25 يوليو 2014
بيروت تنهزم
ليس عام 2003 بعيداً. أحد عشر عاماً تفصلنا عنه. خاضت الولايات المتحدة فيه حربها على العراق. خرج اللبنانيون بتظاهرات كبيرة رفضاً لتلك الحرب. رُفع شعار حاسم: لا للحرب لا للدكتاتورية. الأمر عينه حصل في العام 2002، عندما حوصر الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، في مقر المقاطعة. خرج اللبنانيّون بتظاهرات واعتصامات، ونصبوا الخيم تضامناً. كانت السفارة الأميركية قبلة المتظاهرين، وكادوا في إحدى المرات أن يقتحموا السفارة البريطانية.
في تلك السنوات، لم يغب اللبنانيون عن الشارع، في رفض سلطتهم السياسية والاحتلال السوري. تظاهروا رفضاً للقبضة الأمنية، اعتُقلوا وضُربوا ولوحقوا، ومنهم مَن اغتيل. وصل الأمر إلى ذروته في بداية عام 2005. أطلق اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تظاهرات ضخمة، هزّت بيروت، وأدّت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان.
في كلّ تلك التحركات، كان الشباب هو المبادر. يروي مسؤولو الأطر الشبابية في الأحزاب، وفي الحركات الشبابيّة، كم مرة اصطدموا بقياداتهم، بسبب هذه التحركات. كانت الأحزاب مدجّنة، لكن شبابها لم يكونوا كذلك. أكثر تجربة تلخّص هذه الحالة، تظاهرة 14 آذار 2005. يومها كانت قيادات الأحزاب المعارضة خائفةً من الجيش السوري. لم تكن تلك التظاهرة في بالهم. لو كان سمير قصير حيّاً، لروى كيف حصلت. يمكن لبعض رفاقه رواية كيف اتُّخذ القرار الشبابي، وأُعلن تلفزيونياً، وأُحرجت القيادات السياسيّة.
تغيّرت بيروت كثيراً منذ مايو/ أيار 2008. احتلتها ميليشيات حزب الله وحلفائه. لم تخرج أي تظاهرة. غاب الشباب عن المشهد. هاجر عدد كبير من هؤلاء. لم تنتج الأحزاب غيرهم. انخفض الحماس. زاد الرعب. أحكمت القبضة الأمنية سيطرتها على الأراضي اللبنانية. هُزم الشباب الذي تظاهر عام 2005. يقول الوزير السابق، طارق متري (كان أحد أبرز قيادات 14 آذار)، إن الهزيمة منطقية، لأن هذا الحراك غرق في الانقسام الطائفي. ربما لا تزال عبارة سمير قصير التي ختم بها مقالته: "انتفاضة في الانتفاضة" الأكثر تعبيراً. دعا قصير، في مقالته، المتظاهرين إلى العودة إلى الشارع: "انزلوا إلى الشارع تسمعونها، وتسمعون معها نداءً عاجلاً إلى أن تبادروا إلى انتفاضة من نوع آخر، انتفاضة على الذات، تفتح لحظة انتهاء وصاية حكم البعث على آفاق الدولة العصرية، دولة المواطنين، وليس دولة الرعايا".
لم تخرج الانتفاضة الثانية. فشل اللبنانيون في الانتقال من دولة الرعايا إلى دولة المواطنين. لا بل تعمّدت دولة الرعايا بنظام أمني جديد له "شبيحته". فيوم تظاهر عشرات أمام السفارة السورية في شارع الحمراء، خرج عليهم شبيحة تابعون للسفارة وللحزب السوري القومي الاجتماعي، واعتدوا عليهم بالضرب.
في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الثانية، لم يكن حال لبنان جيداً، لكن كان هناك حلم. الهزائم المتتالية والقبضة الأمنية المعززة بخطاب مذهبي جعلا الانقسام العمودي أكثر حدّة، نالوا من هذا الحلم.
لم يعد الشأن العام عاماً. مجزرة الكيماوي لا تستفزّ إلا بضع عشرات للاعتصام أمام مقر "الإسكوا". مقتل عشرات (أو مئات) اللبنانيين في سورية، وقتلهم آلافاً من الشعب السوري، لا تدفع إلى الاعتراض. صار موت هؤلاء يستدعي الاحتفال! حروب طائفية متنقّلة من طرابلس إلى البقاع، لا تجد مَن يعترض عليها. أبناء طرابلس تآلفوا مع الرصاص. حرب على غزة، لأيام عشرة، ولم تخرج في بيروت تظاهرة تملأ شارعاً صغيراً. تمديد ولاية مجلس النواب مرّة (ويجري التحضير للتمديد الثاني) لا يحرك إلا بضع عشرات من الشبان. تُحتلّ بلدة الطفيل اللبنانية، وتعيش بلدة أخرى (عرسال)، تحت هاجس التهجير الديمغرافي، ولا يخرج الموضوع عن الموقف المذهبي. صارت الهزيمة واقعاً. أصلاً، جامعات لبنان صارت بلا سياسة، إذ يُمنع العمل السياسي في الجامعة اللبنانية، وعدد من الجامعات الخاصة، منذ سنوات. كيف تُنتج السياسة بلا جامعات وشباب؟
للأسف، لم يعد من مساحةٍ للحلم في بيروت.
في تلك السنوات، لم يغب اللبنانيون عن الشارع، في رفض سلطتهم السياسية والاحتلال السوري. تظاهروا رفضاً للقبضة الأمنية، اعتُقلوا وضُربوا ولوحقوا، ومنهم مَن اغتيل. وصل الأمر إلى ذروته في بداية عام 2005. أطلق اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تظاهرات ضخمة، هزّت بيروت، وأدّت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان.
في كلّ تلك التحركات، كان الشباب هو المبادر. يروي مسؤولو الأطر الشبابية في الأحزاب، وفي الحركات الشبابيّة، كم مرة اصطدموا بقياداتهم، بسبب هذه التحركات. كانت الأحزاب مدجّنة، لكن شبابها لم يكونوا كذلك. أكثر تجربة تلخّص هذه الحالة، تظاهرة 14 آذار 2005. يومها كانت قيادات الأحزاب المعارضة خائفةً من الجيش السوري. لم تكن تلك التظاهرة في بالهم. لو كان سمير قصير حيّاً، لروى كيف حصلت. يمكن لبعض رفاقه رواية كيف اتُّخذ القرار الشبابي، وأُعلن تلفزيونياً، وأُحرجت القيادات السياسيّة.
تغيّرت بيروت كثيراً منذ مايو/ أيار 2008. احتلتها ميليشيات حزب الله وحلفائه. لم تخرج أي تظاهرة. غاب الشباب عن المشهد. هاجر عدد كبير من هؤلاء. لم تنتج الأحزاب غيرهم. انخفض الحماس. زاد الرعب. أحكمت القبضة الأمنية سيطرتها على الأراضي اللبنانية. هُزم الشباب الذي تظاهر عام 2005. يقول الوزير السابق، طارق متري (كان أحد أبرز قيادات 14 آذار)، إن الهزيمة منطقية، لأن هذا الحراك غرق في الانقسام الطائفي. ربما لا تزال عبارة سمير قصير التي ختم بها مقالته: "انتفاضة في الانتفاضة" الأكثر تعبيراً. دعا قصير، في مقالته، المتظاهرين إلى العودة إلى الشارع: "انزلوا إلى الشارع تسمعونها، وتسمعون معها نداءً عاجلاً إلى أن تبادروا إلى انتفاضة من نوع آخر، انتفاضة على الذات، تفتح لحظة انتهاء وصاية حكم البعث على آفاق الدولة العصرية، دولة المواطنين، وليس دولة الرعايا".
لم تخرج الانتفاضة الثانية. فشل اللبنانيون في الانتقال من دولة الرعايا إلى دولة المواطنين. لا بل تعمّدت دولة الرعايا بنظام أمني جديد له "شبيحته". فيوم تظاهر عشرات أمام السفارة السورية في شارع الحمراء، خرج عليهم شبيحة تابعون للسفارة وللحزب السوري القومي الاجتماعي، واعتدوا عليهم بالضرب.
في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الثانية، لم يكن حال لبنان جيداً، لكن كان هناك حلم. الهزائم المتتالية والقبضة الأمنية المعززة بخطاب مذهبي جعلا الانقسام العمودي أكثر حدّة، نالوا من هذا الحلم.
لم يعد الشأن العام عاماً. مجزرة الكيماوي لا تستفزّ إلا بضع عشرات للاعتصام أمام مقر "الإسكوا". مقتل عشرات (أو مئات) اللبنانيين في سورية، وقتلهم آلافاً من الشعب السوري، لا تدفع إلى الاعتراض. صار موت هؤلاء يستدعي الاحتفال! حروب طائفية متنقّلة من طرابلس إلى البقاع، لا تجد مَن يعترض عليها. أبناء طرابلس تآلفوا مع الرصاص. حرب على غزة، لأيام عشرة، ولم تخرج في بيروت تظاهرة تملأ شارعاً صغيراً. تمديد ولاية مجلس النواب مرّة (ويجري التحضير للتمديد الثاني) لا يحرك إلا بضع عشرات من الشبان. تُحتلّ بلدة الطفيل اللبنانية، وتعيش بلدة أخرى (عرسال)، تحت هاجس التهجير الديمغرافي، ولا يخرج الموضوع عن الموقف المذهبي. صارت الهزيمة واقعاً. أصلاً، جامعات لبنان صارت بلا سياسة، إذ يُمنع العمل السياسي في الجامعة اللبنانية، وعدد من الجامعات الخاصة، منذ سنوات. كيف تُنتج السياسة بلا جامعات وشباب؟
للأسف، لم يعد من مساحةٍ للحلم في بيروت.