تتفاقم أزمة السكن في الداخل الفلسطيني أكثر فأكثر، إذ تشهد البلدات العربيّة اكتظاظاً سكانياً خانقاً، في حين لا تتوفّر أراضٍ للبناء لسكانها بعد حصر المساحات. فالعرب لا يملكون إلا 2.5% من مجمل الأراضي. إلى ذلك، لا تتعدى المناطق الصناعيّة في البلدات العربيّة 3.5% من مجمل المساحة، بالإضافة إلى نقص كبير في الأماكن العامة. ووسط هذه الأزمة، يسجّل تزايد في ظاهرة الأزواج الشباب الذين يشاركون أهلهم بيت العائلة بعد عقد قرانهم. من جهة أخرى، أصبحت البنايات متعددة الطبقات والشاهقة، جزءاً من المنظر العام في المدن العربيّة. وهو ما يؤدّي إلى تبدّل طابعها.
وتسيطر دائرة أراضي إسرائيل على 93% من الأراضي التي كانت قد حصلت عليها بعدما صادرتها من الفلسطينيّين في خلال النكبة. أما سياسة لجان التخطيط والبناء، فتأتي مجحفة وعنصريّة بامتياز، إذ لا تسمح للعرب بالحصول على أراضٍ للبناء. فهي تحاصر البلدات العربيّة وتمنعها من التوسّع.
ويقول المتخصص في التخطيط المدني يوسف جبارين إن "المشكلة تكمن في أن الدولة الإسرائيليّة تسيطر على الأراضي بالمطلق بعدما صادرتها من الفلسطينيّين. من جهة أخرى، عندما تحرّر دائرة أراضي إسرائيل قسائم أراض للبناء، فهي تبيعها بثمن باهظ جداً للعرب يفوق بأشواط السعر المخصّص لليهود. وهكذا يحصل الأخيرون على الأراضي التي يرغبون بها بأسعار جدّ زهيدة، وهو ما يصبّ في مصلحة مشروع تهويد الجليل والنقب". يضيف أن "عمليّة شراء أراضٍ للبناء من دائرة أراضي إسرائيل، مسارها بطيء جداً. كذلك، فإن عمليّة التخطيط نفسها تتطلب وقتاً طويلاً جداً".
من جهة أخرى، يقول جبارين إن "سياسة الحكومة الإسرائيليّة لها دورها الأساسي هنا. فمذ تولى اليمين الحكومة في السبعينيات، اعتمدت سياسة ليبراليّة تقول بالعرض والطلب. إلى ذلك، فإن المساكن الجماهيريّة التي توقّف بناؤها في الفترة الأخيرة في كل أنحاء البلاد، هي أصلاً شبه معدومة في البلدات العربيّة".
ويشرح جبارين أن "95% من العرب لا يملكون أراضٍ خاصة للبناء عليها. إلى ذلك، حُصرت مساحات البلدات العربيّة بحدود الزرقاء في خلال السنوات الخمسين الماضية، لمنعها من التوسع. وتجدر الإشارة إلى أن نسبة العرب تضاعفت عشرة أضعاف منذ عام 1948. حينها كان عددهم 156 ألفاً، أما اليوم فمليوناً ونصف المليون".
ويتحدّث عن "واقع خطير في النقب، حيث نجد 46 قرية غير معترف بها. وهذا يعني أن 80 ألف عربي هناك يسكنون في البيوت الجاهزة أو بركسات وهم ممنوعون من بناء بيوت من الباطون". ويوضح أن "النقص في جنوب النقب فقط، يصل إلى 300 ألف وحدة سكنيّة. أما في الجليل والمثلث، فيصل النقص إلى 60 ألف وحدة سكنيّة. أما المتضرّر الأول، فالعائلات الفقيرة". يضيف أنه، وبحسب البيانات المتوفرة، فإن "55% من العائلات العربيّة تعيش تحت خط الفقر، بالإضافة إلى أن نصف أطفال العرب هم فقراء".
أما عن حلّ هذه الضائقة السكنيّة الخانقة، فيقول جبارين إن "البدائل تكون عادة عبر تكثيف الإسكان في البلدات العربيّة، وهو ما يفسّر تشييد الأبنية متعدّدة الطبقات. لكن التكثيف يزيد من الأزمة الاقتصاديّة والسكانيّة والعمرانيّة، لأن البنى التحتيّة غير جاهزة لذلك. فيأتي البديل الآخر، أي الهجرة والسكن في البلدات اليهوديّة التي شيّدت بهدف تهويد الجليل والنقب. ومثال على ذلك نتسرات عيليت التي يشكّل العرب اليوم 30% من سكانها".
إلى ذلك، يقول رئيس السلطات المحليّة العربيّة في الداخل ورئيس بلديّة سخنين مازن غنايم إن "ثمّة سياسة إجحاف وتمييز من قبل المؤسسات الرسميّة الإسرائيليّة ولجان التنظيم ووزارة الداخليّة الإسرائيليّة، التي تتجاهل أزمة السكن في المجتمع العربي".
يضيف أن "الأراضي التابعة لدائرة أراضي إسرائيل، لا تعطى للعرب إطلاقاً. وزير الداخليّة الإسرائيلي هو صاحب النفوذ في ما يخصّ توسيع مسطحات البلدات. مثلاً هنا في سخنين، حصل صراع بيننا وبين بلدة مسجاف اليهوديّة المحاذية، حتى حصلنا على فتات من الأرض. هم يريدوننا أن نبني عمودياً، لا أفقياً".
إلى ذلك، يتحدّث عن "أزمة بالنسبة إلى الأزواج الجدد. فقسم منهم يسكن في مدينة كرميئيل اليهوديّة، إذ ما من بديل. أما قسم آخر، فيتشارك وأهله منزل العائلة". ويتابع: "نشكل 20% من السكان، لكننا لا نملك إلا 3.5% من الأراضي الصناعيّة. فكيف سنقضي على الفقر والعنف في المجتمع العربي بهذه الظروف؟".