"قدّ ما تعاشر لا بدّ تفارق/ يا سعد من فعلو فعل جميل". هكذا غنّى مرّةً بوجمعة العنقيس (1927 - 2015)، الذي يمثّل آخر روّاد الأغنية الشعبية في الجزائر. ومعنى كلماته تلك؛ أن الإنسان سيرحل مهما طال عمره، وأن السعيد من ترك أثراً جميلاً على هذه الأرض.
أمس، رحل العنقيس، في أحد مستشفيات الجزائر العاصمة عن 88 عاماً، مخلّفاً رصيداً فنيّاً ضخماً يضمّ أكثر من 300 أغنية، منها "آه يا انتيا" و"راح الغالي راح" و"تشاوروا عليا".
وُلد العنقيس (اسمه الحقيقي بوجمعة محمد) في 17 حزيران/ يونيو 1927، في حي القصبة بالجزائر العاصمة. وبعد ممارسة طويلة للموسيقى مع عدد من الفنانين الكبار، مثل سعيد المداح وأحمد سري، وقف أمام الجمهور لأول مرّة عام 1947.
ساعده اقترابه من أعمدة الأغنية الشعبية، مثل الحاج محمد العنقا والحاج مريزق، في مواصلة مسيرته الفنية مغنياً وملحناً وكاتب كلمات.
خلال حرب التحرير، اعتُقل مرّتين وتم تعذيبه. وبعد الاستقلال، أعطى نفسَاً جديداً لـ"موسيقى الشعبي" وأخرجها من طابعها الكلاسيكي، من خلال تعاونه مع كاتب الكلمات محبوب باتي، حيث قدّما أغاني قصيرة، غير مألوفة في هذا الطابع.
قضى العنقيس سنواته الأخيرة مريضاً في شقّة ضيقة في حيّ "باب الزوار" في العاصمة، قبل أن يرحل وفي قلبه غصّة، بسبب ما اعتبره "تهميشاً" من القائمين على قطاع الثقافة في البلاد. شعورٌ ترجمته عائلته، اليوم، برفضها تسليم جثمانه للوزارة لإلقاء نظرة أخيرة عليه، كما دأبت كلّما رحل كاتبٌ أو فنّان.