01 أكتوبر 2018
بين الموقف والإنحياز
من الجميل أن نتفاعل مع قضايا الأمة بحماس والتزام كاملين، ولكن، في الوقت نفسه، علينا أن ننتبه كي لا نحمل الأشياء أكثر مما تحتمل، أي توخي الدقة لتجنب الوقوع في الإفراط أو التفريط ضمن الواقع العربي الحالي.
وانطلاقا من هذا المبدأ، نستطيع أن نبدي رأيا في الجدل الحاصل حول مواقف بعض الدول من قرار جامعة الدول العربية حول تصنيف حزب الله اللبناني تنظيماً إرهابياً، وأخص بالذكر مواقف الجزائر وتونس من المسألة التي اعتبرها بعضهم مخيبة للآمال، ولا تراعي الإجماع العربي المتشكل للتصدي بحزم لأدوات التدخل الإيراني في شؤون المنطقة، وزعزعة استقرارها في أكثر من محل.
لا بد أن نؤكد أن الحزم، في حد ذاته، ليس مطروحا للنقاش، فضرورته أصبحت حتمية في ظل التغيرات الحاصلة التي لن تعفي أحدا من لهيبها، ولكن الحزم سياسة متكاملة، ولا تبنى على مفرد المواقف الآنية المشعلة للحماس الإعلامي والجماهيري في أقصى مستوياته، من دون قاعدة استراتيجية صلبة، تحرك السياسات وتوجهها، وإذا وجدت هذه القاعدة سيصبح من الممكن تقييم المواقف من الناحية الموضوعية، أي حينها لا جدوى من استمرار شيء اسمه جامعة الدول العربية أو التضامن العربي في الأساس، إذا لم تتفق مثلاً كل الدول على قرارات من صميم منظومة الأمن القومي الجامع التي تستمد مفرداتها من تلك القاعدة الاستراتيجية المحددة للمصير المشترك لأقطار الفضاء الواسع، الممتد من المحيط إلى الخليج .
ولأن هذا الأمر غائب أو أنه لم ينضج بعد، من الصعب أن تجتمع دول مرتبطة بأولويات مختلفة، وبتوازنات داخلية وخارجية متباينة حول بيان مشترك. الكتلة العربية في ظل تلاشي الدور الذي كانت تلعبه قوى مركزية مثل مصر والعراق، ومع تراجع الالتحام بالقيم الجامعة، مثل الارتباط بالأرض ومساعي التحرير والتحرر السياسي والتحديث الديموقراطي، أصبحت تجمعات جغرافية محدودة الاهتمامات، فالمغرب العربي لا يستشعر الخطر الذي يحس به الخليج، وكلاهما قد ينعزل عما يحدث في الهلال الخصيب (سورية والعراق ولبنان وفلسطين) إنما قد تتشكل بعض التحالفات العابرة للمناطق (بين أنظمة ملكية متشابهة أو حول مكافحة التطرف)، لكنها مضطربة وغير ثابتة، أي أن المبادرة صارت مبنية حصراً على استشعار الخطر بشكل مباشر، فلو أصبح التوسع الإيراني السافر على أبواب الدول المغاربية، لا أتصور أن هذه الأخيرة ستتردد في مواجهته، لأن للجزائر سابقة في الحزم مع إيران بداية التسعينات، عندما تدهورت العلاقة بينهما بسبب موقف طهران الداعم للإسلاميين وبعض الجماعات العنفية مثل الفيدا، ولا أتوقع أن الأجهزة الأمنية في هذه البلدان ستسمح لحزب الله، أو أي منظمة تابعة لإيران، تحت أي شعار بتهديد التماسك الاجتماعي، أو تأسيس كيانات خارجة عن القانون، وحتى ذلك الحين يستشعرون أولوية معالجة التحديات العاجلة والمتفاقمة على الخوض في خطوات استباقية غير مضمونة، تحدث خرقا في التمترس المزمن خلف سياسة عدم التدخل في شؤون الآخرين، للبقاء خارج نطاق المشكلات.
بين الموقف والانحياز مسافة ينبغي ألا نغفلها، فالموقف يخضع لاعتبارات وحسابات كثيرة، فيما يرتبط الانحياز بالمصلحة المباشرة لطرف أو الانسجام التام بين طرفين، وعليه لا ينبغي أن يقرأ الموقفين الرسميين، الجزائري والتونسي، على أنه انحياز لحزب الله، أو لوجهة النظر الإيرانية، مثلما يروج إعلام الممانعة، إذ لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بذلك، وخصوصاً هذا الموقف الصادر من البلدين لا ينفي على الإطلاق الطابع الميلشياوي لحزب الله، مقارنة بالأجهزة النظامية للدولة اللبنانية.
والمقلق ليس موقف الحكومات بقدر ما هو الانطباعات الخاطئة التي قد تتولد لدى الجماهير في لحظات الجدل، كأن يأخذ الإفراط بعضا من أصحاب النيات الطيبة إلى التلميح بأن شعوب المغرب العربي أقرب عاطفياً لإيران منها إلى أشقائها، وهذا ما يجانب الصواب، ويهدد نمو نبتة العربي الجديد العاقل والرصين التي نريد لها أن تزهر في كل ربوع الوطن الكبير.
يفتح الاعتدال في فهم المواقف المجال للتأثير عليها إيجابا، واستغلالها المصلحة الشاملة، ولكن النظر إليها بعين الانحياز المندفعة قد يؤدي إلى أضرار عميقة، يصعب تداركها.
وانطلاقا من هذا المبدأ، نستطيع أن نبدي رأيا في الجدل الحاصل حول مواقف بعض الدول من قرار جامعة الدول العربية حول تصنيف حزب الله اللبناني تنظيماً إرهابياً، وأخص بالذكر مواقف الجزائر وتونس من المسألة التي اعتبرها بعضهم مخيبة للآمال، ولا تراعي الإجماع العربي المتشكل للتصدي بحزم لأدوات التدخل الإيراني في شؤون المنطقة، وزعزعة استقرارها في أكثر من محل.
لا بد أن نؤكد أن الحزم، في حد ذاته، ليس مطروحا للنقاش، فضرورته أصبحت حتمية في ظل التغيرات الحاصلة التي لن تعفي أحدا من لهيبها، ولكن الحزم سياسة متكاملة، ولا تبنى على مفرد المواقف الآنية المشعلة للحماس الإعلامي والجماهيري في أقصى مستوياته، من دون قاعدة استراتيجية صلبة، تحرك السياسات وتوجهها، وإذا وجدت هذه القاعدة سيصبح من الممكن تقييم المواقف من الناحية الموضوعية، أي حينها لا جدوى من استمرار شيء اسمه جامعة الدول العربية أو التضامن العربي في الأساس، إذا لم تتفق مثلاً كل الدول على قرارات من صميم منظومة الأمن القومي الجامع التي تستمد مفرداتها من تلك القاعدة الاستراتيجية المحددة للمصير المشترك لأقطار الفضاء الواسع، الممتد من المحيط إلى الخليج .
ولأن هذا الأمر غائب أو أنه لم ينضج بعد، من الصعب أن تجتمع دول مرتبطة بأولويات مختلفة، وبتوازنات داخلية وخارجية متباينة حول بيان مشترك. الكتلة العربية في ظل تلاشي الدور الذي كانت تلعبه قوى مركزية مثل مصر والعراق، ومع تراجع الالتحام بالقيم الجامعة، مثل الارتباط بالأرض ومساعي التحرير والتحرر السياسي والتحديث الديموقراطي، أصبحت تجمعات جغرافية محدودة الاهتمامات، فالمغرب العربي لا يستشعر الخطر الذي يحس به الخليج، وكلاهما قد ينعزل عما يحدث في الهلال الخصيب (سورية والعراق ولبنان وفلسطين) إنما قد تتشكل بعض التحالفات العابرة للمناطق (بين أنظمة ملكية متشابهة أو حول مكافحة التطرف)، لكنها مضطربة وغير ثابتة، أي أن المبادرة صارت مبنية حصراً على استشعار الخطر بشكل مباشر، فلو أصبح التوسع الإيراني السافر على أبواب الدول المغاربية، لا أتصور أن هذه الأخيرة ستتردد في مواجهته، لأن للجزائر سابقة في الحزم مع إيران بداية التسعينات، عندما تدهورت العلاقة بينهما بسبب موقف طهران الداعم للإسلاميين وبعض الجماعات العنفية مثل الفيدا، ولا أتوقع أن الأجهزة الأمنية في هذه البلدان ستسمح لحزب الله، أو أي منظمة تابعة لإيران، تحت أي شعار بتهديد التماسك الاجتماعي، أو تأسيس كيانات خارجة عن القانون، وحتى ذلك الحين يستشعرون أولوية معالجة التحديات العاجلة والمتفاقمة على الخوض في خطوات استباقية غير مضمونة، تحدث خرقا في التمترس المزمن خلف سياسة عدم التدخل في شؤون الآخرين، للبقاء خارج نطاق المشكلات.
بين الموقف والانحياز مسافة ينبغي ألا نغفلها، فالموقف يخضع لاعتبارات وحسابات كثيرة، فيما يرتبط الانحياز بالمصلحة المباشرة لطرف أو الانسجام التام بين طرفين، وعليه لا ينبغي أن يقرأ الموقفين الرسميين، الجزائري والتونسي، على أنه انحياز لحزب الله، أو لوجهة النظر الإيرانية، مثلما يروج إعلام الممانعة، إذ لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بذلك، وخصوصاً هذا الموقف الصادر من البلدين لا ينفي على الإطلاق الطابع الميلشياوي لحزب الله، مقارنة بالأجهزة النظامية للدولة اللبنانية.
والمقلق ليس موقف الحكومات بقدر ما هو الانطباعات الخاطئة التي قد تتولد لدى الجماهير في لحظات الجدل، كأن يأخذ الإفراط بعضا من أصحاب النيات الطيبة إلى التلميح بأن شعوب المغرب العربي أقرب عاطفياً لإيران منها إلى أشقائها، وهذا ما يجانب الصواب، ويهدد نمو نبتة العربي الجديد العاقل والرصين التي نريد لها أن تزهر في كل ربوع الوطن الكبير.
يفتح الاعتدال في فهم المواقف المجال للتأثير عليها إيجابا، واستغلالها المصلحة الشاملة، ولكن النظر إليها بعين الانحياز المندفعة قد يؤدي إلى أضرار عميقة، يصعب تداركها.
مقالات أخرى
22 يوليو 2018
03 ديسمبر 2017
08 اغسطس 2017