لم يكن الإعلان عن مقتل المسؤول العسكري، الذراع اليمنى لزعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أبو عمر الشيشاني، بمعارك في مدينة الشرقاط العراقية، يوم الأربعاء، وفقاً لبيان صادر عن وكالة "أعماق"، التابعة للتنظيم، أمراً عادياً.
فقد فتح هذا الإعلان الباب واسعاً على مستقبل التنظيم، ومن تبقّى من قياداته أو مؤسسيه، البالغ مجموعهم 44 قيادياً، غالبيتهم عراقيون وسوريون. كما شرّع الإعلان الباب واسعاً على قدرة "داعش" على البقاء، ومدة هذا البقاء، وحتى توقعات بنهاية صفحته، خصوصاً أن غالبية مؤسسي التنظيم الحالي، عملوا مع تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين"، بزعامة أبو مصعب الزرقاوي (1966 ـ 2006)، قبل أن تتطور جملة من الظروف، التي بدّلت قناعاتهم بتنظيم "القاعدة" كتنظيم، مسهمة في ولادة "دولة العراق الإسلامية" بزعامة أبو عمر البغدادي، الذي قُتل في أبريل/نيسان 2010، ليُنتخب أبو بكر البغدادي خليفة له، بمبايعة معظم قياديي هذا التنظيم، لا جميعهم. ثم في 9 أبريل 2013، أعلن البغدادي عن ولادة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، بعد عامين من انطلاق الثورة السورية (2011) المطالبة بالحرية وتغيير النظام الحاكم.
قيادات بارزة وأسماء كثيرة أسهمت في تأسيس هذا التنظيم، الذي يُعدّ الأكثر خطورة وتطرفاً على مر التاريخ الحديث. وساهمت في تشكيله وتغذيته آلة القمع والقتل والتنكيل والإقصاء الطائفي، الذي مارسه النظامان العراقي والسوري على مدى السنوات الماضية، وزاد عليها النفوذ الإيراني، الذي بات أحد أشكال الاحتلال أو الانتداب على كلا البلدين.
وفي 19 سبتمبر/أيلول 2014، بدأ "داعش" يكسب اهتماماً دولياً، بعد بدء الغارات الجوية على مواقعه في العراق، إثر إعلان الولايات المتحدة الحرب على التنظيم، وتشكيل تحالف دولي لم تجد عناءً في جمع شركاء له بلغ مجموعهم 67 دولة، بين مشاركة فعلية في القصف الجوي والعمليات العسكرية، وبين داعم بالتدريب والتسليح. وأدت العمليات إلى فقدان التنظيم عدداً كبيراً من قياداته الروحية والميدانية، معظمهم سقط في القصف الأميركي أو الفرنسي والبريطاني على أهداف ومعاقل التنظيم في العراق وسورية، حيث صارت حدودهما قطعة مفتوحة على بعضهما بعضاً، بعد كسر التنظيم للحدود بين البلدين والإعلان عن وفاة حدود سايكس بيكو (اتفاق ترسيم حدود دول المشرق العربي بين فرنسا وبريطانيا في العام 1916).
ووفقاً للمعلومات، سواء من إعلانات التنظيم نفسه أو تقارير دوائر الاستخبارات الغربية، فإن 26 قيادياً من التنظيم قضوا خلال العامين الماضيين، من بينهم 21 بواسطة القصف الدولي على معاقل التنظيم، وواحد فقط بإنزال جوي في سورية بالعام 2015.
ويفتح مقتل قيادات التنظيم، التي تُشكّل رأس الهرم أو القيادة العليا في إدارته وتحركاته، جملة من التساؤلات حول مستقبل التنظيم وإمكانيته الفعلية على تأمين قادة جدد، أو أن ذلك بداية انهياره أو انتهاء صفحته من تنظيم بأراضٍ معلومة، إلى خلايا وجيوب متفرقة تسترجع أوراق السنوات التي عمل بها "القاعدة" بالعراق إبان الاحتلال الأميركي للبلاد.
في المقابل، يتجنّب كثر كابوس ولادة الجيل الخامس ما بعد "داعش"، بعد سلسلة التطور في التنظيمات الجهادية التي بدأت بـ"جماعة التوحيد والجهاد" (2003 ـ 2004)، و"قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" (2004 ـ 2006)، و"دولة العراق الإسلامية" (2007 ـ 2013)، و"الدولة الإسلامية بالعراق والشام" (داعش) (2013 وحتى الآن). بالتالي يتوقع كثر، في أن "يكون الجيل الجديد أكثر شراسة وتطرّفاً من التنظيمات الأخرى، وهو ما يدفع إلى المطالبة بعلاج جذري لأسباب التجنيد والتطرف، متمثلة في حلّ سياسي جذري وإنهاء آلة القمع والإذلال والقتل التي تمارس بالعراق وإيران، على يد النظامين هناك وبدعم مباشر من إيران".
ووفقاً لمعلومات "العربي الجديد" فإن أبرز القيادات التي ساهمت في تأسيس التنظيم، وإيصاله الى وضعه الحالي، وقُتلت خلال المعارك، هي كل من فاضل الحيالي، الملقّب بأبو مسلم الخراساني، وعدنان إسماعيل نجم، الملقّب بأبو عبدالرحمن البيلاوي، ووالي الأنبار أبو مهند السويداوي، ووالي نينوى، رضوان حمدون أبو طالب، الملقّب بأبو جرناس، والشيخ عبدالباسط الأنصاري، ووالي الفلوجة أبو زهراء المحمدي، ونعمان منصور الزيدي، الملقّب بأبي سليمان الناصر لدين الله، وتارخان باتيراشفيلي الملقّب بأبو عمر الشيشاني، ومصطفى عبدالرحمن أبو علاء العفري، وأياد بشار السامرائي الملقّب بأبو أنس، ويونس سالم حسين الجبوري، الملقّب بأبو حمزة، وأيوب شيحان الشمري، وإبراهيم الطويل المتيوتي، وحسن المصري الملقّب بأبو الحارث (مصري)، وصلاح مصطفى قره باش، وأبو علي الخليلي (فلسطيني)، وفارس يونس الجرجري، وصادق جعفر، الملقّب بصلاح الدين، ونبيل الجبوري الملقّب بأبو سياف، الذي قُتل في عام 2015 بإنزال جوي أميركي في دير الزور. كما قُتل آخرون أقل مكانة منهم داخل التنظيم، ويقدّر عددهم بنحو 60 قيادياً، على درجات متفاوتة بين قيادات عسكرية وميدانية وولاة بلدات ومدن مختلفة.
وحول ذلك يقول ضابط رفيع في ديوان استخبارات وزارة الدفاع العراقية لـ"العربي الجديد"، إن "الحديث يدور الآن حول مدى إمكانية التنظيم استيلاد قيادات جديدة، تكون بوزن تلك التي قُتلت، وما هي احتمالية أن تكمل القيادات الجديدة نظرية الأعنف. فالأعنف دائماً ما يكون قيادي جديد، يكون أكثر دموية من السابق".
ويضيف الضابط أن "مقتل تلك القيادات سيكون له أثر بالغ على عمل التنظيم ونشاطه، واستمرار الضغط عليه، سواء من الولايات المتحدة وحلفائها أو من القوات العراقية المشتركة، سيكون له نتائج كبيرة طيبة، لكن من غير المحتمل تفكّك التنظيم أو انقسامه، فهو قادر على توفير القيادات".
من جانبه يقول الخبير بشؤون الجماعات المسلحة، فؤاد علي، لـ"العربي الجديد"، إن "الشيء الذي لا يفهمه كثر هو اعتقادهم أن مقتل قيادات داعش أو أي تنظيم مشابه له، سيعطي نتائج سريعة أو يؤدي بالضرورة إلى تفكّك وضعف التنظيم".
ويضيف أن "هناك مسألة عقائدية لدى مثل هذا التنظيم هو الطاعة للقائد الذي يأتي مهما كان عمره أو تاريخه، أو حتى الأمر الذي يصدره. ولعلّ أحد أسرار قوة داعش، هو الطاعة العمياء للقادة والانقياد لهم. لكن يبقى السؤال هنا، هو سؤال خبرة القائد الجديد عسكرياً. هل سيتمكن من إصدار قرارات صائبة أم لا لمصلحة التنظيم، بما أن الطاعة الموجودة بكل الأحوال من العناصر الذين يأتمرون له؟".
ويتابع "في كل مرة يكون هناك مؤتمر أو ندوة، نقول أصلحوا الخلل من الأساس، فهناك شعبان يتعرضان لأبشع أنواع الظلم والاضطهاد من قتل وتهجير واعتقال وتجويع وحصار بدوافع طائفية وديكتاتورية واضحة، وبغطاء ديني أيديولوجي كبير من إيران. وهذا ما يغذّي التطرف. بالتالي لن يكون الحلّ عسكرياً فقط، ولن ينجح، إذا لم يكن هناك حلّ سياسي واضح، وتكفّ إيران يدها عن العراق وسورية". ويستدرك الضابط: "في كل الأحوال إن الإرهاب وداعش غطاء ممتاز لإيران لتغليف تدخلها بالمنطقة بشكل عام، لذا هي حريصة على بقاء التنظيم اليوم".