16 نوفمبر 2024
بداية عهد "الذئاب المنفردة"
لم تعد الأساليب الإرهابية "تقليديةً" عالمياً. اعتداء نيس الفرنسية نموذجٌ صارخ على ذلك. كل شيء يُمكن أن يكون "أداة إرهابية". هذا ما علّمنا إياه التاريخ المعاصر، تحديداً بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 الأميركية. متى تمّت عملية "غسل الدماغ"، يصبح اختيار الأدوات لتنفيذ الاعتداءات "أمراً ثانوياً".
ما حصل في نيس، مساء الخميس، مجرّد خطوة أخرى في سياق "تطوير" أدوات الاعتداءات. في السابق، كان كل شيء، تقريباً، يتمحور حول قنابل وسيارات مفخخة، أو هجوم بالأسلحة الرشاشة. اليوم، أضحى كل شيء، تقريباً، أداةً مساعدةً في ضرب المدنيين. من الطبيعي أن الهدف من تنويع أدوات القتل لا يعني حصد أعدادٍ إضافية من الضحايا، بقدر ما يعني تركيز الرعب بين المدنيين لاستيلاد حالة الهلع والهوس الدائمين، والتوجّس من كل شيء. لا يحتاج الأمر وقتاً كثيراً ليصبح الناس أكثر قلقاً في نزهاتهم أو خروجهم للشوارع، ما قد يدفع كثيرين لتغيير عاداتهم اليومية، والاكتفاء بالبقاء في منازلهم. هنا، يتمّ ضرب مسار الحياة الاجتماعية العامة، بما يؤدي إلى شرخٍ في دورتها الاقتصادية، أكان لجهة إحجام الناس عن المشاركة في النشاطات اليومية، أو في تخصيص موازناتٍ ضخمة للأمن. ويُمكن، في مثل هذه الحالة، الأخذ بالاعتبار، ارتفاع نسبة البطالة، مع ما يرافقها من اعتداءاتٍ أو جرائم جنائية، تُعتبر من إفرازاتها.
في الواقع، لم يعد مفهوم "الذئاب المنفردة" خارج تصنيف منفّذي العمليات الإرهابية، بل يُمكن أن يصبح في الغرب، "الأكثر ملاءمةً" لتنفيذ الهجمات فيه. ذلك، لأن "الذئب المنفرد" غالباً ما يُقتل بعد العملية، وكأن الأمر جريمة فردية انتهت في لحظتها. ولا توجد "قيادة" فعلية لضربها أو محاسبتها، سوى في حال تبنّت الاعتداءات، كما حصل في محطاتٍ سابقة، من أورلاندو الأميركية إلى باريس وغرينوبل الفرنسيتين. فحين يتبنّى "داعش" مثلاً اعتداءات "الذئاب المنفردة"، تشن البلدان التي تعرّضت للاعتداء هجماتٍ جوية، على الأكثر، على مواقع التنظيم في سورية والعراق. وينتهي الأمر عند هذا الحدّ.
الاكتفاء بالضربات الجوية مشكلة أخرى، ذلك لأن الوضع في المشرق العربي يتجه، أقلّه علناً، إلى "بداية النهاية" لتنظيم داعش، ميدانياً. مساحات سيطرة التنظيم الجغرافية في سورية والعراق تتراجع وفقاً لآخر التقارير، حتى أن أعداداً كبيرةً من قيادييه قُتلوا. تحرير الموصل العراقية والرقة السورية بات مسألة وقت. أي أن "داعش" سيُصبح مجرد تنظيمٍ ذي وجودٍ جغرافي صغير نسبياً، في أفضل الاحتمالات، إنْ لم يضمحلّ جغرافياً. بالتالي، فإن انعدام المكان، أو المراكز الرئيسية لاحقاً، بموازاة استمرار اعتداءات "الذئاب المنفردة"، سيستولد مشكلة أساسية: أي بقعة جغرافية سنضرب في حال تعرّضنا للاعتداء، وفي ظلّ تنوّع أساليب "الذئاب المنفردة"؟ الجواب سهل: المهاجرون، سواء الجيل الأول منهم أو أجيالهم الأخرى.
ذلك، لأن جزءاً أساسياً من الاعتداءات يهدف إلى إحداث الانقسام داخل المجتمعات، وفرزها على أسس عنصرية، قوميةٍ أو طائفية أو عرقية. ما يسمح باستغلال كل فرد في تلك المجتمعات، كعنصر في مثل تلك الحرب. لم يعد الوضع بمثابة "فعل"، بل "ردة فعل". ومن شأن ردود الأفعال المتبادلة أن تفضي إلى هيمنة أجنحة اليمين على المشهدين، السياسي والأمني، في أوروبا. وهو ما كان يُعتبر، حتى وقت قريب، بمثابة "موجة عابرة"، لكنه تحوّل الآن إلى "أساسٍ" سيُبنى عليه في الأيام المقبلة.
الآن، لا تتوقف الأمور عند سقوط "داعش" جغرافياً، للانتهاء من كل الرعب الذي يجتاح الغرب، على اعتبار أن سقوط التنظيم سيؤول حتماً إلى ولادة آخر. كما سبق أن أثبت التاريخ الحديث مراراً. والخوف هو أن تكون عملية نيس مجرّد تأكيد على نهاية الوجود الجغرافي لـ"داعش"، وبداية لـ"ذئاب منفردة"، نشأت معظمها بعد أحداث "11 سبتمبر".
ما حصل في نيس، مساء الخميس، مجرّد خطوة أخرى في سياق "تطوير" أدوات الاعتداءات. في السابق، كان كل شيء، تقريباً، يتمحور حول قنابل وسيارات مفخخة، أو هجوم بالأسلحة الرشاشة. اليوم، أضحى كل شيء، تقريباً، أداةً مساعدةً في ضرب المدنيين. من الطبيعي أن الهدف من تنويع أدوات القتل لا يعني حصد أعدادٍ إضافية من الضحايا، بقدر ما يعني تركيز الرعب بين المدنيين لاستيلاد حالة الهلع والهوس الدائمين، والتوجّس من كل شيء. لا يحتاج الأمر وقتاً كثيراً ليصبح الناس أكثر قلقاً في نزهاتهم أو خروجهم للشوارع، ما قد يدفع كثيرين لتغيير عاداتهم اليومية، والاكتفاء بالبقاء في منازلهم. هنا، يتمّ ضرب مسار الحياة الاجتماعية العامة، بما يؤدي إلى شرخٍ في دورتها الاقتصادية، أكان لجهة إحجام الناس عن المشاركة في النشاطات اليومية، أو في تخصيص موازناتٍ ضخمة للأمن. ويُمكن، في مثل هذه الحالة، الأخذ بالاعتبار، ارتفاع نسبة البطالة، مع ما يرافقها من اعتداءاتٍ أو جرائم جنائية، تُعتبر من إفرازاتها.
في الواقع، لم يعد مفهوم "الذئاب المنفردة" خارج تصنيف منفّذي العمليات الإرهابية، بل يُمكن أن يصبح في الغرب، "الأكثر ملاءمةً" لتنفيذ الهجمات فيه. ذلك، لأن "الذئب المنفرد" غالباً ما يُقتل بعد العملية، وكأن الأمر جريمة فردية انتهت في لحظتها. ولا توجد "قيادة" فعلية لضربها أو محاسبتها، سوى في حال تبنّت الاعتداءات، كما حصل في محطاتٍ سابقة، من أورلاندو الأميركية إلى باريس وغرينوبل الفرنسيتين. فحين يتبنّى "داعش" مثلاً اعتداءات "الذئاب المنفردة"، تشن البلدان التي تعرّضت للاعتداء هجماتٍ جوية، على الأكثر، على مواقع التنظيم في سورية والعراق. وينتهي الأمر عند هذا الحدّ.
الاكتفاء بالضربات الجوية مشكلة أخرى، ذلك لأن الوضع في المشرق العربي يتجه، أقلّه علناً، إلى "بداية النهاية" لتنظيم داعش، ميدانياً. مساحات سيطرة التنظيم الجغرافية في سورية والعراق تتراجع وفقاً لآخر التقارير، حتى أن أعداداً كبيرةً من قيادييه قُتلوا. تحرير الموصل العراقية والرقة السورية بات مسألة وقت. أي أن "داعش" سيُصبح مجرد تنظيمٍ ذي وجودٍ جغرافي صغير نسبياً، في أفضل الاحتمالات، إنْ لم يضمحلّ جغرافياً. بالتالي، فإن انعدام المكان، أو المراكز الرئيسية لاحقاً، بموازاة استمرار اعتداءات "الذئاب المنفردة"، سيستولد مشكلة أساسية: أي بقعة جغرافية سنضرب في حال تعرّضنا للاعتداء، وفي ظلّ تنوّع أساليب "الذئاب المنفردة"؟ الجواب سهل: المهاجرون، سواء الجيل الأول منهم أو أجيالهم الأخرى.
ذلك، لأن جزءاً أساسياً من الاعتداءات يهدف إلى إحداث الانقسام داخل المجتمعات، وفرزها على أسس عنصرية، قوميةٍ أو طائفية أو عرقية. ما يسمح باستغلال كل فرد في تلك المجتمعات، كعنصر في مثل تلك الحرب. لم يعد الوضع بمثابة "فعل"، بل "ردة فعل". ومن شأن ردود الأفعال المتبادلة أن تفضي إلى هيمنة أجنحة اليمين على المشهدين، السياسي والأمني، في أوروبا. وهو ما كان يُعتبر، حتى وقت قريب، بمثابة "موجة عابرة"، لكنه تحوّل الآن إلى "أساسٍ" سيُبنى عليه في الأيام المقبلة.
الآن، لا تتوقف الأمور عند سقوط "داعش" جغرافياً، للانتهاء من كل الرعب الذي يجتاح الغرب، على اعتبار أن سقوط التنظيم سيؤول حتماً إلى ولادة آخر. كما سبق أن أثبت التاريخ الحديث مراراً. والخوف هو أن تكون عملية نيس مجرّد تأكيد على نهاية الوجود الجغرافي لـ"داعش"، وبداية لـ"ذئاب منفردة"، نشأت معظمها بعد أحداث "11 سبتمبر".