ويكفي القول في هذا الصدد، إن الاقتصاد البريطاني حقق أكبر معدل نمو بين دول مجموعة السبع خلال العام الماضي 2016.
ويلاحظ أن بريطانيا حولت انخفاض سعر صرف الإسترليني إلى ثروة، حيث استخدمته ببراعة في تسويق منتجاتها وخدماتها وسياحتها. فالبريطانيون يخططون بهدوء ويحققون نجاحات في التحول من الكتلة الأوروبية إلى دولة مستقلة بقراراتها عن أوروبا، حتى قبل التوقيع رسمياً.
وعلى الرغم من أن بريطانيا جزيرة صغيرة من حيث المساحة وعدد السكان الذي لا يتجاوز 64 مليون نسمة، لكنها كبيرة من حيث الإرث التاريخي والثقافي وممارسة الديمقراطية والقدرة على التأثير وتطويع المناخ العالمي ببراعة لصالحهم، فهم لا يلجؤون للعويل والتهويل ولكنهم يدرسون، يحسبون ويخططون.
وحسب الإحصائيات التي تنشرها المؤسسات البحثية وصندوق النقد والبنك الدوليين، تملك بريطانيا خامس أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي. ويقدر حجم الاقتصاد البريطاني في العام 2016 بحوالي 2.9 ترليون دولار.
ويرى العديد من خبراء المال أن هذه القوة المالية والاقتصادية ستكون إضافة لأوروبا بعد خروج بريطانيا، ولن تكون عليها، كما ستواصل لندن لعب دورها المالي وتعزيز مركزها التجاري القوي.
في هذا الصدد، يرى البروفسور ورجل الأعمال البريطاني جون ديفي، أن مركز بريطانيا المالي والاقتصادي لا علاقة له بأوروبا، كما تصور بعض المقالات، حيث يقول في تعليقات لـ"العربي الجديد"، إن لندن كانت عاصمة للمال قبل نشوء الاتحاد الأوروبي وستظل كذلك بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وتشير الإحصاءات الأخيرة التي نشرها معهد الإحصاء البريطاني، إلى ان الاقتصاد البريطاني يتجه للنمو بخطوات واثقة خلال العام الجاري رغم التشاؤم الذي أبدته بعض بيوت الخبرة حول التداعيات السالبة لما بعد توقيع رئيسة الوزراء تيريزا ماي على "الفقرة 50" من معاهدة لشبونة، التي تعني عملياً سقوط العضوية البريطانية في الكتلة الأوروبية.
ووسط هذا الارتباك العالمي، الذي يخلقه وصول دونالد ترامب للسلطة في أميركا، تخطط بريطانيا بهدوء لإجراء تحولات كبرى في بنية الاقتصاد ومستويات الإنتاجية وكيفية الربط المباشر بين الامتياز الأكاديمي للجامعات البريطانية وبحوثها العلمية وتطوير الأفكار والنظريات الحديثة وتطيرها إلى منتجات تحقق فائض قيمة مرتفع، بدلاً من بيعها كبحوث. وذلك شبيه بالنمط الذي خلق الثراء في الولايات المتحدة.
ويرى اقتصاديون أن هذه الاستراتيجية ستعمل على بناء قطاع صناعي قوي في سنوات قليلة، كما سترفع من مستويات الإنتاجية المتدنية في بريطانيا، التي تقل حالياً عن معدل الإنتاجية في بعض الدول المنافسة مثل أميركا وبعض دول أوروبا.
وحسب التعليق الأسبوعي للبرلماني البريطاني السابق والخبير الاقتصادي جون ريدوود، فإن القوة الاستهلاكية وثقة المستهلكين في المستقبل الاقتصادي، كانت وراء ارتفاع معدل النمو الاقتصادي. ويذكر أن الاقتصاد البريطاني استفاد من الطلب القوي في قطاع الخدمات، كما استفاد كذلك من التدفق الهائل في عدد السياح والمتسوقين خلال الصيف الماضي. وهو ما انعكس إيجاباً في ارتفاع معدل النمو الاقتصادي.
وعلى الصعيد الاستثماري، يتوقع الخبير الاقتصادي جون ريدوود أن يتواصل ارتفاع مؤشر "فوتسي 100" خلال العام الحالي، مستفيداً من تحسن ربحية الشركات البريطانية والشراكات التجارية واحتمال عودة مستثمرين كانوا قد ترددوا في وضع أموالهم في بريطانيا خلال الأشهر التي تلت استفتاء "بريكست".
ولكن على الرغم من هذا التفاؤل الذي تدعمه الأرقام، هنالك مخاوف من ارتفاع معدل التضخم وتداعياته السالبة على حياة المواطنين، خاصة ذوي الدخول المنخفضة والطبقة الوسطى.
وهنالك شبه إجماع بين الاقتصاديين على أن التضخم ربما يصل إلى 2.5% في المتوسط خلال العام الجاري 2017، إلا أن المعهد القومي البريطاني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية يرى أن التضخم سيرتفع إلى 3.5%.