أصبح البيت الطينيّ من مفردات الريف المصري المهددة بالانقراض. فمع أواخر ثمانينيات القرن الماضي تراجع "الدار" لصالح "العمارة"، وأصبحت الشقة بديلاً لـ "البيت". وانهزمت المنشآت الطينية أمام المباني الإسمنتية المتوحشة التي خدشت براءة الريف وشوّهت أبرز معالمه، فصار العثور على بيت طينيّ واحد من النوادر. على مرّ التاريخ مثّلت العمارة الطينية النموذج البيئي المناسب للريف في الوادي والواحات؛ فشيدت البيوت المتاخمة للحقول والمزارع، وتكوّنت منها القرى والعزب والنجوع. ووفقاً للحاجة؛ تكوّن البيت من عدة عناصر، كصالة المعيشة، ومكان استقبال الضيوف (المندرة)، وغرف النوم، إضافة إلى ملحقات أخرى مثل حظيرة البهائم، وغرفة الخبيز، ومخزن الغلال. وقد ساعدت المواد البدائية التي يُبنى بها البيت في تلطيف حرارة الطقس داخل البيوت صيفاً وشتاء، خاصة في المناطق الصحراوية.
على الرغم من الإيجابيات البيئية الكبيرة؛ فإن مبررات نكوص الريف عن تقاليده المعمارية كانت منطقية؛ مثل ضعف أسقف البيوت أمام موجات المطر الشديد، والاحتياج الدائم لعمليات التنكيس والترميم، وتعرضها المستمر لهجوم الحشرات والقوارض. كما أن الثقافة الريفية ظلّت بعيدة عن تطبيق الأفكار الأكاديمية الفعالة في تطوير عمارة المنزل الطيني وحمايته. تضاف إلى ذلك مشكلات اقتصادية؛ مثل ضعف مساحة الأرض المسموح البناء عليها داخل الريف، وزيادة حاجة الأسرة إلى وحدات سكنية، مما دفعها إلى الأبنية الحجرية وأساساتها الإسمنتية، التي تتحمل عدة أدوار، وعدة وحدات سكنية تمتاز بالخصوصية، بدلاً من البيت الطيني ذي الطابق الواحد في أكثر الأحوال والذي كان يتَّسع، عادة، لعدة أسر ضمن العائلة الواحدة.
هناك القليل من البنائين الذين يمكن اللجوء إليهم للتعرف إلى الأساليب التقليدية في تشييد العمارة الريفية التي اقتصرت هذه الأيام على بعض المنشآت غير المخصصة للسكن. يتطلب بناء المنزل بعد تصميمه حفر أساسٍ تُقام عليه الجدران لمسافة مناسبة لضمان ثباتها. بعدها يتم اختيار واحدة من وسيلتين للبناء؛ الأولى: البناء بالطوف أو المداميك، والثانية: البناء بالطوب اللبن. في الطريقة الأولى يتم صنع عجينة من الطين المخلوط بالتبن أحياناً، وبناء سطر من "الطوف" قد يصل عرضه إلى نصف متر وارتفاعه إلى نصف متر أيضاً، بامتداد أفقي يشمل جميع جدران المبنى. يترك هذا السطر الطيني لمدة يومين حتى يجف وتشتد صلابته ويصبح مُهيئاً لاستقبال طوف آخر فوقه وهكذا، إلى أن يكتمل بناء الجدران جميعاً بالارتفاع المطلوب.
وبعد أن يجف الطوف الأخير، تبدأ عملية إنشاء السقف من الخشب. وحتى يكون السقف والجدران مهيئة للطلاء والزينة؛ يقوم البنَّاؤون بعمليات تنعيم الجدران بالمحارة الطينية، وتلييس السقف الخشبي وتمحيره بالطين لسد الثغرات، وأحياناً تتم تغطية السطح بطبقة من البلاستيك، يعلوها طبقة من قش الأرز لحماية البيت من حرارة الجو ومن الأمطار أيضاً. الطريقة الثانية للبناء تعتمد على صناعة الطوب اللبن بجوار المبنى المزمع تشييد المبنى الطيني فيه، إذْ تصب عجينة الطين المخلوط بالتبن عبر قوالب معدنية أو خشبية، وتترك ليوم أو يومين لتجف، وحين يبدأ البناء في عمله يُجهز عجينة أخرى من أجل لصق الطوب بعضه ببعض. ويتضمن تصميم بيوت الطين التقليدية المصطبة الخارجية، التي تعد استراحة لأهل البيت ومكاناً لاستقبال الضيوف من أهل القرية والأقارب، إضافة إلى دورها الإنشائي في تقوية جدران البيت وأساسه.
لفتت البيوت الطينية انتباه المعماري حسن فتحي (1900-1989) ورأى مناسبتها للبيئة، فوضع أول تصاميمه سنة 1937، وبدأ في بناء نماذجه الأولى بقرية بهتيم بالجيزة سنة 1941. وبعد إعادة النظر في هذا النموذج، وضع مجموعة من التصورات والمقترحات لتنفيذ البيت الطيني برؤية معاصرة، تراعي إمكانات الناس وثقافتهم واحتياجاتهم، وهو ما أسفر في أواخر الأربعينيات عن إنجاز قرية (القرنة الجديدة) بمدينة الأقصر. وقد دوّن حسن فتحي رؤيته المعمارية في كتابه الشهير "عمارة الفقراء". وفي السنوات الأخيرة بدأت معالم القرية في الضياع ولم ينقذها سوى الجهود التي ساعدتها في أن تنضم إلى قائمة المعالم الأثرية العالمية المهددة بالانقراض عام 2010. ويبدو أن أفكار حسن فتحي ظلت ملهمة للناس في منطقة الواحات، حيث اتجهت العديد من الفنادق والقرى السياحية إلى الطين لإنشاء فنادق منسجمة مع البيئة لأغراض سياحية.