وقال المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، روبرت كولفيل، مساء الثلاثاء، إنه تمّ اتخاذ قرار التأجيل وإعادة فتح عملية التشاور مع كل الأطراف المعنية من المنظمات الكبرى قبل اتخاذ قرار نهائي بشأن موعد انعقاد هذا المؤتمر ومكانه. وأضاف أنه تم اتخاذ القرار على خلفية انزعاج متزايد لدى بعض أجزاء مجتمع المنظمات غير الحكومية بشأن مكان عقد المؤتمر، وأن المفوضية تفهمت ذلك وأحست به.
والمؤتمر كان يحمل عنوان "تعريف وتجريم التعذيب في تشريعات العالم العربي"، وكان مقرراً عقده يومي 4 و5 سبتمبر المقبل في القاهرة، بالتعاون مع "المجلس القومي لحقوق الإنسان" في مصر.
وانتقدت منظمات حقوقية محلية ودولية اختيار القاهرة مكاناً لعقد هذا المؤتمر، مستندةً إلى تقارير عديدة تؤكّد انتهاج الحكومة المصرية التعذيب بحق المعتقلين والمشتبه فيهم، فضلاً عن ارتكابها جرائم أخرى مثل التلفيق والقتل خارج إطار القانون والإخفاء القسري، فرفضت منظمات عدة الدعوة التي وجهت إليها لحضور هذا المؤتمر، مشيرةً إلى أنّ لديها "تحفظات عميقة على قرار عقده في مصر، البلد الذي تستخدم فيه قوات الأمن التعذيب بشكل منهجي".
في السياق، قالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إنّ وزارة الخارجية حاولت على مدار أسبوع منع اتخاذ هذا القرار بالتنسيق مع أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان، ولكن من دون جدوى. وأشارت إلى أنّ الأمر لا يقتصر على موقف بعض المنظمات واتخاذها سبيل المعارضة المنظمة والمقاطعة لحمل المفوضية على اتخاذ قرار التأجيل، موضحةً أنّ خلافات اندلعت في الأيام الأخيرة بين المفوضية والحكومة المصرية بسبب إصرار الأولى على تضمين بعض الملفات ذات الطابع المحلي في المناقشات، وعقد ورش عمل في إطار المؤتمر، ذات صلة بالواقع العملي الذي تعيشه المنظمات الحقوقية في مجال المساعدة القانونية للسجناء والمعتقلين بمصر.
وأشارت إلى أنه ظهرت مشاكل أخرى تتعلّق بدعوة شخصيات بعينها من العالم العربي وأوروبا، بعضها مدرج على قوائم غير المرغوب في دخولهم إلى مصر، والبعض الآخر مصنّف كشخصيات إثارية وغير مرحّب بها لتواصلها مع شخصيات ومنظمات معارضة للحكومة.
وأكّدت المصادر أنه على الرغم من أنّ التأجيل يمنع الإساءة من داخل القاهرة أكثر إلى الملف الحقوقي المصري، إلا أنّه تسبّب في حالة من الغضب لدى السلطات، لأن النظام كان يراهن على قدرته على استغلال عقد هذا المؤتمر بشكل إيجابي لتحسين صورته دولياً في ملف يصعب التعامل معه بإيجابية بسبب السوابق التاريخية البعيدة والقريبة المستهجنة دولياً في هذا الشأن.
وكشفت المصادر أنّ رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي كان يؤجّل حتى الآن إصدار قانون الجمعيات الأهلية الجديد الذي أقره مجلس النواب بسرعة فائقة في نهاية الدورة البرلمانية الفائتة في يوليو/ تموز الماضي، لأسباب عدة، من بينها عدم استباق هذا المؤتمر بالذات بأي إجراءات تمنع عقده في مصر، أو تحوّله بعد انعقاده، لساحة استهجان واسعة لإجراءات تعامل الدولة مع العمل الأهلي والحقوقي، على الرغم من كل ما يحويه القانون من مستجدات تجعله أفضل ولو ظاهرياً، من القانون الحالي الصادر عام 2017.
وتضاعفت الانتقادات الدولية لتعامل الحكومة المصرية مع المعتقلين والسجناء وحالات التعذيب والإهمال الطبي وظروف المعيشة الصعبة داخل السجون، بعد وفاة الرئيس المنتخب المعزول محمد مرسي أمام المحكمة التي كان يحاكم أمامها في يونيو/ حزيران الماضي.
ولطالما انتقدت منظمات حقوقية دولية وإقليمية أوضاع السجون المصرية، على رأسها منظمة "العفو الدولية"، التي أصدرت بيانات عدة ضدّ إجراءات القمع داخل السجون، وحرمان المحبوسين من لقاء ذويهم، وكذلك منظمة "هيومان رايتس ووتش" التي قالت إنّ وفاة مرسي بهذه الصورة كانت متوقعة، نتيجة سوء حالته الصحية والإهمال الطبي المعتاد في السجون المصرية وما تعرّض له من تضييق على مدار 6 سنوات من الحبس الانفرادي، بينما صنفت منظمة "هيومان رايتس مونيتور" السجون المصرية ضمن أسوأ سجون العالم.
كذلك، وجّهت منظمات حقوقية عدة، أبرزها "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" و"كوميتي فور جستس" ومؤسسة "حرية الفكر والتعبير" ومركز "النديم"، مناشدة إلى الصليب الأحمر الدولي والهيئات الأممية المعنية بحقوق الإنسان، للضغط على الحكومة المصرية للسماح للمنظمات الحقوقية المصرية والدولية و"المجلس القومي لحقوق الإنسان" بزيارة السجون، على أن يتم نشر تقريرها حول أوضاع السجون وتوصياتها علانية في وقت لاحق. كما طالبت هذه المنظمات بالسماح لفريق من خبراء مستقلين تابعين للأمم المتحدة، للوقوف على أسباب وفاة مرسي والتحقيق في الأمر، وكذلك محاسبة المسؤولين عن الإهمال الطبي الذي تعرض له، ويهدد حياة غيره من المحبوسين.
وأصدرت منظمة "العفو الدولية" تقريراً في مارس/ آذار الماضي عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ظلّ حكم السيسي، جاء استباقاً للعرض الدوري الشامل لحالة حقوق الإنسان في مصر أمام الأمم المتحدة. وقدّمت المنظمة في تقريرها تقييماً لمدى تنفيذ القاهرة التوصيات التي قدمت إليها في مراجعتها الدورية السابقة، وأكّدت أن مصر قبلت توصية بحماية المحتجزين من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، ورفضت توصية تدعوها إلى السماح بزيارات مستقلة لجميع أماكن الاحتجاز، بما في ذلك المنشآت العسكرية ومنشآت قطاع الأمن الوطني.
وتشير بحوث منظمة "العفو الدولية" إلى أنّ قطاع الأمن الوطني استخدم الاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة بشكل روتيني لانتزاع اعترافات ومعاقبة المعارضين. ورأت أنّ "الذي قدّمته مصر وتزعم فيه السلطات أنها وضعت التوصيات التي قدمت إليها عام 2014 موضع التنفيذ، لا أساس له على الإطلاق، نظراً للتدهور الكبير في وضع حقوق الإنسان منذ الاستعراض السابق".
وفي أغسطس/ آب الحالي، أصدرت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات" (منظمة مجتمع مدني مصرية)، تقريراً بعنوان "كابوس التعذيب في مصر" رصدت فيه استمرار جرائم التعذيب داخل أماكن الاحتجاز بشكل ممنهج، من خلال توثيق حالات على مدار سنتين، والاستعانة ببيانات إحصائية أصدرتها منظمات حقوقية دولية ومحلية عديدة حول حالات التعذيب في مصر في العامين الأخيرين.
وفي عام 2016، وثّقت "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، 830 حالة تعذيب، تضمّنت 159 واقعة في أقسام الشرطة و101 واقعة في مقر جهاز أمن الدولة الذي تديره وزارة الداخلية، إضافة إلى 35 واقعة في معسكرات قوات الأمن، و6 وقائع في المؤسسات العقابية.
وفي يوليو الماضي، طعنت النيابة العامة على حكم البراءة الصادر لصالح القاضيين عاصم عبد الجبار وهشام رؤوف بعد اتهامهما بالعمل السياسي لمشاركتهما في مراجعة مقترح مشروع قانون لمناهضة التعذيب في مصر. ومن المقرر عقد جلسات لنظر الطعن أمام مجلس الصلاحية الاستئنافي، بما يعكس النظرة الرسمية المناهضة لأي مساع لمكافحة التعذيب حتى لو من داخل عباءة الدولة، إذ يتهم الطعن القاضيين بالخروج عن مقتضى الواجب القضائي لحضورهما ندوة لمناقشة قانون مقترح لمكافحة التعذيب كانا قد شاركا في صياغته، بدعوة من الحقوقي نجاد البرعي، في أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني عام 2011.