تشهد أسواق السودان انفلاتاً جديداً في الأسعار، ارتفعت بموجبه السلع الأساسية بصورة كبيرة، رغم تشديد السياسات الاقتصادية الأخيرة التي انتهجتها الحكومة الجديدة برئاسة معتز موسى.
وانتقد مختصون السياسات الحكومية، لاسيما تجفيف السيولة من البنوك، مشيرين إلى أنها أفضت إلى ركود في الأسواق وارتفاع الأسعار، ما جعل مواطنين يعودون إلى تقليص نفقاتهم إلى الحد الأدني، في ظل استمرار ضعف الأجور.
وفي جولة بالأسواق رصدت "العربي الجديد" تراجعا كبيرا في القوة الشرائية وركودا يشكو منه التجار، وخلو المطاعم من المواطنين بسبب تضاعف الأسعار.
وقال الأمين الزين صاحب مطعم شهير في وسط الخرطوم لـ"العربي الجديد" إن طلب المأكولات تراجع كثيراً، مشيرا إلى أن الكثير من المطاعم قلصت أنشطتها وأغلق البعض أبوابه نتيجة ركود الأسواق.
كما رصدت "العربي الجديد" ضعفا كبيرا في حركة الشراء بالسوق العربي المخصص لتجارة الملابس وسط الخرطوم. وقال التاجر سيف النصر محمود: "توقف الشراء تماما في الأيام الأخيرة، الكل يشكو من الغلاء وثبات الأجور".
وفي استطلاع أجرته "العربي الجديد" مع مواطنين من داخل السوق العربي، قالت الموظفة سيدة عبد الغني إن الأسعار أصبحت تشكل هاجسا كبيرا للأسر، مشيرة إلى أن سعر لبسة (كسوة) الأطفال وصل إلى ألفي جنيه (42.1 دولارا).
وقالت: "هذا السعر هو قيمة الراتب الشهري، فكيف لنا أن نشتري لأطفالنا"، لافتة إلى ضرورة مراجعة منظومة الاستيراد ومعرفة من يقف وراء ارتفاع الأسعار.
ومنذ بداية العام الجاري 2018، تجتاح البلاد موجات غلاء متلاحقة، بينما تشهد ندرة في بعض السلع. وقال المواطن إسحاق الضو: "إنه أمر لا يحتمل لمحدودي الدخل في ظل توالي ارتفاع الأسعار، رطل اللبن ارتفع في أسبوع واحد من 10 جنيهات إلى 15 جنيها بلا سبب، هناك تلاعب كبير في الأسواق".
ورغم أن موسم إنتاج البصل قد بدأ في السودان، إلا أن ارتفاع أسعاره ظل أمرا لا يصدقه المواطن، ففي الوقت الذي كان يباع جوال البصل في ذات الموسم بواقع 700 جنيه، إلا أنه قفز هذا الموسم إلى ألفي جنيه.
وقالت المواطنة مريم رمضان: "هناك صعوبات بالغة في الحصول على السلع اليومية، رغم تقليص النفقات إلى أقصى حد، الأمر بات لا يحتمل، خاصة أن الأجور مازالت ثابته".
ودافع رئيس الوزراء وزير المالية معتز موسى، الذي كان يتحدث في ندوة يوم السبت الماضي، عن سياساته، قائلا "سنمضي قدماً في تنفيذ برنامج وسياسات الإصلاح الاقتصادي للبلاد لمدة 15 شهراً"، وذلك عبر التحكم في سعر الصرف وخفض التضخم وإحكام الولاية على المال العام والتمويل للقطاعين الزراعي والصناعي وزيادة الإنتاج.
وأضاف أن "واجبات الحكومة والدولة في حسن إدارة الاقتصاد الكلي وتحقيق الرفاه للشعب، بحسن الإحاطة بالموارد وتصنيفها ووضع السياسات الصحيحة والأهداف للمؤسسات الاقتصادية والنقدية والقطاعية التي تشكل اقتصاد البلاد".
واعتبر أن أكتوبر/تشرين الأول الماضي كان الأفضل على مستوى تضخم أسعار المستهلكين خلال العام الجاري، فالسياسات بدأت تؤتي أكلها، متوقعا أن يظهر ذلك تباعا.
إلا أن الخبير الاقتصادي إسماعيل جبريل قال لـ"العربي الجديد" إن الواقع لا يؤكد ذلك، ووصف الانفلات الكبير في الأسعار بغير المبرر.
وعزا جبريل الزيادة في الأسعار إلى تدخل السماسرة والوسطاء الذين يتلاعبون بقوت الشعب، وطالب بمزيد من الانضباط في السوق لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
ولكن مجموعة تجار نفوا وجود تلاعب في الأسعار، وألقوا باللائمة علي أصحاب المصانع والشركات لاعتمادهم زيادات مستمرة علي السلع التي ينتجونها ويستوردونها، ودعوا الدولة إلى التدخل وفرض سيطرتها الرقابية على السوق.
وفي مقابل هذه الاتهامات نفى أمين أمانة السياسات في اتحاد أصحاب العمل سمير أحمد قاسم، تسبب أصحاب المصانع في ارتفاع الأسعار وأرجع الزيادات الحاصلة إلى التكلفة الأساسية.
وقال قاسم لـ"العربي الجديد" إن ارتفاع سعر الدولار هو السبب الأساسي في صعود أسعار السلع الاستهلاكية، فضلا عن عجز الدولة عن توفير النقد الأجنبي بغرض الاستيراد.
وفي ظل التصريحات الحكومية عن تحسن الأوضاع، وتبادل التجار والمصنعين الاتهامات حول رفع الأسعار، لم يعد في مقدور ملايين المواطنين تحمل النفقات المتزايدة.
وقال الخبير الاقتصادي محمد الناير: "على الدولة مسؤولية كبيرة في ظل سياسة التحرير الاقتصادي، للأسف هناك اعتقاد خاطئ بأن سياسة التحرير لا تمكن الدولة من التدخل، فما يطبق حالياً ليس سياسة تحرير اقتصادي وإنما فوضى وانفلات في الأسعار".
وأضاف الناير أن القطاع الخاص يعمل على رفع أسعاره مع صعود الدولار، بينما ينبغي العمل على حماية المستهلك وينبغي التحرك قبل فوات الأوان.