15 سبتمبر 2016
بين غُصَّتين
عبد الغني العجان (المغرب)
لم نعد بحاجة إلى التأكيد على القيمة التي تحتلها وسائل التواصل الافتراضي في مجتمع العالم الأزرق؛ إذ أضحت جزءا من الحياة اليومية للأفراد والمجموعات. وتبقى اللغة، بتعدّدها وتنوعها، من الأدوات الرئيسية التي تعتمد عليها هذه الوسائل في التبليغ والتوصيل، بصورة يجعلها في دائرة البحث اللساني الحديث.
تقفز هذه الأيام إلى الواجهة في مواقع التواصل الافتراضي المغربية اللفظة العامية "الحُـﮔرَة" التي تعطي، بتلفظها وإيحاءاتها، لمحةً عن أسئلة الذات في معاينتها واقعها الراهن. كما تمنحنا صورةً لفهم البيئة اللغوية، حين تكشف عن العلاقة الجينية بين اللغة العربية الفصيحة والعربية العامية المغربية، معجما وصوتا ودلالةً.
مُعجميا، تعبر لفظة "حُـﮔرة"، وما يتفرع عنها من اشتقاقات لَهْجِيَّة، عن حالة من التلفظ المنحدر من مستوى لغوي عالٍ، هو العربية الفصيحة التي تعطي معاجمُها ما يؤشر على هذا الانحدار من الجذر اللغوي "حَقَرَ" (حقر، يحقر، حقرا، وحقارة، وحقره واحتقره واستحقره...).
صوتيا بين المستويين الفصيح والعامي لهذا اللفظ، تقارب واضح في حرفي الحاء والراء. في حين يختلفان في عين الكلمة: القاف في مقابل الـﮔاف. وإذا كان القاف من الحروف اللهوية المجهورة الفصيحة، فإن صوت "الـﮔاف" لا مقابل له في اللغة العربية. وإن كان سيبويه في الكتاب قد استحسنه في قراءة القرآن الكريم والشعر، من غير أن يحدّد ما إذا كان صوتا أصيلا في العربية أم لا، أم لحنا أصاب ألسنة العرب.
أما دلاليا فإن الحَقْرَ في كل المعاني الفصيحة يعني الذِّلة والهوان. و"الحُـﮔرة" تفيد، في سياق العامية المغربية، معنى الاحتقار والإذلال والإهانة، غير أن الإيضاح المعجمي لهذا اللفظ العامي يبقى قاصرا في غياب البعد الدلالي الاجتماعي الذي يشي بحالة من الإحساس بالظلم والضيم، الناتج عن جملة من الاختلالات السياسية والاجتماعية.
وبعد، أختم هذه الأسطر، وفي القلب غُصَّتين: غُصة نشعر بها بسبب الضيم الاجتماعي الذي يقاسيه الناس جراء البؤس، وخيبة الأمل في سياسات عجاف. وغُصّة تُلخصها ما مُنيت به اللغة العربية الفصيحة في عصرنا من حيف، يعكس وجها من وجوه أزمتها في الاستعمال، لصالح الترسيخ لنوعيات عامية دنيا.
تقفز هذه الأيام إلى الواجهة في مواقع التواصل الافتراضي المغربية اللفظة العامية "الحُـﮔرَة" التي تعطي، بتلفظها وإيحاءاتها، لمحةً عن أسئلة الذات في معاينتها واقعها الراهن. كما تمنحنا صورةً لفهم البيئة اللغوية، حين تكشف عن العلاقة الجينية بين اللغة العربية الفصيحة والعربية العامية المغربية، معجما وصوتا ودلالةً.
مُعجميا، تعبر لفظة "حُـﮔرة"، وما يتفرع عنها من اشتقاقات لَهْجِيَّة، عن حالة من التلفظ المنحدر من مستوى لغوي عالٍ، هو العربية الفصيحة التي تعطي معاجمُها ما يؤشر على هذا الانحدار من الجذر اللغوي "حَقَرَ" (حقر، يحقر، حقرا، وحقارة، وحقره واحتقره واستحقره...).
صوتيا بين المستويين الفصيح والعامي لهذا اللفظ، تقارب واضح في حرفي الحاء والراء. في حين يختلفان في عين الكلمة: القاف في مقابل الـﮔاف. وإذا كان القاف من الحروف اللهوية المجهورة الفصيحة، فإن صوت "الـﮔاف" لا مقابل له في اللغة العربية. وإن كان سيبويه في الكتاب قد استحسنه في قراءة القرآن الكريم والشعر، من غير أن يحدّد ما إذا كان صوتا أصيلا في العربية أم لا، أم لحنا أصاب ألسنة العرب.
أما دلاليا فإن الحَقْرَ في كل المعاني الفصيحة يعني الذِّلة والهوان. و"الحُـﮔرة" تفيد، في سياق العامية المغربية، معنى الاحتقار والإذلال والإهانة، غير أن الإيضاح المعجمي لهذا اللفظ العامي يبقى قاصرا في غياب البعد الدلالي الاجتماعي الذي يشي بحالة من الإحساس بالظلم والضيم، الناتج عن جملة من الاختلالات السياسية والاجتماعية.
وبعد، أختم هذه الأسطر، وفي القلب غُصَّتين: غُصة نشعر بها بسبب الضيم الاجتماعي الذي يقاسيه الناس جراء البؤس، وخيبة الأمل في سياسات عجاف. وغُصّة تُلخصها ما مُنيت به اللغة العربية الفصيحة في عصرنا من حيف، يعكس وجها من وجوه أزمتها في الاستعمال، لصالح الترسيخ لنوعيات عامية دنيا.
مقالات أخرى
07 اغسطس 2014