِنُشَيِّدْ مع إيمانويل ماكرون أغلبية تقدمية".

وفي المحصلة النهائية، مدّت حركة ماكرون يد العون إلى أكثر من عشرة مرشحين من اليسار، ومن راديكاليي اليسار، ومن بينهم سيلفيا بينيل، المرشحة السابقة في انتخابات الحزب الاشتراكي الفرعية، وجويل جيرو وإيريك ألُوزي.

وعلى الرغم، أيضاً، من الالتحام بين الرئيس والحليف الوسطي، فرانسوا بايرو، إلّا أن ماكرون لا يستبعد إمكانية ابتزازٍ قد يلعبه بايرو وحزبه الموديم، خصوصا إذا لم يمنحه الفرنسيون أغلبية مطلقة، ومن هنا حاجة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى حلفاء آخرين من اليمين، وعلى هذا الأساس يفهم الدعم الذي قدمته حركة "الجمهورية، إلى الأمام" إلى الوزير برونو لومير، القادم من حزب "الجمهوريون"، والذي تخلى عنه، والعديد من مساعديه الذي ترشحوا في مناطق مختلفة، وأيضاً للقياديين في حزب "الاتحاد الديمقراطي المستقل"، إيف جيغو وفيليب فوليو.

كما أن ماكرون سهّل من مأمورية بدلاء كثير من الوزراء والسياسيين اليمينيين، كإدوار فيليب وكزافيي برتراند وهيرفي غايمار وهيرفي ماريتون وبونوا أبارو وأرنو روبيني وكريستيان إيستروزي.

وإذا كان الرئيس الفرنسي، حتى الساعة، لم يرتكب أي زلة، ولا يزال الرأي العام الفرنسي، في أغلبيته، إلى جانبه، وهو ما سيعكس فوزاً مضموناً، لحد الآن، في الانتخابات التشريعية، إلا أنه لا يستبعد، في وقت ما من حكمه، ظهور هشاشة في أغلبيته الرئاسية، وهو ما يدفعه، منذ الآن، مستفيداً من محنة فرانسوا هولاند، أثناء حكمه، إلى بناء تحالفات متنوعة قد يحتاجها، في أيّ وقت.    

دلالات