يضيف الخضري لـ"العربي الجديد": "سيارتي جديدة وهي موديل 2014 وسيكلف تصليحها آلاف الريالات، فمن سيعوضني عن كل هذا؟". سؤال لم يجد له بندر الرومي جوابا منذ أن وجد سيارته غارقة حتى سقفها أمام منزله مطلع الأسبوع، وهو أمر سيكلفه أكثر من 14.500 ريال (3866 دولارا أميركيا)، من أجل تصليحها، يقول الرومي لـ"العربي الجديد": "تضررت سيارتي بسبب الأمطار، ولم أجد من يعوضني على الرغم من ضعف دخلي الشهري".
مأساة الخضيري والرومي ليست حالة خاصة، إذ تضررت مئات السيارات بسبب غرق شوارع جدة العاصمة الاقتصادية للسعودية بسبب سوء تصريف المياه فيها، ومنذ أربعة أيام والأمطار الغزيرة التي هطلت على مدينة جدة تسببت في غرق الكثير من الأحياء.. وكان حي قويزة الشهير الأكثر تضررا، بعد جريان مياه الأمطار خلاله إلى شارع جاك الذي يصل الحي بطريق الحرمين، مما أدى إلى توقف الحركة المرورية تماماً ومكوث السكان في منازلهم؛ خوفاً من أي سيول تعيد لهم ذكرى سيول عام 2009 الأليمة التي راح ضحيتها عشرات الغرقى.
وبحسب بيان للدفاع المدني السعودي بلغ عدد المواقع المتضررة في المدينة أكثر من 476 موقعًا تجمعت فيها المياه.
أسئلة بلا إجابات لسنوات
في كل مرة تهطل فيها الأمطار على جدة، تتعرض المدينة التي يقطنها أكثر من 3 ملايين و465 ألف نسمة للكثير من المشاكل وتغرق شوارعها وتتضرر السيارات بشكل كبير، دون أن تنجح الجهات المسؤولة في وضع حد لهذه الأزمة المتكررة.
ومنذ فبراير/شباط 2011 والجهات ذات العلاقة تحقق في أسباب غرق الأنفاق وفشل مشاريع التصريف في استيعاب الأمطار، وحينها طلبت هيئة الرقابة الإدارية من مسؤولي الأمانة الإجابة عن 5 أسئلة أبرزها: ما هي أسباب الغرق، وما هي الإجراءات المتخذة سابقا لحمايتها؟ ولماذا تأخرت عمليات شفط وسحب المياه من الأنفاق؟ وما مدى تأثر جسم النفق من جراء استمرار وجود المياه به عدة أيام؟ وما هي المشاريع المستقبلية لضمان عدم تكرار ما حدث؟ ومرت السنوات دون إجابة وافية لتلك الأسئلة البسيطة.
أهم 8 أسباب
"العربي الجديد" استعانت بعدد من الخبراء والمختصين وضعوا تصورهم لأهم أسباب تكرار الأزمة في كل عام، منذ كارثة غرق جدة الشهيرة التي وقعت في عام 2009 والتي ما زال المتسببون فيها يخضعون للمحاكمة.
1- طبيعة المدينة
يؤكد الخبير العقاري السعودي علي الكاشف على أن طبيعة المدينة تعد السبب الأول لغرق شوارعها في كل عام، ويقول لـ"العربي الجديد": "جغرافية مدينة جدة تتسع شمالا وجنوبا، ولكن من الشرق يحدها الجبال ومن الغرب يحدها البحر الأحمر، فالمدينة عبارة عن مجموعة أودية وعند نزول الأمطار من أقصى الشرق أي من الجبال كمنطقة مرتفعة، تنقل هذه السيول إلى المناطق لتأخذ مجراها الطبيعي إلى أقصى الغرب، مرورا بالأودية المنخفضة التي تتوسط ما بينهما ووصولا إلى البحر الأحمر، وهناك عدة مسارات رئيسية لمجرى السيل في مدينة جدة؛ والتي يمكن من خلالها وصول السيول إلى البحر ولا يمكن فعل شيء أمام قوة الطبيعية، إذا كانت الأمطار غزيرة ومهما حاولت تقوية الشوارع فإن طبيعة تربة المدينة لا تساعد أبدا".
ويصف الكاشف ما يحدث في كل عام، ويقول: "عند هطول الأمطار يبدأ مجرى السيل طريقه من الجبال شرقاً؛ مخترقاً المنطقة السكنية (حي القويزة المنكوبة) ويصطدم بها مباشرة، ومجرى السيل لا يمكن أن يستوعب الكمية المسالة مما تحدث عملية الطفو الإجبارية ومن ثم يطفو ويصطدم بالخط السريع، ثم يواصل اندفاعه القوي إلى أسوار جامعة الملك عبد العزيز وما بداخلها، وصولا إلى السليمانية وكوبري الجامعة المنفذ الوحيد لطرق المسار الأول للسيول القادمة من قويزة".
ويتابع: "الأمور تحسنت كثيرا عن السابق؛ فالأمطار التي نزلت خلال الأيام الماضية شبيهة بتلك التي نزلت في عام 2009، ولكن المشاريع الأخيرة خففت كثيرا من خطرها ولم نشاهد فقدانا في الأرواح، وكان الوضع سيصبح كارثيا بدون مشاريع السدود الجديدة".
2- ارتفاع منسوب المياه
أرجع تقرير أصدرته أمانة مدينة جدة، واطلعت عليه "العربي الجديد" أسباب تكرار حوادث الغرق التي تتعرض لها المدينة في كل عام لعوامل رئيسية أبرزها ارتفاع منسوب مياه البحر، الذي أسهم بحسب التقرير في خفض قدرة تصريف المياه عبره، إضافة إلى ارتداد مياهه إلى الأحياء المتاخمة له مثل: الحمراء، والرويس.
3- عدم وجود قنوات تصريف كافية
تعترف الأمانة في ذات التقرير أن قنوات تصريف المياه الموجودة حاليا، غير كافية لاستيعاب مياه السيول القادمة من الأودية الشرقية ومنعها من التدفق إلى المنطقة العمرانية، وبحسب التقرير أجرت الأمانة دراستين سابقتين لتصميم شبكات تصريف مياه الأمطار في شرق وغرب جدة، تضمنت الأولى دراسة حلول تصريف السيول ومياه الأمطار للأحياء السكنية شرق طريق الحرمين، التي اعتمدت بياناتها على توقعات لفترة 25 سنة وحدوث عاصفة مطرية لا تزيد على 88 مليمتراً، فيما اشتملت الدراسة الثانية على تصميم 16 أولوية لشبكات تصريف مياه الأمطار غرب طريق الحرمين، واعتمدت بيانات الدراسة على توقعات لسنتين قادمتين وعاصفة مطرية لا تزيد على 29 مليمتراً؛ وهو ما لا يحدث في كل مرة إذ أكدت تقارير الأرصاد الجوية أن منسوب مياه الأمطار بات يصل لـ114 مليمتراً، مما يعني أن هاتين الدراستين غير قادرتين على حل المشكلة.
4- فشل عقلية إدارة المدينة
يؤكد الخبير الاقتصادي السعودي برجس البرجس أنه لا يمكن حل المشاكل التي تعاني منها جدة حاليا، إلا بتغيير القائمين على إدارة المدينة، معتبرا أن طريقتهم في التعامل مع المشاكل والأحداث سيئة للغاية، ويقول لـ"العربي الجديد": "السبب الرئيسي لما يحدث في جدة كل عام هو سوء الإدارة، فلا يمكن أن تدير مدينة كبيرة مثل جدة بالفكر الحالي لأمانتها، والتي لو كانت جيدة لما سحبت منها المشاريع الكبيرة وسلمت لأرامكو ولوزارة المياه".
ويتابع: "أنا أعرف طريقة إدارتهم للمشاريع، وكيف يتم تمثيل القطاعات الحكومية فيها، وأقول بثقة إن القائمين على أمانة مدينة جدة لا يعرفون كيف يديرون تلك المشاريع؛ ولهذا نجد في جدة كل أنواع المشاكل؛ فليس الصرف الصحي المفقود مشكلتها الوحيدة لأن سكان جدة لا يجدون مياها للشرب من الأساس؛ ولهذا لا يمكن أن تحل مشاكل المدينة بنفس طريقة إدارة الأمانة الحالية، والأشخاص الموجودون فيها لا يعملون ولا يتحدثون ولا يناقشون أحدا في إخفاقاتهم".
5- تأخر مشاريع الصرف
يؤكد عضو هيئة المهندسين السعودية المهندس مازن البصيري، أن المشاريع التي بدأت منذ أربعة أعوام ما تزال خارج الخدمة، إذ تتأخر سنويا بسبب تعطل المضخات وعدم التمكن من سحب المياه في المشاريع.
يقول البصيري لـ"العربي الجديد": "هذا أحد أبرز التحديات التي يجب الانتباه إليها"، ويتابع: "مشاريع جدة السابقة، والتي غرقت اتضح أن سبب غرقها تعطل المضخات التي لم يتمكن أحد من إصلاحها، إضافة إلى عيوب في إنشاء بعض الكباري والأنفاق أعاقت تصريف المياه، وكلها أمور أخرت إنجاز المشاريع".
6- فشل مشاريع الصرف القائمة فعليا
أظهر تجمع مياه الأمطار في شارع جاك بمنطقة قويزة شرقي جدة، فشل مشروع تصريف المياه الذي نفذته أمانة جدة قبل عام تقريباً، إذ ارتفع منسوب المياه، لأكثر من 50 سم، بشكل أغرق الشارع.
ويؤكد خالد طاشكندي مدير التحرير الاقتصادي في جريدة عكاظ الصادرة في جدة لـ"العربي الجديد" أن جدة تعاني من عدم وجود بنية تحتية ملائمة، ويقول: "لا توجد بنية تحتية تتحمل مياه الأمطار لهذا نجد أن جدة تغرق في شبر ماء".
ويتابع طاشكندي الذي يعاني منزله من غياب لشبكات الصرف، أسوة بآلاف المنازل في جدة: "تم صرف الكثير من المليارات على مشاريع الصرف الصحي، ولكن بعضها نفذ بطريقة غير جيدة، ويحتاج لإعادة العمل عليه وبعضها لم ينفذ حتى الآن".
أضاف "نعاني هذه المشكلة منذ أكثر من 50 عاما، فلا يوجد صرف صحي في معظم أحياء المدينة، والمشاريع القائمة حالياً فشلت في إنقاذ المدينة من الغرق، وكان آخرها مشروع درء مخاطر السيول عبر بناء عدد من السدود أمام السيول، ولكن لا يوجد تكامل بين هذه المشاريع وبين مشاريع الصرف الصحي للأمطار التي تهطل على المدينة نفسها؛ فجدة الآن تغرق شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، مع أن طبيعة المدينة لا تختلف عن أي مدينة أخرى في العالم".
7- قرارات غير مدروسة
يلقي علي الكاشف باللائمة أيضا على بعض القرارات غير المدروسة من قبل أمانة مدينة جدة، ويقول: "سمحت الأمانة بزيادة عدد الأدوار في الأحياء السكنية، ولكن دون توفير الخدمات التحتية المناسبة لهذه الزيادة، مما أدى إلى ضغط الخدمات الموجودة حالياً ونقص شديد لها، مثلا قرار زيادة الأدوار نفع القائمين على تشغيل صهاريج الصرف الصحي والمياه، وزاد الطلب عليها لتتحول إلى تجارة مدفوعة، مع هدر الميزانيات المقررة لها من الدولة".
8- فساد المقاولين
يؤكد الخبير العمراني مازن البهيجان لـ"العربي الجديد" أن جدة لا تملك بنية تحتية مجهزة لاستيعاب الأمطار، ليس لأنّ الحكومة لم تصرف ميزانيةً هائلة لتنفيذ المشاريع، بل لأن: "المقاولين الذين بنو تلك المشاريع اعتقدوا أن رمال الصحراء قادرة على امتصاص الأمطار، ففضلوا وضع أغطية لمصارف المياه دون وضع الأنابيب".. ويتابع: "رصد أكثر من 38 مليار ريال سعودي لتنفيذ مشاريع صرف مياه الأمطار، ولكن لم ينتج منها سوى تزايد في أعداد المستنقعات والبرك التي عطّلت حركة المرور، وأوقفت المدارس والأشغال، ودمرت أملاكاً وخربت بيوتا، بل تسببت بإزهاق الأرواح، في مدينة جدة".
الأمانة: لسنا وحدنا المسؤولين
لم تنفِ أمانة مدينة جدة مسؤوليتها عما يحدث كل عام، ولكنها أكدت على لسان المتحدث الرسمي لها محمد البقمي أنها ليست المسؤولة الوحيدة عما يحدث. البقمي قال في مداخلة مع التلفزيون السعودي: "منذ سنوات طويلة، صدر أمر ملكي بإناطة مهام كل ما يتعلق بالمياه والصرف الصحي لوزارة المياه والممثلة حالياً في شركة المياه الوطنية، وهي تنفذ مشاريع المياه والصرف الصحي، ومشاريع تصريف الأمطار والسيول تم تسليمها بالكامل لشركة (أرامكو)، ودور أمانة جدة تشغيل وصيانة شبكة تصريف مياه الأمطار القائمة، وسحب المياه من المواقع التي ليس فيها شبكات تصريف للأمطار، ورغم ذلك نتفاجأ بأن اللوم يقع على أمانة جدة فقط".
هذا الحديث لم يقنع حبيب الحربي الذي دمرت المياه محل البقالة الذي يملكه وحولته لخراب.. فهو مثل كثير من المواطنين لا يعرف من المسؤول ولماذا يحدث هذا، كل مايهمهم ألا يتكرر الأمر في كل عام، وأن يجدوا سياراتهم كما تركوها ليلا، ليست غارقة.