لا الرسمُ بالكلماتِ بل الكتابةُ بالألوان أيضًا، ما ينبغي أنْ ننعتَ به قصيدةَ الشاعرة السوريّة ندى منزلجي، إذ ثمّة تداخلٌ "شِعريّ/ تشكيليّ" حميميّ وعميق، لدرجةِ أنْ لا وجود لحدودٍ فاصلةٍ بينهما. اللغةُ زئبقيّة شفّافة والجُمَلُ مسبوكةٌ بعنايةٍ فائقةٍ، تكاد تخلو من أيّة مفردةٍ زائدةٍ، أو خارجَ نسقِ الشِعريّة.
في الاتجاه عينه، تنحو عناوينُ قصائد مجموعتها الجديدة "سرِقاتُ شاعرٍ مغمور"، (دار مسعى- المنامة)، بوصفها عتبات تمهيديّة مُضيئة لولوجِ النصّ، وكذلك مفاتيح لفكّ شيفرة ألغازه؛ "صانع الأسماء المعدنيّة"، و"الشهداء في أنانيّتهم" و"قلبٌ للبيع".
وإنْ بدا عنوانُ المجموعةِ الرئيسِ "سرِقاتُ شاعرٍ مغمور" أشبهَ بنكتةٍ أو أُحجيةٍ، إلا أنّ القصائد تبدو أكثرَ جديّةً في تناول هموم الحياة المعيشة وتفاصيلها، وذلك من خلال رسم بورتريهات شِعريّة مُتخيّلة لعوالم حقيقيّة، أي أننا هنا أمام شِعريّة الواقِع بتفاصيله المُهملةِ، ليتمّ- بعد التقاطِ المادة الخامّ المرجوّة- تدوير المشهد المؤطّر واختزاله.
فنجد في قصيدة "شهوة التابوت" سرداً حول رتابة حياة "العجائز الأوربيون" ممن؛ "يحبّون ارتداء الأحمر/ نكايةً بحياةٍ بلونِ لحاءِ الأشجار/ يمشون ببطء/ لكنّهم لا يتردّدون عند المنعطفات"، إلا أنّ القصيدة تنتهي على نحوٍ غير متوقّعٍ، كونهم "على الأغلب سيضحكون بتهتّكٍ/ وتضطربُ نبضاتُ قلوبهم اليتيمة/ لو قُدّر لهم/ بنظراتهم الشاردة/ أنْ يشاهدوا على شاشةِ التلفاز/ صورَ مئات السوريّين/ المبحرين في بطونِ توابيتهم الجماعيّة/ وقد ابتلعهم البحر".
فنجد في قصيدة "شهوة التابوت" سرداً حول رتابة حياة "العجائز الأوربيون" ممن؛ "يحبّون ارتداء الأحمر/ نكايةً بحياةٍ بلونِ لحاءِ الأشجار/ يمشون ببطء/ لكنّهم لا يتردّدون عند المنعطفات"، إلا أنّ القصيدة تنتهي على نحوٍ غير متوقّعٍ، كونهم "على الأغلب سيضحكون بتهتّكٍ/ وتضطربُ نبضاتُ قلوبهم اليتيمة/ لو قُدّر لهم/ بنظراتهم الشاردة/ أنْ يشاهدوا على شاشةِ التلفاز/ صورَ مئات السوريّين/ المبحرين في بطونِ توابيتهم الجماعيّة/ وقد ابتلعهم البحر".
وفي قصيدة (هامش لعلي) ثمّة بورتريه مُذهل لحارسِ البيتِ القديم، كما تسمّيه الشاعرة، وهي عبارة عن تراتيل سلام لروح الإنسان حيًّا وميّتًا، حيثُ تقولُ: "علي كان بوّابه الساهي/ ومُعذّب حديقته/ ويلٌ للأشجار حين يمشّطها/ يقصّ كلّ غصنٍ يشذّ عن خطّ غرّتها/ علّمته التجربة/ ليس للأشجار من مرآة/ سوى النهر".
تحاول هذه المجموعة أن تؤكّد أنّ "الحياة ماءٌ آخر يتراءى في صحراء"، فيما الشاعرة تحيا داخلَ لعبةِ شدّ الحبل بين عالمِ الطفولة وعالمِ الأنبياء، على حدّ تعبير ساباردي دامونو.