في الواقع، فإنّ ما شهدته عدن ومحيطها على مدى أكثر من أربعة أسابيع، لم يكن أكثر من انكشاف مريع لحقيقة المشروع الذي لم يحسب لردة فعل اليمنيين، وفي المقدمة منهم الجنوبيون الذين يتصدّرون حالياً معركة الدفاع عن البلاد، بعدما لمسوا عن قرب ممارسات الإماراتيين وحلفائهم على مدى سنوات.
وقد تابع الجميع خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية، كيف انتُهكت حرمة منازل العديد من المسؤولين والشخصيات الاجتماعية الجنوبية في مدينة عدن، مثلما أنّ غالبية ضحايا القصف الإماراتي هم من الجنوبيين، ومن محافظة أبين على نحو خاص. وحتى على مستوى أدنى المسؤوليات، فإنّ الإمارات التي ترسل الأسلحة للمتمردين على الشرعية، لا تكلّف نفسها حتى توفير بعض الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، بما جعل عدن ومحيطها في أزمة خانقة في الأيام الأخيرة.
وحتى بالنسبة لأولئك اليمنيين الذين كانوا ينظرون إلى تمزيق البلاد بوصفه نتيجة واقعية للحرب المدمرة والوضع الذي يعيشه اليمن، فإنّ مجمل الممارسات الإماراتية، بما فيها استخدام القصف الجوي ضدّ القوات الحكومية، كلها مثّلت استفزازاً قوياً لهم، لتؤدي إلى ردة فعل معاكسة توحّد فيها اليمنيون على نحوٍ لم يكن ليحدث في ظلّ الأزمة والانقسامات السياسية الحادة التي تعيشها البلاد. في هذا الوضع، فإنّ صدور بيان عن الإمارات يتحدّث عن دعم الشرعية، في ظلّ الممارسات المخالفة تحوّل إلى مدعاة للتهكم؛ فهناك واقع لن تغيّره البيانات التي تبدو محاولة لكسب الوقت، فكل الشواهد تشير إلى أن أبوظبي مستمرة في استنساخ وضع صنعاء الخارجة عن سيطرة الشرعية في عدن.
صفوة القول إنّ الأزمة الأخيرة أظهرت كيف أن اليمنيين ليسوا في وارد التخلي عن بلادهم، وأنّ الإمارات وحّدتهم من حيث أرادت أن تمزقهم، وأي بيان من أي طرف كان، لم يعد ينطلي على أحد طالما أنّ هناك ما ينقضه على أرض الواقع.