تتباطأ حركة القوات الأمنية العراقية والمليشيات، بصورة واضحة، على الرغم من السعي الأميركي والغربي لتسريع عمليات استعادة الأراضي العراقية من قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ويتزامن ذلك مع بدء تحضيرات الانتخابات العراقية المحلية، الخاصة بمجالس المحافظات، التي ستسفر عن اختيار حكوماتها المحلية، والمقررة في أبريل/نيسان المقبل. مع العلم أن التصعيد واضح في الدعوات لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، أو دمج الانتخابات المحلية للمحافظات مع الانتخابات التشريعية في يوم واحد، على الرغم من الفارق الزمني بين الاثنتين (الانتخابات التشريعية مقررة في عام 2018).
في هذا السياق، تكشف مصادر عسكرية عراقية، وأخرى سياسية وحكومية، من داخل مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي لـ"العربي الجديد"، عن معلومات وصفتها بـ"الخطيرة"، مفادها "وجود مخطط لتأخير عملية استعادة الأراضي والمدن من تنظيم داعش، وإبقاء النازحين في المخيمات إلى ما بعد إجراء الانتخابات، وإحداث مشاكل أمنية في مدن ديالى وصلاح الدين وحزام بغداد، وفي جانب الكرخ من العاصمة أيضاً. وذلك بهدف إسقاط تلك المدن والمناطق من الحسابات الانتخابية، وتأمين أغلبية مريحة لأحزاب موالية لإيران". ويتزعم هذا المخطط، الجناح المتطرف داخل التحالف الوطني، بقيادة نوري المالكي، وقيادات بارزة بمليشيات "الحشد الشعبي"، وأحزاب الدعوة والفضيلة وكتلة بدر.
في هذا الإطار، يفيد مسؤول بمكتب العبادي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "ملامح المعادلة الجديدة التي بدأت تتوضح خيوطها منذ أسابيع، تكمن في رغبة المليشيات وجناح داخل التحالف الوطني، بقيادة المالكي، في إبقاء الوضع غير مستقر في شمال وغرب ووسط العراق ومحيط العاصمة".
ويعلّل المسؤول ذلك، بأن "هدف هذا الجناح هو التمهيد لانتخابات مريحة من دون منافس من قبل القوائم الأخرى، ذات التوجه الديني أو القومي المغاير. على أن يتم من خلالها تحقيق سيطرة سياسية شبه كاملة، على مجالس عدد من المحافظات وحكوماتها المحلية".
ويكشف أن "من أهداف المخطط، تغليف عمليات التغيير الديموغرافي، وسياسة الأمر الواقع التي فرضتها المليشيات والأحزاب على تلك المحافظات خلال العامين الماضيين بشكل قانوني. وذلك عبر تشريع وسنّ قوانين والتصويت على مشاريع تُرسّخ تغيّرات سكانية وديموغرافية وسياسية، وفقاً لقانون مجالس المحافظات الرقم 21 الصادر في عام 2008". ويضيف المسؤول "كما سيتم التكتم على مئات الجرائم التي ارتكبت في تلك المناطق بحق المدنيين من قبل مليشيات الحشد الشعبي، وضمان عدم إثارتها، والأهم هو ضمان عدم بقاء حالة الرفض لمجلس السياسات النفطية في البلاد، الذي تعارضه منذ سنوات حكومات محافظات الغرب والشمال، بسبب ما تصفه، بعدم إنصافه لها". وسبق للمالكي في تصريحات لوكالة الأنباء الإيرانية "إرنا"، أن دعا إلى "إجراء انتخابات تشريعية مبكرة كحل للوضع السياسي الحالي في البلاد". كما يتم تداول معلومات عن تحركات أميركية سريعة لإفشال المخطط، الذي لا يبدو أنه يلقى قبولاً من العبادي، الذي لن يكون قادراً على مواجهته بمفرده، حسبما يكشف عضو بارز بلجنة الأمن والدفاع البرلمانية".
ويشير العضو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هذا المخطط لا يُعدّ اكتشافاً جديداً، والعمل جارٍ عليه منذ مدة". ويضيف أن "هذا التوجه موجود، لكنني لا أعلم ما إذا كان بزعامة المالكي، أم شخصية أخرى قريبة من إيران، لكن من المؤكد أن العمل مستمر لإبقاء الوضع على ما هو عليه لما بعد الانتخابات، وما هو أبعد منها، لتنفيذ مزيد من عمليات التغيير الديموغرافي والسيطرة على مقدرات هذه المناطق، وابقائها تحت إمرة إيران. ويمكن ملاحظة المخطط الآن في ديالى وحزام بغداد بشكل جلي".
من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين بمدينة أربيل، عبد الحكيم خسرو، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "المشروع يُنفّذ من قبل المليشيات وجناح المالكي، الذي يقود الحملة التي تهدف إلى خلق نوع من التوازنات الجديدة بالعراق، خصوصاً في ديالى وصلاح الدين ونينوى وكركوك".
ويشير خسرو إلى أن "المشروع كبير وله تفسيران، الأول هو أنه يتعلق بالخطة الإيرانية في إبقاء الوضع الحالي على ما هو عليه في العراق، حتى لو تحررت كل مدنه من داعش. وذلك بهدف ضمان الخطة الإيرانية بربط ديالى بصلاح الدين ثم كركوك ثم تلعفر ثم ربيعة ثم سورية، وهذا ما سيكون الخط العسكري الاستراتيجي لإيران مع سورية، وضمان الإمدادات لنظام الرئيس السوري بشار الأسد".
ويتابع: "التفسير الثاني متعلق بالتوازنات داخل التحالف الوطني، خصوصاً أن المالكي وبدعمه للمليشيات وعلاقته مع إيران، يحاول صياغة مستقبل العملية السياسية بصيغة أخرى، ومنها تأمين التقارب بينه وبين كل الأحزاب القريبة من إيران، وقد ترجم ذلك خلال زيارته للسليمانية ولقائه الاتحاد الوطني وحركة التغيير". ويكشف خسرو عن "تشكيل العبادي لجنة من مستشاريه لمتابعة تحركات المالكي داخل العراق وخارجه، بسبب خوفه من تلك التحركات التي تتجه إلى عزله، تمهيداً لعودته إلى السلطة".
ويبيّن أن "المليشيات تسعى منذ مدة للسيطرة على نينوى، انطلاقاً من منطقة بعشيقة والتحرك عسكرياً إلى تلعفر، باعتبارها تحوي على أقلية شيعية، لكن قرار إقليم كردستان قطعي بمنع أي تشكيلات عسكرية خارج إطار الدولة والقانون في هذه المناطق. فضلاً عن أن قوات البشمركة تحفظ هذه المناطق، ولن تنسحب منها إلا باتفاق مع الجيش العراقي. بالتالي فمن غير المسموح دخول الحشد".
ويردف خسرو بأنه "حسب البروتوكول الموقع مع الأميركيين، سيكون مسموحاً للبشمركة التحرّك في سهل نينوى وغرب الموصل وشمالها، أما الجيش العراقي فسيتجه إلى القيارة، ومن القيارة يعبر إلى منطقة السلامية، جنوب شرقي الموصل".
ويلفت إلى أن "العمليات العسكرية التي جرت الأحد بقيادة رئيس الإقليم، مسعود البارزاني، حصلت في شرق الموصل، بهدف السيطرة على كافة مناطق سهل نينوى عسكرياً، وتسهيل مهمة عبور الجيش عبر دجلة إلى مدينة دوميز، على المدخل الجنوبي الشرقي للموصل".
ويضيف أن "المناطق السنية والمسيحية والتركمانية خالية الآن من أهلها، ولا يوجد مقوّمات إنسانية أو نفسية كي يشارك أهلها بالانتخابات في المخيمات، لذا فان بقاءهم فيها وعدم إعادتهم أمر مفيد للتحالف الوطني وبالتالي إيران".
ويرى أن "المناطق ستكون محسومة بحسب القوات التي تسيطر على الأرض بمعنى أن المناطق التي يسيطر عليها البشمركة سيكون هناك تشكيك في نتائجها، وكذلك المناطق التي ستكون تحت سيطرة المليشيات والقوات النظامية. إن العراق لن يصل لمرحلة القبول بالنتائج الانتخابية من دون تشكيك". ويضع محمود "دعوات مقتدى الصدر الأخيرة بحلّ مجلس مفوضية الانتخابات لعدم نزاهته"، في سياق "التأكيد من الآن أن هناك تياراً قوياً لا يثق بالمفوضية الحالية". ومن المقرر أن تجري انتخابات مجالس المحافظات في 30 أبريل/ نيسان المقبل، سينتج عنها تشكيل الحكومات المحلية في المحافظات العراقية المختلفة، عدا إقليم كردستان، وعددها 15 محافظة أكبرها الأنبار.