09 نوفمبر 2024
بريطانيا ـ إيرلندا: ثاتشر وساندز
من يسكن بريطانيا في هذه الأيام فسيكون شاهداً على أخبارٍ كثيرة، يرويها للأجيال المستقبلية، تماماً كما رواها سابقاً من عايش ستينيات القرن العشرين والثورة الشبابية وحرب فيتنام، وكما أَخبَر من رافق تحوّلات الكتلة الشرقية من أوروبا وإزالة الستار الحديدي وسقوط جدار برلين. في بريطانيا، لم يكن تشابك التاريخ مع الجغرافيا مع الوضعيتين السياسية والشعبية لملف "بريكست" سوى انتصار لوجود جمهورية إيرلندا، بعد عقودٍ طويلة من النزاع مع الملكيين البريطانيين. منذ استفتاء 23 يونيو/حزيران 2016، الذي صوّت فيه البريطانيون لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، كانت العقدة كلها في الحدود بين إيرلندا وإيرلندا الشمالية. الأولى دولة مستقلة، قاومت بريطانيا عسكرياً وسياسياً، ورفضت الانضمام إليها، عكس ما فعلت اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية، أما الثانية فجزءٌ تابع لبريطانيا. عُزل الإيرلنديون طويلاً كسياسة بريطانية انتقامية، فالجزيرة الإيرلندية متاخمة لبريطانيا، لكنها أضعف بكثير اقتصادياً.
أفضت هذه العزلة إلى تكريس النزاع في إيرلندا الشمالية، بين الوحدويين الكاثوليك الذين كانوا يطالبون بالاتحاد مع إيرلندا والبروتستانت الذين يشكّلون الغالبية في بلفاست ويقسمون الولاء للتاج البريطاني. استمر العنف بفعل نشاط الجيش الجمهوري الإيرلندي، المؤيد للوحدة الإيرلندية، عقوداً طويلة، انتهت بتوقيع اتفاقية سلام عُرفت باسم اتفاق الجمعة العظيمة في 1998. كان غرض بريطانيا تأمين الهدوء لشراء الوقت، والعودة بعد سنوات إلى حكم الجزيرة الإيرلندية. وسط هذه المعادلة، قرّر البريطانيون الخروج من الاتحاد الأوروبي. كل شيء بدا مثالياً في مفاوضات "بريكست"، قبل أن تتعقّد الأمور عند نقطة واحدة، سُمّيت "شبكة الأمان": الحدود الإيرلندية ـ الإيرلندية الشمالية.
"شبكة الأمان" مفهوم مقتبس من رياضة البيسبول، يفترض أن يُحوّل إيرلندا الشمالية إلى "منطقة جمركية واحدة"، تبقى فيها حرية عبور السلع المسموح بها من الاتحاد الأوروبي سارية، من دون تطبيق أي رسوم جمركية أو أنظمة للحصص على السلع الصناعية والزراعية. ولكن هذا الاتحاد الجمركي سيمنع بريطانيا من التوقيع على أي اتفاقية تجارة حرّة لتبادل السلع مع أي دول أخرى، باستثناء الاتحاد الأوروبي، وذلك لمنع دخول البضائع إلى السوق الأوروبية من دولة ثالثة، تستغل هذا الوضع التفضيلي عبر إيرلندا الشمالية. الحدود الإيرلندية هي الحدود البرية الوحيدة الفاصلة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، بطول خمسمائة كيلومتر، ويمرّ من خلالها مائتا طريق يعبرها نحو ثلاثون ألف شخص يومياً؛ ما يجعل عدد المعابر الحدودية على طولها يفوق عدد المعابر الحدودية على طول الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي. ومن هنا تبرز استحالة مراقبة هذه الحدود كلياً. مع الإشارة إلى أن 56% من الإيرلنديين الشماليين صوّتوا لصالح البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي.
"شبكة الأمان" هي التي أسقطت رئيسة الوزراء السابقة، تيريزا ماي، مع رفض البرلمان البريطاني أي اتفاق للخروج مع الأوروبيين لا يتضمن تعديلاً على هذه الشبكة. وهي النقطة عينها التي يواجهها خليفة ماي، بوريس جونسون، الذي زار إيرلندا أخيراً، وقال، إثر لقائه رئيس وزرائها ليو فارادكار: لدي رسالة واحدة أريد أن أسمعك إيّاها يا ليو، وهي أنني أريد أن أتوصل إلى صفقة، أريد الحصول على صفقة.
للمرة الأولى، ربما تُمسك إيرلندا بمصير بريطانيا، إلى درجة أن وزير الخارجية الإيرلندي، سيمون كوفيني، قال "آمل أن نشهد في الأسابيع المقبلة تغييراً في الموقف البريطاني، وأعتقد أن الاتحاد الأوروبي حينها سيتعامل بإيجابية، إذ سنسعى إلى الوصول إلى حلّ وسط يلبي مصالح بريطانيا والاتحاد الأوروبي". انتظرت الجزيرة سنوات طويلة، لتُدرك أن المواجهة مع بريطانيا لا تحتاج إلى "جيش جمهوري إيرلندي"، بل إلى اتحاد أوروبي وحدود مع الشمال يسمح لها بأداء دور الوسيط. اثنان وُجب أن يشاهدا ذلك: مارغريت ثاتشر وبوبي ساندز. ثاتشر حاربت الجيش الجمهوري الإيرلندي، وساندز، القيادي في هذا الجيش، توفي في سجن بريطاني لإضرابه عن الطعام.
"شبكة الأمان" مفهوم مقتبس من رياضة البيسبول، يفترض أن يُحوّل إيرلندا الشمالية إلى "منطقة جمركية واحدة"، تبقى فيها حرية عبور السلع المسموح بها من الاتحاد الأوروبي سارية، من دون تطبيق أي رسوم جمركية أو أنظمة للحصص على السلع الصناعية والزراعية. ولكن هذا الاتحاد الجمركي سيمنع بريطانيا من التوقيع على أي اتفاقية تجارة حرّة لتبادل السلع مع أي دول أخرى، باستثناء الاتحاد الأوروبي، وذلك لمنع دخول البضائع إلى السوق الأوروبية من دولة ثالثة، تستغل هذا الوضع التفضيلي عبر إيرلندا الشمالية. الحدود الإيرلندية هي الحدود البرية الوحيدة الفاصلة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، بطول خمسمائة كيلومتر، ويمرّ من خلالها مائتا طريق يعبرها نحو ثلاثون ألف شخص يومياً؛ ما يجعل عدد المعابر الحدودية على طولها يفوق عدد المعابر الحدودية على طول الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي. ومن هنا تبرز استحالة مراقبة هذه الحدود كلياً. مع الإشارة إلى أن 56% من الإيرلنديين الشماليين صوّتوا لصالح البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي.
"شبكة الأمان" هي التي أسقطت رئيسة الوزراء السابقة، تيريزا ماي، مع رفض البرلمان البريطاني أي اتفاق للخروج مع الأوروبيين لا يتضمن تعديلاً على هذه الشبكة. وهي النقطة عينها التي يواجهها خليفة ماي، بوريس جونسون، الذي زار إيرلندا أخيراً، وقال، إثر لقائه رئيس وزرائها ليو فارادكار: لدي رسالة واحدة أريد أن أسمعك إيّاها يا ليو، وهي أنني أريد أن أتوصل إلى صفقة، أريد الحصول على صفقة.
للمرة الأولى، ربما تُمسك إيرلندا بمصير بريطانيا، إلى درجة أن وزير الخارجية الإيرلندي، سيمون كوفيني، قال "آمل أن نشهد في الأسابيع المقبلة تغييراً في الموقف البريطاني، وأعتقد أن الاتحاد الأوروبي حينها سيتعامل بإيجابية، إذ سنسعى إلى الوصول إلى حلّ وسط يلبي مصالح بريطانيا والاتحاد الأوروبي". انتظرت الجزيرة سنوات طويلة، لتُدرك أن المواجهة مع بريطانيا لا تحتاج إلى "جيش جمهوري إيرلندي"، بل إلى اتحاد أوروبي وحدود مع الشمال يسمح لها بأداء دور الوسيط. اثنان وُجب أن يشاهدا ذلك: مارغريت ثاتشر وبوبي ساندز. ثاتشر حاربت الجيش الجمهوري الإيرلندي، وساندز، القيادي في هذا الجيش، توفي في سجن بريطاني لإضرابه عن الطعام.