وعلى الرغم من حديث القيادة المركزية للجيش الأميركي في اليوم الأول للضربات الجوية عن استهداف المقاتلين ومعسكرات التدريب ومقار القيادة والتحكم والتمويل التابعة للتنظيم وشاحناته ومركباته المدرعة، إلا أن الضربات التي سجلت بعد مرور أسبوع لم تؤدِّ لحصول خسائر واضحة لدى التنظيم، بل كانت في معظمها أهداف مدنية أثرت على الوضع المعيشي للناس.
فقد أدى استهداف محطات الوقود وآبار النفط إلى مضاعفة أسعار المحروقات في عموم المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة، فيما يهدد مناطق كثيرة نقص الغذاء جراء قصف صوامع الحبوب.
ومع زيادة عدد الطلعات الجوية عن أربعة آلاف طلعة، وفضلاً عن الريبة التي تعتري أغلب أوساط المعارضة حيال طبيعة وأهداف هذه الضربات خاصة بعد استهدافها لفصائل أخرى غير تنظيم "الدولة"، شكك العديد من الخبراء في جدواها من الناحية العسكرية حتى الآن.
وتشدد العديد من القوى السياسية على أن الضربات بشكلها الراهن لن تضعف "داعش" (تشير بعض المعطيات إلى تدفق آلاف المتطوعين الجدد إلى التنظيم بعد الغارات) وستجعل حتى المؤيدين لها بداية، ينفضون عنها، لأنها لا تقدم أفقاً للسوريين بشأن الأهداف الأصلية التي ثاروا لأجلها وهي إزاحة النظام، وليس محاربة ظاهرة نشأت في جسم الثورة.
وجاء ذلك الحديث مع عدم مشاورة أي من القوى السورية في طبيعة الأهداف المستهدفة، بينما يستشعر كل فصيل، حتى تلك التي قاتلت التنظيم، انه قد يكون مدرجاً على جدول الاستهداف، طالما لا توجد معايير واضحة لهذه الضربات إلا تعبيرات عامة مثل معتدلين ومتطرفين.
وفي الأيام التالية للضربات، استهدفت طائرات التحالف عشرات النقاط شرق وشمال سورية، وكانت معظم الهجمات تستهدف مصافي نفط صغيرة وبدائية ومحلية الصنع، وفي الغالب كانت هذه المصافي مملوكة لمدنيين من أثرياء المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.
وشاعت في الأشهر الأخيرة عملية بناء مصافي من قبل المقتدرين في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم بهدف الربح المادي، وكان صاحب المشروع يقوم بشراء عدد من الخزانات الضخمة، التي توصل إلى بعض بأنابيب تبخير، بحيث يتم تسخين الخزان الذي يوضع فيه النفط الخام عن طريق اشعال نار تحته أو عن طريق دارات كهربائية في المصافي الأكثر تطوراً.
ولا يؤثر استهداف طيران التحالف لهذا النوع من المصافي بدائية الصنع على تنظيم "الدولة الإسلامية" من الناحية المادية، ذلك أن معظم المصافي المستهدفة مملوكة لمدنيين من سكان المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، والقليل منها مملوك من قبل "داعش" وقد وضع يده عليها بعد تمكنه من طرد فصائل المعارضة من المناطق التي كانت تسيطر عليها.
ومن المعروف أن تكلفة إعادة بناء هذه المصافي البدائية زهيدة للغاية بالمقارنة مع كلفة الغارات الجوية التي تقوم بها طائرات الدول المشاركة في التحالف الدولي، كما ان عملية إعادة بنائها سهلة جداً، ذلك أن المواد الأولية اللازمة لبناء مثل ها النوع من المصافي متوفرة في أسواق المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.
ويقوم طيران التحالف الدولي أيضاً باستهداف مرافق خدمية، في الأساس هي من مرافق الدولة السورية التي انتقلت السيطرة عليها من النظام السوري إلى قوات المعارضة ومن ثم إلى "داعش" بتغير الجهة المسيطرة على المناطق التي توجد فيها هذه المرافق، مواصلة عملها في خدمة سكان المناطق التي توجد بها في كل مراحل تغير السيطرة التي مرت عليها.
فقد قام طيران التحالف، يوم الاثنين الماضي، باستهداف صوامع الحبوب الواقعة قرب مدينة منبج في ريف حلب الشرقي، ليؤدي القصف إلى اشتعال حرائق كبيرة في خزانات الحبوب التي تحوي مخزون القمح الذي تعتمد عليه أفران ريف حلب الشرقي في تأمين الخبز للسكان.
وقد وردت أنباء من مصادر محلية في المنطقة عن تواجد عدد من مسلحي "داعش" في المكان بشكل دائم مع عدد من آلياتهم، إلا أن الضرر الكبير الذي تم إلحاقه بصوامع الحبوب والمطاحن التابعة لها، لا يمكن أن يُبرر باستهداف عدد قليل من مسلحي التنظيم، الذين يتواجدون في المكان بهدف الإشراف على عمل موظفي وعمال الصوامع والمطاحن.
وكان طيران التحالف الدولي قد استهدف أيضاً أكبر منشآت إنتاج الغاز الطبيعي في سورية، وهي المنشأة المعروفة باسم معمل "كونيكو" للغاز، والذي يقع إلى الشرق من بلدة الطابية في الريف الشرقي لمدينة دير الزور.
وأكد ناشطون محليون قيام طائرات التحالف بعد منتصف ليل الأحد ــ الماضي باستهداف المدخل الرئيسي للمنشأة الضخمة، الأمر الذي أدى إلى وقوع أضرار كبيرة بها، وبالمباني المحيطة، لكن القصف الذي قامت به طائرات التحالف، لم يصب خطوط الغاز، أو وحدات التحكم، أو آبار الغاز القريبة من المنشأة، ومع ذلك، قامت وحدة عمليات الطوارئ في المنشأة بإفراغ خزانات الغاز الاحتياطي، خوفاً من تكرار القصف.
ولهذه المنشأة أهمية حيوية خاصة، ذلك أنها المسؤولة عن توريد الغاز الطبيعي لمحطة جندر لتوليد الطاقة الكهربائية، والتي تقع في ريف حمص وتؤمن في حال عملها بأقصى طاقتها الكهرباء لربع سكان سورية.
ولم يؤدِّ القصف، بحسب النشطاء المحليين، إلى مقتل أحد من عناصر "داعش"، على العكس، فقد أسفر عن إصابة عدد من العمال والفنيين في المعمل، وتطرح هذه المعلومات المزيد من إشارات الاستفهام حول جدوى عمليات التحالف الدولي الهادف أساساً للحد من خطورة تنظيم "الدولة الإسلامية".
من جانب آخر، أغار طيران التحالف على عدد من معسكرات ومقار "داعش" في مدينة الرقة ومحيطها مثل معسكر الطلائع، واستهدف حواجز الفروسية والمقص في مداخل المدينة بالإضافة إلى استهداف مبانٍ للمحافظة والبحوث الزراعية.
كما استهدف التحالف في الريف الغربي لمدنية الطبقة معسكر الكرين، وفي مدينة تل أبيض وريفها مدرسة عين عروس التي اتخذها التنظيم مقراً، ومدرسة الزراعة وسط المدينة ومعسكر الزرقاوي، إلا أن التكتم الإعلامي الذي فرضه التنظيم على خسائره والذي سبقه عمليات اخلاء شاملة لمقراته مع تخفيف لعدد حواجزه في المناطق التي يسيطر عليها إلى الحد الأدنى، فرض حالة من الغموض حول مدى فاعلية هذه الضربات على مقاره ونقاطه العسكرية.
في كل الأحوال، يبدو أن الولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي بدأت تستشعر عدم فاعلية الغارات الجوية في القضاء على التنظيم، ذلك أن رئيس هيئة الأركان الأميركية، مارتن ديمبسي، اعتبر في تصريحات سابقة، بعد أيام من انطلاق الغارات، أن هناك حاجة لما بين 12 و 15 ألف مقاتل من المعارضة السورية المسلّحة المدربين للقضاء على وجود "داعش" شرقي سورية، ملمحاً إلى عدم إمكانية القضاء على التنظيم من خلال الغارات الجوية، من دون وجود قوات برية مدربة قادرة على حسم الموقف على الأرض.