يزيد تأخر شريحة قرض صندوق النقد الدولي، الذي كان يفترض أن يصل في مايو/ أيار الماضي، من الضغط على رصيد العملة الصعبة في تونس، فيما لا تزال القطاعات المدرّة للنقد الأجنبي تتحسس طريقها نحو التعافي.
وفي نهاية مايو/ أيار الماضي، أعلن البنك المركزي التونسي أن رصيد العملة الصعبة نزل إلى مستوى 74 يوم توريد، ما يبقي الاحتياطي المركزي في دائرة الخطر.
وأكد البنك المركزي في بيان له، تراجع الموجودات الصافية من العملة الأجنبية إلى مستوى 13.9 مليار دينار، أي نحو 4.3 مليارات دولار أو 74 يوم توريد في إبريل/ نيسان 2019، مقابل موجودات لـ84 يوماً في إبريل/ نيسان سنة 2018.
وقال المركزي إن هذا الانخفاض يعزى بالأساس إلى الدفوعات بعنوان خدمة الدين الخارجي، في ظل تأخر بعض السحوبات على التمويلات الخارجية المرتقبة.
وتمثل أقساط الديون المستحقة على تونس مصدر ضغط كبيراً على رصيد العملة، إذ يمثل اليورو نحو 55.6 بالمائة من هيكلة الدين الخارجي، يليه الدولار بنسبة 22.2 بالمائة ثم الين الياباني بنسبة 9.3 بالمائة، والدينار الكويتي بنسبة 3.9 بالمائة، إلى جانب 9 بالمائة لديون عملات مختلفة، وفق بيانات رسمية للبنك المركزي.
وترتفع نسبة الدين العام في تونس إلى 74% بعد أن كانت في حدود 45% عام 2011، فيما بات الاقتراض مصدر قلق لدى التونسيين، وخاصة المعارضة التي تتهم الحكومة بالبحث عن الحلول السهلة عبر الاقتراض.
ويتوقع الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن بقاء احتياطي النقد الأجنبي تحت تأثير خدمة الدين وأقساط القروض الخارجية المتاحة، يرجع إلى ضعف البدائل المدرّة للعملة الصعبة.
وشدّد سعيدان على ضرورة الإسراع بتحريك القطاعات الجالبة للعملة واستعادة أسواق الفوسفات، مشيراً إلى أن الخيارات قد تضيق على تونس في المدة القادمة، بسبب وصول التداين الخارجي مستويات قياسية لا تسمح بمزيد من الاقتراض، أو في أحسن الحالات الحصول على قروض ذات كلفة مرتفعة.
وتنتظر تونس الحصول على الموافقة النهائية من صندوق النقد الدولي، بشأن شريحة قرض بقيمة 247 مليون دولار، كان هذا الأخير قد أعلن موافقته المبدئية بصرفها كدفعة من قرض الصندوق الممدد بنحو 247 مليون دولار أميركي في أعقاب انتهاء المجلس التنفيذي من النظر في المراجعة، الذي يُتوقع حدوثه في يونيو/ حزيران الجاري.
وحسب صندوق النقد الدولي، سيصل مجموع المبالغ المصروفة في ظل "تسهيل الصندوق الممدد" إلى نحو 1.6 مليار دولار، وسيساعد على فتح المجال أمام حصول تونس على التمويل الإضافي من شركاء الصندوق الخارجيين، مشيراً إلى إمكانية إجراء المراجعة السادسة خلال الربع الثالث من عام 2019.
وتعاني تونس التي تفاقمت فاتورة وارداتها من الطاقة والغذاء، من توسع العجز التجاري ونقص في إيرادات التصدير، بالرغم من سعي المركزي فرض سياسة تقشفية على الموردين، وزيادة الإدارات على بعض الموادّ القادمة من الأسواق التي ازداد عجزها التجاري مع تونس بشكل لافت في السنوات الماضية، ولا سيما الصين وتركيا.
وتحتاج تونس إلى تأمين الواردات الأساسية من الطاقة والغذاء والدواء، إلى رصيد عملة لا يقل عن 90 يوم توريد، فيما يبقيها النزول دون هذه المستويات في منطقة الخطر، ويوسع حاجتها إلى التداين الخارجي بهدف تعزيز رصيد العملة.
وتسعى تونس هذا العام، رغم ضغوط المالية العمومية، إلى حصر عجز الموازنة عند حدود 3.9 بالمائة من الإجمالي المحلي وفق اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، وذلك لاحتواء مستويات الدين المرتفعة وزيادة الحاجات التمويلية.
وفي بيان أصدره عقب مهمة المراجعة الخامسة التي جرت في مارس/ آذار الماضي، قال صندوق النقد الدولي إن الحكومة مطالبة حالياً بالالتزام بالحفاظ على نسبة عجز الموازنة عند الحدود المتفق عليها، إلى جانب تقوية شبكة الأمان الاجتماعي للأسر المنخفضة الدخل، بغية المساعدة في حمايتها من التأثير المحتمل للإصلاحات الاقتصادية المستوجبة.
وأثناء زيارة وفد صندوق النقد الدولي لتونس الأخيرة، رفعت الحكومة أسعار المحروقات للمرة الخامسة منذ سنة 2018، ما تسبب في موجة من الاحتجاجات الرافضة لهذه الزيادة وسط تفاقم الأوضاع المعيشية للمواطنين.
ومن جانبه، أكد الخبير المالي محمد الجراية، لـ"العربي الجديد" أن اكبر التحديات التي تواجهها تونس هذا العام هي تلك المتعلقة بإيجاد موارد جديدة لتغطية عجز الموازنة دون اللجوء إلى مزيد من القروض، واصفا هذه المهمة بالصعبة.
وقال الجراية إن تونس مطالبة هذا العام مع حلول مواعيد أقساط ديون حصلت عليها سابقا بسداد 2.1 مليار دينار من الديون بحسب ماهو مرسم في قانون المالية (الموازنة) منها 6 مليارات دينار فوائد دون احتساب اصل الدين.
وفي مايو/ آيار الماضي عارض البرلمان خروج الحكومة للسوق المالية الاقتراض 800 مليون دولار قبل أن تعيد الحكومة طلب السماح لها مجددا الاقتراض وتحظى بالموافقة البرلمانية في نهاية المطاف.
وعدديا تملك الحكومة أغلبية الأصوات في لجنة المالية، ما سهل حصولها على مصادقة اللجنة على طلب طرح السندات في السوق المالية. وتمارس المعارضة ضغوطها على الحكومة في إطار الحسابات السياسية والرغبة في كسب نقاط على حساب الحكومة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمتين.
وستسمح الموافقة البرلمانية للحكومة بالخروج إلى السوق المالية الدولية للبحث عن عن القروض المطلوبة في الأشهر القادمة وسط توقعات بألا تقل نسبة الفائدة عن 6.5 بالمائة.
وقبل خروجها على السوق الدولية تحتاج الحكومة إلى تأمين عملية طرح السندات وطمأنة المانحين من أجل الحصول على نسبة فائدة معقولة، وخاصة أن معدل نسبة فائدة القروض التي حصلت عليها تونس من السوق المالية في السنتين الأخيرتين تراوحت بين 5 و6.75 في المائة، وهي نسبة مرتفعة، بحسب خبراء الاقتصاد.
ويواجه الاقتصاد التونسي العديد من المصاعب أدى إلى تراجع معدلات النمو. وقال المعهد الوطني للإحصاء، منتصف الشهر الماضي، إن نمو اقتصاد تونس تباطأ إلى 1.1 بالمئة على أساس سنوي في الربع الأول من 2019، في الوقت الذي تراجعت فيه الأنشطة الزراعية. يأتي ذلك مقارنة مع نمو بنسبة 2.7 بالمئة في الربع الأول من العام الماضي و2.1 بالمئة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2018.