في التسجيلات المذكورة، يتحدث باراك، بحرية، مع الكاتبين داني دور وإيلان كفير، في سياق مقابلات معه لتأليف كتاب حول سيرته، عن جلسات ومشاورات، يُفترض فيها أن تكون سريّة، حول "أسباب عدم توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية للمنشآت الإيرانية في الفترة المذكورة"، وهي الفترة التي كان باراك قد اعتبرها "مصيرية وبمثابة الموعد الأخير لتوجيه ضربة"، قبل دخول إيران ما سماه "مجال المناعة أو الحصانة".
وبحسب ما جاء في التسجيلات، فإن "نتنياهو وباراك، كوزير أمن، سعَيا لاستصدار أمر لتنفيذ العملية ضد إيران، بموازاة حرب السايبر الإسرائيلية ضد المنشآت والعلماء الإيرانيين". وبما أنه، ولغاية عام 2009، لم تتوفر للجيش الإسرائيلي القدرة لشن مثل هذا الهجوم، أوعز الاثنان للجيش على العمل لبناء هذه القدرة المطلوبة. لكن رئيس أركان الجيش آنذاك، غابي أشكنازي، جزم بأنه "لا يُمكن الوصول للقدرة المطلوبة"، مما أسقط الاقتراح، حتى قبل بلوغه مرحلة عرضه على وزراء اللجنة الثمانية، المكلّفة آنذاك بهذا الملف.
الصورة تغيّرت بعد ذلك بعام، مع تسلم بني غانتس رئاسة الأركان في عام 2010، والإعلان بأن "الجيش الإسرائيلي قادر على القيام بالمهمة". وكان يُفترض بنتنياهو إقناع أعضاء "الكابينيت" ولجنة الثمانية بقبول الخطة، وخصوصاً في ظلّ المعارضة العلنية لكل من الوزير دان مريدور، وبني بيغن، للخطة. ورغم إجراء نتنياهو محادثات مطولة مع وزراء من حزبه بهذا الخصوص، وتحديداً يعالون حين كان وزيراً للشؤون الاستراتيجية، ووزير المالية يوفال شطاينتس، إلا أنه لقي رفضاً منهما للخطة، مما أفشلها مرة أخرى.
ومع أن رواية باراك واجهت شكوكاً، أو على الأقل طعنت بها بعض الصحف، إلا أن كُلاًّ من يعالون وشطاينتس لم يردّا بنفي الواقعة أو إنكارها واكتفيا، كل على حدة، بالتمسك بسرية الجلسات، بينما تحدث أشكنازي نافياً كلام باراك.
ومع أن الأمر بدا وكأنه أقرب إلى دوافع شخصية أو تصفية حسابات، بين باراك ومنافسيه وخصومه، إلا أن هذه الوقائع تتقاطع أيضاً مع فشل نتنياهو في ضمان أغلبية داخل لجنة الوزراء الثمانية وفي "الكابينيت". وعزّزت التسجيلات الاتجاه السائد إسرائيلياً، حول فشل نتنياهو أيضاً في منع التوصل للاتفاق النووي، وتحميله مسؤولية اعتماد أسلوب مواجهة مع إدارة أوباما، فاقمت وأضعفت فرص إسرائيل بتحقيق هدفها في إلغاء الاتفاق، وفق دراسة أعدها الباحثان في مركز "أبحاث الأمن القومي"، إيميلي لاندو وشمعون شتاين.
اقرأ أيضاً: رهان إسرائيلي على قوة أميركا "الناعمة" لمواجهة إيران
وتشير الدراسة إلى أن "باراك كان يتحدث عن عام 2014 كآخر موعد لتوجيه الضربة إلى إيران، واعتبر أنه تمّ تفويت الفرصة بسبب التدريبات والمناورات الأميركية ـ الإسرائيلية المشتركة من جهة، ودخول الولايات المتحدة في حمى الانتخابات الرئاسية 2012".
وتكشف الدراسة أن "الفشل الإسرائيلي في تحقيق هدف إحباط الاتفاق كان محتوماً عملياً، ويمكن قراءته مسبقاً، خصوصاً بين عامي 2014 و2015، عندما حدث التحول الأكبر في موقف الدول الأوروبية والولايات المتحدة، من الهدف المرجو من الاتفاق مع إيران".
وجاء في نصّ الدراسة أن "الموقف الأميركي من الملف الإيراني تغيّر من السعي لتفكيك المشروع النووي الإيراني إلى الاكتفاء بإدارته واحتوائه". وهو تغيير ترى لاندو أن "أول من ألمح له بصورة شبه رسمية، هما وزيرا خارجية الولايات المتحدة السابقان، هنري كيسنجر وجورج شولتز، في مقال مشترك لهما في صحيفة "وول ستريت" في أبريل/ نيسان الماضي". وأشار الاثنان، إلى أن "الجهد الذي بدأ قبل 12 عاماً، لوقف المشروع الإيراني بات آيلاً للتحوّل إلى قبول المشروع، وإن لم يكن ذلك الآن ففي السنوات العشر المقبلة".
عند هذه النقطة تعترف لاندو أنه "كان واضحاً أن إسرائيل لن تنضم لهذا الجهد، وأن الفجوة في المواقف بين الطرفين الإسرائيلي والأميركي أخذت بالاتساع، إلى أن بلغت نقطة المواجهة العلنية، التي لم يعد بمقدور نتنياهو، بعدها، أن يُغيّر شيئا في الاتجاه الأميركي، تحديداً في ظلّ الحماسة التي أبداها أوباما، لإبرام الصفقة مع ايران وفق المسار الجديد".
وترى لاندو أن "الخط المتعنّت الذي التزمه نتنياهو، بما في ذلك هجومه على أوباما وإدارته، ساعد في واقع الحال الأميركيين في تجاهل الاعتبارات والتحفظات الإسرائيلية، تماماً مثلما زاد ذلك من تصميم نتنياهو نفسه على التصعيد تجاه أوباما، رغم إدراكه أنه لن يكون بمقدوره تحقيق النتائج المرجوة".
وفي الوقت الذي يبدي فيه نتنياهو، منذ توقيع الاتفاق، رفضاً متواصلاً لإجراء أية اتصالات أو حوار مع الولايات المتحدة حول التعويض والاحتياجات الأمنية لإسرائيل، في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، ترى لاندو أنه "لن يكون هناك أي بديل عن إجراء حوار مع الأميركيين لتخفيف وتفادي تداعيات سلبية للاتفاق على أمن إسرائيل".
وخارج التسجيلات، تناسى باراك ما ورد على لسانه في مقابلة مع أرييه شابيط لصحيفة "هآرتس" في أغسطس/آب 2012، حين أكد أن "الولايات المتحدة لن تسلم بإيران نووية، وأن أقصى ما يمكن لضربة إسرائيلية لإيران، في تلك الأيام، أن تحققه هو بمثابة لكمة في الوجه، بينما يمكن للضربة الأميركية في حال تمّت، أن تُنزل بإيران الضربة القاضية".
وقال باراك في حينه: "السؤال الذي يجب أن يطرح، هو ما هدف العملية؟ نحن لا نوهم أنفسنا، فهدفنا ليس القضاء على المشروع النووي الإيراني. يجب أن ندرك أن القصة الحقيقية تكمن في السباق بين تحول إيران لدولة نووية وبين سقوط النظام، فإذا نجحنا في تأخير المشروع النووي لـ10 سنوات، فهناك أمل بألا يصمد النظام حتى اللحظة الحرجة من الوصول للنووي. وبالتالي فإن الهدف هو تأخير المشروع، وأي ضربة اسرائيلية لن تؤخره سوى لعامين فقط".
اقرأ أيضاً: رسائل تهدئة الجولان... وبروباغاندا "الإيرانيين على الحدود"