باسم الحرب الدينية
أظهرت تعقيدات الشرق الأوسط أنه يُمكن استخدام العامل الديني لتحقيق أهداف جيوسياسية في كل حين، ولسنا في حاجة لبذل مزيد من الجهد، لجرّ الناس إلى التقاتل. كما رسّخت الأحداث المتتالية والصراعات المتناسخة مفهوم "القتال على أساس ديني". ويُمكن إدراك ذلك بسهولة، حين يتمّ الحديث عن "دولة يهودية" في إسرائيل، ونزاع الطوائف في لبنان وقتالهم في العراق. كما تدخل نماذج تحويل مسار الثورة في سورية إلى حروبٍ مذهبية متفرقة، في السياق أيضاً.
ولا يُمكن في الشرق أن نتحدث عن "ثورة شعبية إنسانية"، بل علينا الانطلاق، دائماً، من خلفية طائفية، لتبرير أي حراك مذهبي. هكذا اعتدنا، في منطقة تُعتبر "مهد الديانات السماوية". مع العلم أن هناك أسباباً كثيرة تتيح لنا تبرير أي حراك شعبي، من دون إدماج العنصر الديني فيها. لكنه الشرق الأوسط، و"الخروج" عن تقاليده مصيبة كبرى. وكان يُمكن لأي كان الاستعانة بقليل من التاريخ، ليفهم حقيقة ما يجري في المنطقة، وربما مستقبلها. في اليمن، طرأ واقع ميداني ليل الأربعاء ـ الخميس، على خلفية تطوّرات عسكرية داخلية، أدت إلى تمدد جماعة الحوثيين من جبال صعدة إلى شواطئ عدن.
"كان لا بدّ من التدخّل العسكري" الذي يهدف إلى "تثبيت الشرعية اليمنية، ومنع الحوثيين من التمدّد". وبغضّ النظر عن شرعية هذا التدخّل بالذات، وإمكانية انعكاسه على مستقبل المنطقة، إلا أنه بدا لافتاً "تفعيل" كثيرين اللغة الدينية، في إطار التبدّلات العسكرية. الحديث عن "مهاجمة مكة المكرمة" لم يعد تفصيلاً عابراً، يُمكن أن يُجابه بعبارة "كبّر عقلك" (ترجيح العقل باللهجة اللبنانية)، تماماً كما تمّ تزخيم الحديث عن مهاجمة مقامات دينية ودور عبادة، في المرحلة الماضية، وهي ستكون ضحية أي صراع عسكري، كباقي المباني والبنى التحتية، لكنها تأخذ أبعاداً "حساسة" في الشرق، لكثرة عديدها، ولكون دول المنطقة قامت، بأغلبيتها، وفقاً لما تُمثله هذه المقامات. وتزايد الكلام عن "ضحايا من طائفة معيّنة" لا يُشكّل تعاطفاً متزايداً، في سياق إنساني، بقدر ما يُمهّد لفكرة مضادة، تتيح ضرب أبناء الطوائف الأخرى، في مرحلة لاحقة.
ويُمكن ملاحظة أن محاولات إيران تكريس وجودها في اليمن سبقتها محاولات عراقية أيام صدام حسين الذي ساهم في الوحدة اليمنية في 1990، وحاول تدشين نفوذه على معبر باب المندب، ردّاً على تحكّم إيران بمضيق هرمز. كما أن "إطلالة إيران" على البحر المتوسط، عبر حزب الله اللبناني، سبقته أيضاً محاولات صدام، بالذات، الاستناد على قائد الجيش اللبناني في حينه، ميشال عون، وقائد مليشيا "القوات اللبنانية" سمير جعجع، للحصول على المكسب الاستراتيجي عينه. لاحقاً، غرق صدام في أخطائه، لدى غزوه الكويت والبقية معروفة. أما إيران فانحازت إلى التفاوض النووي مع الولايات المتحدة، على وقع تحرّكاتها العسكرية المباشرة وغير المباشرة في عدد من دول المنطقة.
ولا يُمكن في السياق "الاستهانة" بالتدخل العسكري الإقليمي في اليمن، وإن اقتصر، حتى الآن، على الغارات الجوية، فالسعودية ترغب في إعادة الاعتبار للعنصر الخليجي في العراق، بعد خلوّ الساحة للإيرانيين والأميركيين، عبر ضرب الحوثيين في اليمن. وتعلم السعودية أن أي مرحلة تتخطى "الضربات الجوية" تعني مخاطرة كبرى، يجب أن تكون مدروسة، والتدخل البري، إن حصل، سيكون مكلفاً لجنود لم يختبروا تلك الحروب، وتحديداً في الجبال.
ولعلّ ذلك ما فتح الباب أمام تدخّل باكستاني محتمل، على خلفية الخبرة الباكستانية في حرب الجبال، مع حركة طالبان. وقد تكون المشاركة الباكستانية في مناورات "الصمصام 5" التي بدأت في السعودية تصبّ في هذا الإطار. لكن، هل يريد أحد الانتباه إلى دخول باكستان على خطّ الشرق الأوسط، أو الانتباه إلى أبعاد الصراع النفطي؟ لا، لأن الجميع مشغول بين طائفة وأخرى.