بقاء الأسد وهدوء الجولان
ما عاد صيف حوران قمحاً وغلالاً، فكل شيء تبدّل، ويبدو أن الصيف الرابع للثورة التي انطلقت من حوران سيكون الأشد حرارةً على الإطلاق. فالمنغمسون كلياً في الحرب السورية الطاحنة، مستنفرون، وهم يتهيأون لهجوم على جنوبي سورية، أو لمواجهة هذا الهجوم، متحصنين للدفاع عن مواقعهم. لكل منهم حساباته ومخططاته ومخاوفه وتطلعاته. فالأطراف المتحاربة كلها غارقة تماماً في مستنقع الحرب التي تفتك بسورية. من هذه الزاوية، يجب الالتفات إلى أن المعادلة الإسرائيلية التي تقول: دع الذين أكرههم يقاتلون الذين أمقتهم بأموال الذين لا أحبهم، قد لا تستمر طويلاً. يدرك الإسرائيليون حقيقة ما يجري في سورية، إلا أن جزءاً مهمّاً من هذه الحقيقة غائب عن دائرة الاهتمام في ذهن الساسة الإسرائيليين، على الرغم من فداحة اختراق أجهزتهم الاستخباراتية لسورية.
السؤال عمّن سيحكم سورية بعد بشار الأسد، لم يعد مستعجلاً بالنسبة للإسرائيليين، والاعتقاد السائد بين غالبية الساسة الإسرائيليين أن دولتهم ستكون في وضع أكثر راحة، ما دامت تعمل، في الخفاء السياسي والعسكري، على تغذية الحرب الطاحنة على الأرض السورية واستمرارها سنوات، لأن هذا سيؤدي إلى أن تكون إسرائيل الرابح الوحيد، سواء انتهت الحرب ببقاء النظام أو بتمزيق سورية لدويلات طائفية وعرقية، أو تسلّم حكم سورية معارضة علمانية أو إسلامية.
أما الآن، الأمر الأكثر إلحاحاً بالنسبة لإسرائيل، هو المحافظة على هدوء حزام الجولان السوري الذي تحتله، والحذر الشديد من أي عملٍ قد يجرّها إلى جحيم الحرب المستعرة التي يشاهدونها بالعين المجردة من وراء خط الهدنة، وخصوصاً أن الإسرائيليين يعرفون أنهم ليسوا ضمن أولويات الأطراف المتحاربة، الآن، غير أن القلق الإسرائيلي من احتمالات الفوضى في تنامٍ مستمر، وهم يعتقدون أن الوضع الأمني بات هشاً، على طول خط الهدنة مع سورية، بعد خسارة قوات بشار الأسد أكثر من ثلثي مساحة محافظة القنيطرة.
عسكرياً، لا تمثّل السيطرة على "التلال الحمر" تحولاً استراتيجياً في الصراع المستعر جنوبي سورية. وأكثر ما يهمّ قوات المعارضة هو تأمين طريق للدعم اللوجستي من مناطق درعا في الجنوب باتجاه الشمال في القنيطرة، وصولاً إلى ريف دمشق الغربي، لكن القيمة السياسية لهذا الفعل تبقى أعلى بكثير من قيمته العسكرية.
وبالنسبة لإسرائيل التي تحتل "تل الفرس" الاستراتيجي بقمته المطلة على المنطقة كلها، نجدها تراقب، بحذر بالغ، حتى الهواء في المنطقة الممتدة من قرى نهر اليرموك (جمّلة والشجرة) جنوباً، وصولاً إلى قرية بيت جن والقرى الأخرى على السفوح الشرقية لجبل الشيخ شمالاً، وبصورة أوسع من درعا والسويداء جنوباً حتى جنوبي العاصمة دمشق شمالاً. وقد بدت الهواجس الإسرائيلية جليّة في زيارة الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز، خط الهدنة في الجولان المحتل، والكلام الذي قاله كبار الضباط لبيريز: "نواجه تهديداً مركّباً من الجهة الثانية للسياج الحدودي، إذ تنشط قوات شرٍّ تحارب بعضها، وفي مقابل هؤلاء جميعاً، يقف الجيش الإسرائيلي، وعلى أثر إدراكنا الواقع الجديد، شكّلنا فرقة جديدة، تستطيع التعامل بنجاعة أكبر مع التحديات الأمنية الجديدة". هذه التحديات التي أحدثتها الثورة السورية تتعمّق مع استمرار الحرب المدمرة التي يعتقد السوريون أن إسرائيل تغذيها، أو تعمل على استمرارها بطريقة غير مباشرة، وبالتالي، تغذي غضبهم وعداءهم تجاهها.