لم يسمع الجزائريون رئيسهم عبد العزيز بوتفليقة منذ ما يقارب الثلاث سنوات؛ فترة اكتفى فيها الرئيس بإدارة شؤون الدولة عبر البيانات والرسائل، والظهور التلفزيوني الخاطف مع الشخصيات التي تزور البلاد، طريقة فرضتها وضعيته الصحية، لكنها انعكست سلباً على أوضاع البلاد ومشاكلها.
كان الثامن من مايو/أيار 2012 آخر يوم سمع فيه الجزائريون رئيسهم. في ذلك الخطاب، أطلق بوتفليقة بالون اختبار سياسياً، كان يشير إلى عدم ترشحه في الرئاسيات التي تجري لاحقاً في أبريل/نيسان 2014. وقال ردّاً على هتافات من القاعة كانت تطالبه بالترشح لولاية رئاسية رابعة: "طاب جناني، (وتعني كبرت وانتهى دوري) ولا يكلّف الله نفساً إلا وسعها".
وبعد 11 شهراً من ذلك الخطاب، تحديداً في أبريل/نيسان 2013، كان الرئيس الذي بدأ يشعر بالعجز الصحي والسياسي، يرقد في مستشفى "فال دوغراس" الفرنسي، نتيجة إصابته بوعكة صحية، أبقته في المستشفى 81 يوماً حتى عودته في يوليو/تموز من العام نفسه الى الجزائر. ومع كل ذلك، عاودته شهوة السلطة، وقرّر أن يترشح لولاية رئاسية رابعة في أبريل/نيسان 2014.
اللافت أنّه، ومنذ خطاب الثامن من مايو/أيار 2012، وباستثناء بضع كلمات تتعلق بالقسم واليمين الدستوري، الذي أدّاه بوتفليقة في مايو/أيار 2014، بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، لم يسمع الجزائريون رئيسهم في خطاب سياسي. وقد استبدل بوتفليقة الخطابات بالرسائل والبيانات، إذ استغل كل فرصة ومحطة وطنية أو دينية، أو احتفالات في مناسبات تاريخية، ليطرح على الرأي العام في الجزائر رسائل تتضمن تحليلاً ومواقف للوضع الداخلي والإقليمي.
غير أنّ هذه الرسائل التي عادة ما تكون ذات طابع بروتوكولي، لم تكن لتطمئن الرأي العام حول حقيقة من يدير دواليب الحكم في الجزائر، وخصوصاً وسط تزايد التطورات والأحداث في الجزائر، إضافة إلى التدخلات السياسية المتأخرة للرئيس بوتفليقة، والتداعيات الخطيرة التي شهدتها الجزائر، كحادثة الهجوم الإرهابي الدامي على منشأة الغاز في عين أميناس في يناير/كانون الثاني 2013، إذ إنّه لم يتحدث مطلقاً حول الاعتداء.
كذلك الأمر بالنسبة لأحداث غرداية الدامية بين الأمازيغ والعرب، التي تجاهلها بوتفليقة لفترة ثلاثة أشهر، قبل أن يتطرّق إليها في مضمون إحدى الرسائل التي وجهها في مناسبة وطنية. ولم يتدخل في احتجاجات منطقة الجنوب المستمرة، سوى في وقت متأخر، عبر مجلس وزراء استثنائي، قرّر فيه جملة من التدابير لصالح منطقة الجنوب. ولفت تأخر اجتماعات مجلس الوزراء، التي لا تنعقد سوى مرة أو مرتين في العام، النظر إلى غموض كبير في إدارة الدولة في الفترة الأخيرة في الجزائر.
وخلال العامين الأخيرين، كرس بوتفليقة طريقة جديدة في إدارة الدولة، وهي إدارة بالبيانات والرسائل، والظهور التلفزيوني خلال استقبال شخصيات سياسية أجنبية ووطنية. وفي كثير من الأحيان، يضطر الى ذلك، كلما تعالت الشكوك وراجت الشائعات حول وضعه الصحي.
ولجأ أخيراً إلى أسلوب عنيف وعبارات غير مسبوقة وجهها إلى قوى المعارضة لوضع حدّ للتشكيك بقدرته على إدارة الحكم. واخترق أسلوبه هذا كل قواعد الاشتباك السياسي المتعارف عليها بين السلطة والمعارضة منذ عقود. وورد ذلك في الرسالة التي شكك فيها كثيرون، وارتاب الرأي العام الجزائري من أن تكون من بنات أفكار الرئيس.
اقرأ أيضاً (الجزائر: رسائل "خطاب النصر" تؤجج خلافات النظام والمعارضة)
في المقابل، يدافع أنصار بوتفليقة عن أسلوبه في إدارة الدولة. ويقول وزير التجارة ورئيس حزب الحركة "الشعبية" الجزائرية، عمارة بن يونس، إن "الرئيس الجزائري يدير الدولة بعقله وليس برجليه"، ردّاً على منتقدي الرئيس والجهات التي تطالبه بالظهور العلني. غير أنّ الناشط السياسي عبد الناصر حمدادوش يعلق على الوضع الحالي لإدارة الدولة في الجزائر بأنّه مثير للاستغراب، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أنّ "الشعب الجزائري يريد أن يرى بوتفليقة ويسمع منه مباشرة، وإلا فإن حكم الجزائر بالرسائل والصور المفبركة والتي لا تتجاوز الثواني هو استخفاف بالشعب". ويتساءل "من يضمن لنا أن الرسائل التي تنسب الى الرئيس هي رسائله فعلاً، وليست رسائل مَن يحكمون البلاد بالوكالة ويسيّرون مؤسسات الدولة بالنيابة".
بدوره، اعتبر رئيس حزب "جيل جديد" جيلالي سفيان، في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "بيانات ورسائل بوتفليقة متأخرة كثيراً عن التجاوب مع الأحداث الوطنية، ومتخلّفة عن التناغم مع الإرادة الشعبية، وهذا يفسر بوضوح أن إدارة الدولة بالرسائل والبيانات والظهور التلفزيوني الظرفي طريقة غريبة لا تطمئن أحداً إلى مستقبل البلد، وعن المجموعة الحاكمة فعلياً".
لا ينتهي الجدل في الجزائر بشأن غياب بوتفليقة، وانما يتناول من يدير البلاد في ظل وعكته الصحية، وعدم قدرته على مخاطبة الجزائريين. لكن الثابت بالنسبة لكثيرين، أن إصرار بوتفليقة على البقاء في السلطة برغم ظروفه الصحية، يعدّ خطيئة سياسية أهدرت كثيراً من إنجازاته السياسية.
كان الثامن من مايو/أيار 2012 آخر يوم سمع فيه الجزائريون رئيسهم. في ذلك الخطاب، أطلق بوتفليقة بالون اختبار سياسياً، كان يشير إلى عدم ترشحه في الرئاسيات التي تجري لاحقاً في أبريل/نيسان 2014. وقال ردّاً على هتافات من القاعة كانت تطالبه بالترشح لولاية رئاسية رابعة: "طاب جناني، (وتعني كبرت وانتهى دوري) ولا يكلّف الله نفساً إلا وسعها".
وبعد 11 شهراً من ذلك الخطاب، تحديداً في أبريل/نيسان 2013، كان الرئيس الذي بدأ يشعر بالعجز الصحي والسياسي، يرقد في مستشفى "فال دوغراس" الفرنسي، نتيجة إصابته بوعكة صحية، أبقته في المستشفى 81 يوماً حتى عودته في يوليو/تموز من العام نفسه الى الجزائر. ومع كل ذلك، عاودته شهوة السلطة، وقرّر أن يترشح لولاية رئاسية رابعة في أبريل/نيسان 2014.
اللافت أنّه، ومنذ خطاب الثامن من مايو/أيار 2012، وباستثناء بضع كلمات تتعلق بالقسم واليمين الدستوري، الذي أدّاه بوتفليقة في مايو/أيار 2014، بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، لم يسمع الجزائريون رئيسهم في خطاب سياسي. وقد استبدل بوتفليقة الخطابات بالرسائل والبيانات، إذ استغل كل فرصة ومحطة وطنية أو دينية، أو احتفالات في مناسبات تاريخية، ليطرح على الرأي العام في الجزائر رسائل تتضمن تحليلاً ومواقف للوضع الداخلي والإقليمي.
غير أنّ هذه الرسائل التي عادة ما تكون ذات طابع بروتوكولي، لم تكن لتطمئن الرأي العام حول حقيقة من يدير دواليب الحكم في الجزائر، وخصوصاً وسط تزايد التطورات والأحداث في الجزائر، إضافة إلى التدخلات السياسية المتأخرة للرئيس بوتفليقة، والتداعيات الخطيرة التي شهدتها الجزائر، كحادثة الهجوم الإرهابي الدامي على منشأة الغاز في عين أميناس في يناير/كانون الثاني 2013، إذ إنّه لم يتحدث مطلقاً حول الاعتداء.
كذلك الأمر بالنسبة لأحداث غرداية الدامية بين الأمازيغ والعرب، التي تجاهلها بوتفليقة لفترة ثلاثة أشهر، قبل أن يتطرّق إليها في مضمون إحدى الرسائل التي وجهها في مناسبة وطنية. ولم يتدخل في احتجاجات منطقة الجنوب المستمرة، سوى في وقت متأخر، عبر مجلس وزراء استثنائي، قرّر فيه جملة من التدابير لصالح منطقة الجنوب. ولفت تأخر اجتماعات مجلس الوزراء، التي لا تنعقد سوى مرة أو مرتين في العام، النظر إلى غموض كبير في إدارة الدولة في الفترة الأخيرة في الجزائر.
وخلال العامين الأخيرين، كرس بوتفليقة طريقة جديدة في إدارة الدولة، وهي إدارة بالبيانات والرسائل، والظهور التلفزيوني خلال استقبال شخصيات سياسية أجنبية ووطنية. وفي كثير من الأحيان، يضطر الى ذلك، كلما تعالت الشكوك وراجت الشائعات حول وضعه الصحي.
ولجأ أخيراً إلى أسلوب عنيف وعبارات غير مسبوقة وجهها إلى قوى المعارضة لوضع حدّ للتشكيك بقدرته على إدارة الحكم. واخترق أسلوبه هذا كل قواعد الاشتباك السياسي المتعارف عليها بين السلطة والمعارضة منذ عقود. وورد ذلك في الرسالة التي شكك فيها كثيرون، وارتاب الرأي العام الجزائري من أن تكون من بنات أفكار الرئيس.
اقرأ أيضاً (الجزائر: رسائل "خطاب النصر" تؤجج خلافات النظام والمعارضة)
في المقابل، يدافع أنصار بوتفليقة عن أسلوبه في إدارة الدولة. ويقول وزير التجارة ورئيس حزب الحركة "الشعبية" الجزائرية، عمارة بن يونس، إن "الرئيس الجزائري يدير الدولة بعقله وليس برجليه"، ردّاً على منتقدي الرئيس والجهات التي تطالبه بالظهور العلني. غير أنّ الناشط السياسي عبد الناصر حمدادوش يعلق على الوضع الحالي لإدارة الدولة في الجزائر بأنّه مثير للاستغراب، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أنّ "الشعب الجزائري يريد أن يرى بوتفليقة ويسمع منه مباشرة، وإلا فإن حكم الجزائر بالرسائل والصور المفبركة والتي لا تتجاوز الثواني هو استخفاف بالشعب". ويتساءل "من يضمن لنا أن الرسائل التي تنسب الى الرئيس هي رسائله فعلاً، وليست رسائل مَن يحكمون البلاد بالوكالة ويسيّرون مؤسسات الدولة بالنيابة".
بدوره، اعتبر رئيس حزب "جيل جديد" جيلالي سفيان، في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "بيانات ورسائل بوتفليقة متأخرة كثيراً عن التجاوب مع الأحداث الوطنية، ومتخلّفة عن التناغم مع الإرادة الشعبية، وهذا يفسر بوضوح أن إدارة الدولة بالرسائل والبيانات والظهور التلفزيوني الظرفي طريقة غريبة لا تطمئن أحداً إلى مستقبل البلد، وعن المجموعة الحاكمة فعلياً".
لا ينتهي الجدل في الجزائر بشأن غياب بوتفليقة، وانما يتناول من يدير البلاد في ظل وعكته الصحية، وعدم قدرته على مخاطبة الجزائريين. لكن الثابت بالنسبة لكثيرين، أن إصرار بوتفليقة على البقاء في السلطة برغم ظروفه الصحية، يعدّ خطيئة سياسية أهدرت كثيراً من إنجازاته السياسية.