من المنتظر أن تعلن اللجنة العليا للانتخابات، غداً السبت، رسمياً عن النتائج النهائية للانتخابات، التي تشهد في الغالب تغيير أسماء بعض الفائزين، خصوصاً في الدوائر التي تتمثل بأكثر من مقعدين، نظراً لضم أصوات المقيمين في الخارج، إلّا أن المؤشرات النهائية التي أعلنتها لجان الانتخابات العامة، تشير كما كان متوقعاً، إلى نجاح 65 مرشحاً تقريباً لحزب "المصريين الأحرار" بقيادة رجل الأعمال نجيب ساويرس، و55 من حزب "مستقبل وطن" المدعوم من الدوائر الأمنية للسيسي، ونحو 80 من أعضاء الحزب "الوطني" المنحلّ، والمئات من المستقلين، الذين تسعى إدارة قائمة "في حب مصر" إلى ضمّهم مع ممثلي "مستقبل وطن"، لتشكيل الأكثرية النيابية، التي ستؤيد استمرار حكومة شريف إسماعيل، وستقوم على تنفيذ مشروعات السيسي.
في السياق، سيؤدي نواب ساويرس دور المعارضة، تحديداً على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، لتبنّي حزبه خطاباً واتجاهاً مختلفاً ومتناقضاً مع اتجاهات نظام السيسي في مجالات الاستثمار والتعامل مع رجال الأعمال. وبين هاتين الكتلتين الكبيرتين، سيكون لكتلتي حزب "الوفد" وحزب "النور" دور أقرب إلى الهامشية، منه إلى الأهمية، وخصوصاً أن الأكثرية التابعة للدولة، أمّنت منذ الآن تقريباً، تمرير كل المشروعات التي تتطلب نصف الأصوات زائداً واحدا، وتقترب أيضاً من تأمين تمرير المشروعات التي تتطلّب ثلثي الأصوات.
وبذلك يعيد المجلس الجديد إلى الأذهان، دورات مجلس الشعب الخالية من المعارضة الحقيقية في عهد مبارك، كبرلمان 1995 وبرلمان 2000 وبرلمان 2010، الذي حلّته ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. بل إن حجم المعارضة الحقيقية في برلمان 2005، الذي فاز فيه الإخوان بـ88 مقعداً، كان أكبر من البرلمان الحالي، أخذاً في الاعتبار أن فريق المعارضة الرئيسي في مجلس النواب العتيد، كان مشاركاً للأكثرية في تشكيل قائمة "في حب مصر"، بحثاً عن نسبة مقاعد مضمونة من إجمالي 120 مقعداً، التي فازت بها القائمة على مستوى الجمهورية، في أسوأ نظام انتخابي من حيث مراعاة أصوات الناخبين، تمثل في إنجاح مطلق للقائمة المغلقة الحاصلة على المركز الأول.
اقرأ أيضاً: حرب بين ساويرس و"في حب مصر" لاستمالة النواب المستقلين
كما برز نجاح شخصيات مشبوهة ومعروفة بمشاكلها الكثيرة وتعدد البلاغات القضائية ضدها وعدائها لثورة يناير ومخالفتها المستمرة للقواعد الدستورية والقانونية، كرئيس نادي الزمالك مرتضى منصور ونجله، والإعلاميين عبد الرحيم علي، وتوفيق عكاشة، والثلاثي المدعوم من الاستخبارات حمدي بخيت وسمير غطاس وتامر الشهاوي (في دائرة واحدة هي مدينة نصر)، وعدد كبير من ضباط الجيش والشرطة المتقاعدين. وقد عبّرت النتائج بواقعية، عن المزاج العام للنسبة الضئيلة من المواطنين التي شاركت في الانتخابات.
نسبة التصويت، التي تُجمع مختلف المؤشرات على أنها لن تتعدّى الـ20 في المائة من الناخبين، من شأنها تجريد نظام السيسي من ادّعائه الشعبية والسيطرة على الشارع، وميل المتحازبين معه إلى معاداة أهداف ثورة يناير والرغبة في وأدها نهائياً، والمضي قدماً في استمرار تعطيلها عن بلوغ أهدافها، وإعادة عقارب الساعة إلى نظام مبارك. كما يعكس نجاح 12 مرشحاً فردياً من المسيحيين، قوة انخراط الكنيسة في النظام الحاكم.
وعلى الرغم من كل العيوب التي أبرزتها الانتخابات الأخيرة، فإن السيسي نفسه، يرى بأن الانتخابات نجحت، ويدّعي أن نسب المشاركة هي ضمن المعدّلات الطبيعية، على الرغم من انخفاضها عن آخر انتخابات تشريعية بنحو 40 في المائة. ويدّعي السيسي أيضاً، أن الانتخابات أُجريت في مناخٍ من التجرّد والحرية والحيادية، على الرغم من تسجيل صحف النظام بنفسها مئات الحالات، لبيع وشراء أصوات الناخبين مقابل الغذاء والدواء والسلع والنقود.
وتعكس تعليقات السيسي ما كان يريده فعلاً بالمجلس، والدور الذي يريد رسمه له، فالنظام منذ اليوم الأول لإقرار الدستور تباطأ طويلاً لبدء الانتخابات، وطالما اعتبرها عقبة في سبيل تنفيذ مشروعات السيسي وتدخلاته الواسعة في البنية التشريعية المصرية دون وجه حق.
وفي النهاية كان لزاماً عليه إجراء الانتخابات، التزاماً بوعود قطعها على نفسه خلال زياراته الخارجية. كما أن شرعية الرئيس المصري ما زالت مهتزة في نظر الحكومات الغربية وتيارات رئيسية فيها، بفعل إجرائه محاكماتٍ، تفتقر لضمانات العدالة للمنافسين السياسيين، تحديداً بعد انتهائها بأحكام إعدام ضد الرئيس المعزول محمد مرسي، الذي أطاحه السيسي عام 2013.
أما خلو البرلمان من المعارضة الحقيقية، فهو أمر كان مرتقباً بعد قضاء السيسي عملياً على ما كان يسمى بـ"الجناح الديمقراطي من النظام"، الذي شارك في تشكيل حكومة حازم الببلاوي، عقب الإطاحة بحكم جماعة "الإخوان المسلمين"، ولا يزيد ممثلو هذا الجناح عن أربعة أشخاص في المجلس الجديد.
وإزاء هذا الوضع، لا يُمكن تخيّل أن يتخذ المجلس قرارات حاسمة ضد مشروعات للسيسي، أو أن يشكل عقبة أمام تنفيذ طموحاته وبرنامجه الاقتصادي، الذي يحظى بانتقاد واسع في مصر، بحكم كونه قائماً على توسيع اقتصاديات الجيش الخاصة، وتسوية النزاعات مع المستثمرين الأجانب والعرب وتقديم تسهيلات غير محدودة لهم، تتضمّن التصالح معهم في مخالفاتهم السابقة، وزيادة الضرائب والرسوم وخفض دعم الطاقة للأفراد.
كما لا يبدو المجلس الجديد حريصاً على تنفيذ استحقاق دستوري صريح، هو مراجعة التشريعات التي صدرت على مدار العامين الماضيين خلال 15 يوماً من انعقاده. وتتجه النية إلى التصديق على جميع هذه التشريعات دفعة واحدة، بما في ذلك القوانين التي يرفضها الشارع كقانون "الخدمة المدنية"، بهدف الالتفاف على النصّ الدستوري، ثم فتح الباب لإعادة النظر فيها، وفقاً للتناغم السياسي بين الأحزاب والنظام على مدار الفصل التشريعي المقبل.
وبينما فشل النظام في جذب شباب الثورة الحقيقيين، أو النشطاء السياسيين غير المصنّفين، إلى قائمة التعيينات، التي تشمل 28 اسماً سيختارهم السيسي كنواب، تبدو فئات القضاة السابقين والقانونيين المقرّبين من السلطة، هي الأوفر حظاً للسيطرة على هذه القائمة. وفي هذا الصدد، تُراجع الأجهزة الأمنية الأسماء المرشحة، ومن بينها شخصيات أكاديمية ومرشحون خاسرون في الانتخابات الحالية، محسوبون على "الجناح الديمقراطي للنظام".
وعلى الرغم من استمرار رغبة السيسي في أن يرأس سلفه المؤقت عدلي منصور البرلمان، إلّا أن الأخير ما زال متردداً على ما يبدو، وأصبح أكثر ميلاً لرفض التعيين في المجلس أو تولّي رئاسته، بعد نجاح كل من مرتضى منصور وتوفيق عكاشة تحديداً.
ويعتبر منصور أن وجود الثنائي معه في البرلمان، سينال من هيبته ووقاره، لا سيما أنهما هاجماه سلفاً خلال فترة رئاسته المؤقتة للبلاد، وفقاً لمصادر سياسية خاصة لـ"العربي الجديد". وقد يُجبَر السيسي على قبول عروضٍ بتعيين وزير العدل الحالي أحمد الزند، أو وزير الشباب خالد عبد العزيز، وعودة عمرو موسى للمنافسة مرة أخرى، بعد أن كان قد استُبعد من المشهد بعد فشله في تشكيل قائمة سياسية موحدة لخوض الانتخابات، وهو ما نجح فيه سامح سيف اليزل ومجموعته المدعومة من الدوائر الأمنية والاستخباراتية.
اقرأ أيضاً مصر: "التصويت الطائفي" يطغى على إعادة الانتخابات