تأتي أهميّة المدن والتركيز عليها، إذ هي تمثّل الواجهة الحضاريّة التي تخلق الانطباع الأول لأي زائر تطأها قدماه. كذلك فإنها تعدّ مؤشراً لتقدّم سكانها ورقيّهم، الأمر الذي يلزم الحكومات الاهتمام بالنهوض العمراني وجميع مرافق الحياة، على أقل تقدير في العواصم ومراكز المحافظات من كل بلد. لكن هذا لم يحدث في العراق وعاصمته بغداد، التي تعاني من تراجع كبير في المظاهر الحضاريّة منذ العام 2003 ولغاية اليوم.
بالنسبة إلى أستاذ التاريخ عبد الحميد الكاتب، فإن "عمليّة ترييف المدن أمر قديم لكن مستمرّ، وهي ترتبط بأحداث وأشخاص يفرضون هذا الواقع بقصد أو من غير قصد ولأسباب ودوافع مختلفة. وقد يرى المتابع أن عاصمة كبيرة كبغداد تشهد عمليّة ترييف وتغيير لطبيعة سكانها وديموغرافيتها الأصليّة. وتمتدّ جذوره إلى زمن عبد الكريم قاسم حين أنشأ مدينة الثورة بعد ثورة عام 1958".
ويشرح الكاتب: "هو قام بتوزيع الأراضي، ليعزّز ذلك من بعده الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، نتيجة ضعف الدولة والحاجة إلى القوى العشائريّة لدعم ديمومة السلطة الحاكمة آنذاك. وبعد عام 2003، صار الاعتماد على العشائر عاملاً أساسياً لحسم أي تمرّد ينشأ بين أطياف المجتمع أو حتى ضدّ الدولة، وصولاً إلى ما تشهده المدن اليوم من انعكاس عمليّة هجرة سكان المدن إلى الريف".
ويعدّ الكاتب ذلك "ظواهر رجعيّة، خصوصاً مع تغيّر اللهجة البغداديّة التي أصبحت مطعّمة بكثرة بالمفردات الريفيّة، بعد ترييف أحياء ومدن في داخل العاصمة. فقد راحت تُعقَد جلسات الفصل العشائري في قلب العاصمة، في حين لم يعد من دور للقانون وظهرت المليشيات التي وفد معظم عناصرها من خارج المدينة".
وإذ تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن نسبة سكان المدن أو الاستيطان الحضري في العراق تسجّل 66.5 في المائة، بمعنى أن ثلث سكان العراق تقريباً يسكن الأرياف، فإن الإهمال الحكومي لهذه الأرياف وسكانها وانعدام الخدمات فيها، شكّلا سبباً آخر في هجرتهم إلى المدينة، "هذه الهجرة التي لا تخلو من الارتباط السياسي ودوافعه غير البريئة"، وفق ما يقول القانوني أحمد الجميلي.
بالنسبة إليه، فإن "قدوم أو استقدام سكان الأرياف إلى المدينة وتسلّم بعضهم مناصب عليا، أمور لم تأتِ من فراغ، إنما تقف خلفها دوافع مرتبطة بسياسيّين أو أحزاب لها تأثير وحاضنة جماهيريّة في تلك العشيرة أو القرية، وهذا ما دفع بهؤلاء إلى التمركز في المدن على حساب سكانها الأصليّين".
لا يختلف الواقع كثيراً في بعض المدن التي راحت تتطبّع بحسب الجميلي بالطابع الريفي. فبعض المدن "كالأنبار والموصل وتكريت وغيرها، أصبحت عشائريّة نظراً لحاجة البعض فيها إلى حماية تلك العشائر ونفوذها بعد انعدام الأمن وغياب السلطة، بالإضافة إلى ما آلت إليه الأحداث التي تستوجب وجود قوى تواجه الخطر الذي يحدق بأبناء المدينة".
إلى ذلك، احتلت بغداد المرتبة الأخيرة في لائحة أنظف العواصم العربيّة وأكثرها راحة، وفقاً لمركز الدراسات الإنسانيّة العراقيّة، بعدما كانت قد حافظت لسنوات طويلة على اسمها من ضمن أول ثلاث عواصم عربيّة.
ويقول مدير المركز الدكتور علي الطائي إن "عمليّة ترييف العاصمة مستمرّة. فثمّة مشاهد مخجلة لا تليق بالعاصمة، وصلت إلى حدّ عمليات رعي المواشي في قلب العاصمة وزراعة الخضار في الجزرات الوسطيّة، بالإضافة إلى العشوائيات وتلال النفايات وتدمير تاريخها القديم الذي طال كل شيء جميل، سواءً بالعمليات الإرهابيّة أو بعبث السكان وغباء المسؤولين الذين تسلموا الحكم بعد الاحتلال". يضيف أن "الزحف الريفي هو على بغداد وبقيّة المدن العراقيّة الرئيسة كالموصل والبصرة والرمادي وبعقوبة".
هجرة السكان الأصليّين ونزوحهم من مدنهم أو تهجيرهم القسري منها نتيجة تهديدهم وعدم شعورهم بالأمان، كانت سبباً آخر في تحقيق حلم البعض بالتمدّن. وذلك إما بالسطو أو بامتلاك المنازل وأحياء كاملة حتى، من خلال استغلال نفوذ بعض من هم في السلطة أو في أحزاب لها ارتباطات وأجندات خارجيّة، وفي مدن كانت أقرب إلى النهوض والتطوّر العمراني منها إلى العودة للحاضنة الريفيّة.
وهذا الواقع الذي لا يمكن تجاوزه بسهولة والمعتمد على تصدير الثقافة العصبيّة القبليّة إلى المدن، جاء لصالح من يرى ذلك حفاظاً على الهويّة العراقيّة ذات الطابع العشائري الذي لا يمكن التخلي عنه مهما بلغ حجم التطوّر.. في وقت يحسم فيه العالم إمكانيّة العيش في المريخ.
بالنسبة إلى أستاذ التاريخ عبد الحميد الكاتب، فإن "عمليّة ترييف المدن أمر قديم لكن مستمرّ، وهي ترتبط بأحداث وأشخاص يفرضون هذا الواقع بقصد أو من غير قصد ولأسباب ودوافع مختلفة. وقد يرى المتابع أن عاصمة كبيرة كبغداد تشهد عمليّة ترييف وتغيير لطبيعة سكانها وديموغرافيتها الأصليّة. وتمتدّ جذوره إلى زمن عبد الكريم قاسم حين أنشأ مدينة الثورة بعد ثورة عام 1958".
ويشرح الكاتب: "هو قام بتوزيع الأراضي، ليعزّز ذلك من بعده الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، نتيجة ضعف الدولة والحاجة إلى القوى العشائريّة لدعم ديمومة السلطة الحاكمة آنذاك. وبعد عام 2003، صار الاعتماد على العشائر عاملاً أساسياً لحسم أي تمرّد ينشأ بين أطياف المجتمع أو حتى ضدّ الدولة، وصولاً إلى ما تشهده المدن اليوم من انعكاس عمليّة هجرة سكان المدن إلى الريف".
ويعدّ الكاتب ذلك "ظواهر رجعيّة، خصوصاً مع تغيّر اللهجة البغداديّة التي أصبحت مطعّمة بكثرة بالمفردات الريفيّة، بعد ترييف أحياء ومدن في داخل العاصمة. فقد راحت تُعقَد جلسات الفصل العشائري في قلب العاصمة، في حين لم يعد من دور للقانون وظهرت المليشيات التي وفد معظم عناصرها من خارج المدينة".
وإذ تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن نسبة سكان المدن أو الاستيطان الحضري في العراق تسجّل 66.5 في المائة، بمعنى أن ثلث سكان العراق تقريباً يسكن الأرياف، فإن الإهمال الحكومي لهذه الأرياف وسكانها وانعدام الخدمات فيها، شكّلا سبباً آخر في هجرتهم إلى المدينة، "هذه الهجرة التي لا تخلو من الارتباط السياسي ودوافعه غير البريئة"، وفق ما يقول القانوني أحمد الجميلي.
بالنسبة إليه، فإن "قدوم أو استقدام سكان الأرياف إلى المدينة وتسلّم بعضهم مناصب عليا، أمور لم تأتِ من فراغ، إنما تقف خلفها دوافع مرتبطة بسياسيّين أو أحزاب لها تأثير وحاضنة جماهيريّة في تلك العشيرة أو القرية، وهذا ما دفع بهؤلاء إلى التمركز في المدن على حساب سكانها الأصليّين".
لا يختلف الواقع كثيراً في بعض المدن التي راحت تتطبّع بحسب الجميلي بالطابع الريفي. فبعض المدن "كالأنبار والموصل وتكريت وغيرها، أصبحت عشائريّة نظراً لحاجة البعض فيها إلى حماية تلك العشائر ونفوذها بعد انعدام الأمن وغياب السلطة، بالإضافة إلى ما آلت إليه الأحداث التي تستوجب وجود قوى تواجه الخطر الذي يحدق بأبناء المدينة".
إلى ذلك، احتلت بغداد المرتبة الأخيرة في لائحة أنظف العواصم العربيّة وأكثرها راحة، وفقاً لمركز الدراسات الإنسانيّة العراقيّة، بعدما كانت قد حافظت لسنوات طويلة على اسمها من ضمن أول ثلاث عواصم عربيّة.
ويقول مدير المركز الدكتور علي الطائي إن "عمليّة ترييف العاصمة مستمرّة. فثمّة مشاهد مخجلة لا تليق بالعاصمة، وصلت إلى حدّ عمليات رعي المواشي في قلب العاصمة وزراعة الخضار في الجزرات الوسطيّة، بالإضافة إلى العشوائيات وتلال النفايات وتدمير تاريخها القديم الذي طال كل شيء جميل، سواءً بالعمليات الإرهابيّة أو بعبث السكان وغباء المسؤولين الذين تسلموا الحكم بعد الاحتلال". يضيف أن "الزحف الريفي هو على بغداد وبقيّة المدن العراقيّة الرئيسة كالموصل والبصرة والرمادي وبعقوبة".
هجرة السكان الأصليّين ونزوحهم من مدنهم أو تهجيرهم القسري منها نتيجة تهديدهم وعدم شعورهم بالأمان، كانت سبباً آخر في تحقيق حلم البعض بالتمدّن. وذلك إما بالسطو أو بامتلاك المنازل وأحياء كاملة حتى، من خلال استغلال نفوذ بعض من هم في السلطة أو في أحزاب لها ارتباطات وأجندات خارجيّة، وفي مدن كانت أقرب إلى النهوض والتطوّر العمراني منها إلى العودة للحاضنة الريفيّة.
وهذا الواقع الذي لا يمكن تجاوزه بسهولة والمعتمد على تصدير الثقافة العصبيّة القبليّة إلى المدن، جاء لصالح من يرى ذلك حفاظاً على الهويّة العراقيّة ذات الطابع العشائري الذي لا يمكن التخلي عنه مهما بلغ حجم التطوّر.. في وقت يحسم فيه العالم إمكانيّة العيش في المريخ.