الرئيس دونالد ترامب الذي كان يتحين الفرصة للإقدام على هذه الخطوة، قال إنه اتخذ القرار بناء على توصية من بومبيو من دون ذكر الدواعي. وقد تبيّن أنه جرى التخلص من المفتش بعد أن شارف على صياغة تقريره بخلاصة تحقيقاته حول صفقة بيع أسلحة للسعودية قبل سنة بـ 8,1 مليارات دولار، من دون أخذ موافقة الكونغرس. ولتمريرها بهذا الشكل أعلن الرئيس آنذاك حالة الطوارئ في مايو/ أيار 2019 لتبرير العجلة في تنفيذ الصفقة.
كذلك تبيّن أن الوزير المفترض بموجب القانون أن يبلغ الكونغرس بمثل هذه المبيعات ويطلب موافقته عليها، رفض إعطاء إفادته إلى المفتش حول الموضوع والمبررات التي اقتضت تمرير الصفقة بهذا الشكل الذي جرى اعتباره بمثابة التفاف على القانون، ما أثار الامتعاض في الكونغرس وداخل الوزارة نفسها.
والمعروف أن الرئيس كان قد استخدم الفيتو لإسقاط قانون أقره الكونغرس بتوافق من الحزبين؛ الجمهوري والديمقراطي، لوقف الدعم العسكري لحرب السعودية في اليمن، وذلك في ظل أجواء مشحونة ضد المملكة كانت وما زالت، بسبب هذه الحرب ومقتل خاشقجي.
وفي ظل النقمة على هذا القرار جرى نبش دفاتر الوزير منذ أن كان في رئاسة جهاز الاستخبارات "سي آي إيه"، في أول عهد الرئيس ترامب، وحتى انتقاله إلى وزارة الخارجية. من جملة المآخذ أنه عمل على تسخير المنصب لأغراض شخصية من نوع تكليف بعض المستخدمين العاملين معه بخدمات عائلية "لجلب وجبات الطعام من المطعم والملابس من المصبغة أو تمشية الكلب حول البيت" وغير ذلك من التكليفات والخدمات التي تتعارض مع ضوابط الوظيفة والتي تجرى "على حساب دافع الضرائب". وهي مؤذية من هذه الناحية. خصوصاً في وقت تتكاثر فيه الانتقادات والمطاردات للإدارة في مواجهتها لوباء كورونا، الذي ربما اعتقد البيت الأبيض والوزير أن اللحظة فيه تسمح بالإقالة من دون أن تجذب الأضواء.
لكن الحسابات كانت خاطئة، إذ كانت ردة الفعل عارمة. وزاد من زخمها أن الإقالة جاءت في سياق استغناء البيت الأبيض عن ثلاثة مفتشين آخرين في غضون شهر ونصف، منذ أوائل إبريل/ نيسان الماضي وحتى الآن، ومن بينهم المفتش العام في وزارة الدفاع.
إجراء وضعه المراقبون في خانة الانتقام السياسي، ولهذا أثار كثيراً من عدم الارتياح والاعتراض حتى من قِبل بعض الجمهوريين في مجلس الشيوخ. خاصة أن العملية جاءت بصورة كيفية من غير مبررات واستهدفت منصباً حساساً في الوزارات والوكالات الفدرالية، يحظى بدعم واسع لحيادتيه ويعقد حول مهمته إجماع باعتباره عين الرقيب على السلطة التنفيذية.
ويأتي دور الوزير بومبيو في هذا التطور على خلفية حملته على الصين في قضية كورونا، والتي أثارت خشية دوائر عديدة من عواقبها إذا ما كان غرضها أو مآلها هو التأسيس لحرب باردة مع بكين. فهذه الجهات التي لا تعفي الصين من التباطؤ وغياب المصارحة بشأن الفيروس، لا ترى في التأزيم الذي يعتمده الوزير السياسة المطلوبة في التعامل مع التنين الآسيوي.
طبعاً هو لا يسلك هذا السبيل من غير ضوء أخضر من البيت الأبيض، لكنه يتصدر إشاعة هذا الخطاب الذي دفع الأزمة مع بكين إلى نقطة قد لا يسهل الرجوع عنها في الآتي القريب، وبالتأكيد ليس قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني.
وثمة اعتقاد بأن الصين قد لا تُبدي الليونة المطلوبة بعد مرحلة كورونا التي التصقت باسمها، إذا ما خرجت منها بصورة الطرف الذي حرص على التعاون الدولي لمحاربة الفيروس، في حين نأت عنه واشنطن التي غابت عن اللقاء الدولي، أمس الاثنين، والذي قدمت بكين خلاله 2 مليار دولار لمواجهة الوباء. دبلوماسية صينية ناشطة في مقابل دبلوماسية أميركية منكفئة. معادلة يتحدث عنها المعنيون بالشؤون الخارجية، (مثل ريتشارد هاس)، بكثير من التحسّر والتخوف من باب أنها مرشحة للتفاقم.