03 نوفمبر 2024
بعد ضربة صبراطة
انتقد القيادي الميداني الليبي، عبد الحكيم بلحاج، الضربة الأميركية لمعسكر في مدينة صبراطة في بلاده، والتي أدت إلى مقتل نحو ستين تونسياً، كانوا بصدد تلقي تدريبات للقيام بعمليات إرهابية داخل التراب التونسي. وقال بلحاج إن "ضرب داعش داخل ليبيا سيعتبر حملة صليبية على الإسلام، وسيوظفه الأزلام للقيام بحملة دعائية، تسمح لهم بتوطين أقدامهم في الداخل". وأضاف إن إزالة هؤلاء من الوجود هي مهمة المجتمع الدولي بأكمله، لكننا يجب أن نقوم في ليبيا بمفردنا بعملية جراحية محلية، لاستئصاله من بلادنا".
كلام يقوله كثيرون داخل ليبيا وخارجها. ويستمد هذا الموقف أهميته ومشروعيته من اعتبار أي تدخل في ليبيا اعتداءً على سيادتها، إلى جانب التجارب الفاشلة والقاتمة التي تمت في دول عربية، مثل العراق وسورية، والتي عمّقت، في المقابل، وصاية الغرب على المنطقة.
لكن، علينا أن نقلب الصورة، لنكتشف درجة التعقيد التي بلغتها الحالة الليبية. هناك رهان ليبي وإقليمي وأممي على حكومة فايز السراج، لكنها بقيت معلقةً في انتظار الاعتراف بها. حتى بلحاج عبّر عن خشيته من أن هذه الحكومة قد ترى النور بعد فوات الأوان. فالخلافات بين الليبيين عميقة، واختلط فيها السياسي والحزبي بالقبلي والاجتماعي. كل حسابات الماضي طلعت فجأة على السطح، وتجاوزت حدود التنظيمات، لتخترق كل البنى الفوقية والتحتية، بما في ذلك وحدة الأسرة التي كانت من قبل بمثابة صمام الأمان.
إن جزءاً واسعاً من الليبيين أصبحوا يعيشون خارج ليبيا، وهم موزعون أساساً بين تونس ومصر. ويعود ذلك إلى عدم وجود اطمئنان لديهم، وعدم اقتناعهم كثيراً بالاتفاقات الظرفية التي تحصل بين المجموعات الملحة، أو بين الأحزاب السياسية. وإذ لا تزال القبائل تسهم، إلى حد ما، في تهدئة الأوضاع، إلا أن وزن شيوخها تراجع كثيراً أمام حاملي السلاح. ويعتبر هذا المناخ الناتج عن غياب الدولة والمؤسسات الأفضل لتطور الجماعات المسلحة والموالية لتنظيم الدولة أو القاعدة أو غيرها من الأسماء، التي تعم منطقة شمال أفريقيا والصحراء. وتدّعي الأطراف الليبية أنها ماسكة بالأوضاع، وأنها ستضرب بقوة الإرهاب الداخلي، غير أن واقع الحال يؤشر إلى أن موازين القوى هو بصدد التغيّر على الأرض، حيث حققت "داعش" امتداداً خطيراً، وأصبح لها معسكرات تدريب وخطوط إمداد وسيطرة عسكرية على مدن بكاملها، وصادرت آباراً نفطية عديدة. كما أصبحت شريكاً حيوياً في اقتطاع جزء لا بأس به من الأسواق الموازية، بعد انهيار الاقتصاد الليبي. أي أن "داعش" وضعت على الأرض أسساً عديدة ممهدة لإعلان قيام دولتها. وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه، ستجد الأطراف الليبية المتصارعة حاليا نفسها مهددة في كيانها، وقد تصبح، في لحظةٍ ما، بلا قدرة على الدفاع عن وجودها.
هناك باختصار تغير ميداني ملحوظ، بل هناك خلط أوراق إلى حد مريب، فالمنزل الذي تحول إلى معسكر تدريب للشباب التونسي لا يبعد كثيراً عن المجال الحيوي الذي تسيطر عليه قوات "فجر ليبيا". لا يعني ذلك أن الأخيرة متواطئة مع "داعش". ولكن، كيف يعقل أن يتجمع ما لا يقل عن مائة شخص يتدربون على استعمال الأسلحة، من دون التفطن لوجودهم؟
في هذا المناخ، هناك مصالح كبرى لدول الجوار أصبحت مهدّدة، كما أن الدول الغربية لا يمكنها أن تبقى في معزل عن الأزمة الليبية المتفاقمة، بسبب العجز الليبي الليبي. ولهذا، خطط "الناتو" للتدخل، وشرع في ذلك، من دون الإعلان عنه رسمياً. أما دول الجوار، بما في ذلك تونس، فإنها مع التنديد هي بصدد حساب النقاط التي في صالحها. فمقتل قرابة الستين من التونسيين، بمن فيهم بعض العناصر القيادية في تنظيم داعش، يُعتبر لدى الجهات الأمنية التونسية غنيمةً لم تكن منتظرة. وفي ضوء ذلك، ستكثر لغة الخطاب المزدوج بين الظاهر والباطن، في انتظار انكشاف الحقيقة، وتنضيج حل سياسي فعلي داخل ليبيا وخارجها. ومهما تعددت القراءات، المؤكد أن ضربة صبراطة فتحت الطريق إلى ما بعدها.
كلام يقوله كثيرون داخل ليبيا وخارجها. ويستمد هذا الموقف أهميته ومشروعيته من اعتبار أي تدخل في ليبيا اعتداءً على سيادتها، إلى جانب التجارب الفاشلة والقاتمة التي تمت في دول عربية، مثل العراق وسورية، والتي عمّقت، في المقابل، وصاية الغرب على المنطقة.
لكن، علينا أن نقلب الصورة، لنكتشف درجة التعقيد التي بلغتها الحالة الليبية. هناك رهان ليبي وإقليمي وأممي على حكومة فايز السراج، لكنها بقيت معلقةً في انتظار الاعتراف بها. حتى بلحاج عبّر عن خشيته من أن هذه الحكومة قد ترى النور بعد فوات الأوان. فالخلافات بين الليبيين عميقة، واختلط فيها السياسي والحزبي بالقبلي والاجتماعي. كل حسابات الماضي طلعت فجأة على السطح، وتجاوزت حدود التنظيمات، لتخترق كل البنى الفوقية والتحتية، بما في ذلك وحدة الأسرة التي كانت من قبل بمثابة صمام الأمان.
إن جزءاً واسعاً من الليبيين أصبحوا يعيشون خارج ليبيا، وهم موزعون أساساً بين تونس ومصر. ويعود ذلك إلى عدم وجود اطمئنان لديهم، وعدم اقتناعهم كثيراً بالاتفاقات الظرفية التي تحصل بين المجموعات الملحة، أو بين الأحزاب السياسية. وإذ لا تزال القبائل تسهم، إلى حد ما، في تهدئة الأوضاع، إلا أن وزن شيوخها تراجع كثيراً أمام حاملي السلاح. ويعتبر هذا المناخ الناتج عن غياب الدولة والمؤسسات الأفضل لتطور الجماعات المسلحة والموالية لتنظيم الدولة أو القاعدة أو غيرها من الأسماء، التي تعم منطقة شمال أفريقيا والصحراء. وتدّعي الأطراف الليبية أنها ماسكة بالأوضاع، وأنها ستضرب بقوة الإرهاب الداخلي، غير أن واقع الحال يؤشر إلى أن موازين القوى هو بصدد التغيّر على الأرض، حيث حققت "داعش" امتداداً خطيراً، وأصبح لها معسكرات تدريب وخطوط إمداد وسيطرة عسكرية على مدن بكاملها، وصادرت آباراً نفطية عديدة. كما أصبحت شريكاً حيوياً في اقتطاع جزء لا بأس به من الأسواق الموازية، بعد انهيار الاقتصاد الليبي. أي أن "داعش" وضعت على الأرض أسساً عديدة ممهدة لإعلان قيام دولتها. وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه، ستجد الأطراف الليبية المتصارعة حاليا نفسها مهددة في كيانها، وقد تصبح، في لحظةٍ ما، بلا قدرة على الدفاع عن وجودها.
هناك باختصار تغير ميداني ملحوظ، بل هناك خلط أوراق إلى حد مريب، فالمنزل الذي تحول إلى معسكر تدريب للشباب التونسي لا يبعد كثيراً عن المجال الحيوي الذي تسيطر عليه قوات "فجر ليبيا". لا يعني ذلك أن الأخيرة متواطئة مع "داعش". ولكن، كيف يعقل أن يتجمع ما لا يقل عن مائة شخص يتدربون على استعمال الأسلحة، من دون التفطن لوجودهم؟
في هذا المناخ، هناك مصالح كبرى لدول الجوار أصبحت مهدّدة، كما أن الدول الغربية لا يمكنها أن تبقى في معزل عن الأزمة الليبية المتفاقمة، بسبب العجز الليبي الليبي. ولهذا، خطط "الناتو" للتدخل، وشرع في ذلك، من دون الإعلان عنه رسمياً. أما دول الجوار، بما في ذلك تونس، فإنها مع التنديد هي بصدد حساب النقاط التي في صالحها. فمقتل قرابة الستين من التونسيين، بمن فيهم بعض العناصر القيادية في تنظيم داعش، يُعتبر لدى الجهات الأمنية التونسية غنيمةً لم تكن منتظرة. وفي ضوء ذلك، ستكثر لغة الخطاب المزدوج بين الظاهر والباطن، في انتظار انكشاف الحقيقة، وتنضيج حل سياسي فعلي داخل ليبيا وخارجها. ومهما تعددت القراءات، المؤكد أن ضربة صبراطة فتحت الطريق إلى ما بعدها.