أكدت مصادر متطابقة في الموصل، لـ"العربي الجديد"، صحة التسجيل المصور الذي نُشر أمس، السبت، لزعيم تنظيم "الدولة الاسلامية بالعراق والشام" (داعش)، أبو بكر البغدادي، الذي ظهر من جامع النوري الكبير وسط المدينة يلقي خطبة الجمعة أمام العشرات من المواطنين يوم الجمعة.
وقال عضو في مجلس علماء الموصل، فضّل عدم الكشف عن اسمه، إن "البغدادي وصل إلى الموصل قادماً من دير الزور برفقة قيادات بارزة بتنظيم "داعش"، وألقى خطبة الجمعة التي اعتبرت خطبة الخلافة، بحسب ما سُرّب من مقربين منه".
وأوضح المصدر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "البغدادي اختار جامع النوري أكبر وأقدم جوامع الموصل لإلقاء خطبته".
وأشار إلى أنه "سبق عملية وصوله انتشار مقاتلين يرتدون الملابس السوداء وبسيارات رباعية الدفع، تحمل لوحات تسجيل وسم عليها الرقم وعبارة دولة الاسلام بالعراق والشام".
كما أوضح أن "مضادات أرضية انتشرت في المنطقة تحسّباً من شن غارات جوية على الجامع خلال إلقاء خطبة الجمعة".
ولفت إلى أن مرافقي البغدادي فتّشوا المسجد ومحيطه قبل وصوله مع فريق تصوير متكامل من سورية لتصوير الخطبة.
وكشف المصدر، لـ"العربي الجديد"، أن مرافقي البغدادي طلبوا بشكل ودّي من خطيب المسجد الأصلي السماح للبغدادي بارتقاء المنبر لهذا الأسبوع فقط.
ووفقاً للمصدر، لم يعرف المصلون أن الخطيب هو البغدادي إلا من خلال حديثه منتصف الخطبة وقوله: "وُلّيتُ عليكم ولست بخيركم، إذ كانوا يعتقدون أنه أحد القادة الميدانيين في تنظيم داعش".
من جهته، قال أحد الزعماء القبليين في مدينة الموصل، الشيخ عبد المجيد الحمداني، خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن البغدادي اختار الموصل لأسباب عدة أهمها دحض ادعاءات الحكومة العراقية بأنه أصيب في غارة غرب العراق في مدينة القائم وهرب إلى سورية.
وجاء اختياره للموصل أيضاً باعتبارها ثاني أكبر مدن البلاد، وتحمل رمزية سياسية ودينية للعراقيين، ولا سيما أن الجامع الذي تمت فيه الخطبة شهد على مرّ القرن الماضي نقاط تحوّل في العراق عديدة، من بينها ثورة مايو/ أيار 1941 وثورة الشواف، 1959، فضلاً عن ثورة 1921 ضد الاحتلال البريطاني.
وأوضح الحمداني أن البغدادي غادر المدينة بعد ساعات من الخطبة، إذ التقى بقيادات ومقاتلين تابعين لتنظيم "داعش". وأشار إلى أنه لا يُعْلَم مكان توجهه، لكنه منح عفواً عن جميع عناصر الشرطة العراقية من أهل السنّة بعد إعلان توبتهم وتعهدهم بعدم العودة إلى العمل مجدداً مع قوات جيش رئيس الوزراء المنتهية ولايته، نوري المالكي.
كما أمر بعدم إجبار أي من الفصائل الأخرى على بيعة التنظيم ومحاولة التنسيق معهم من أجل اسقاط حكومة المالكي، واتهم الحمداني البغدادي بـ"سرقة الثورة العراقية" على غرار ما فعله في سورية.
وقال الحمداني: "نحن نستغرب تلك الخطوات". وتساءل: "أين كان "داعش" عندما ثارت العشائر ضد المالكي، هل يمتلك "داعش" القوة للسيطرة على ثلثي العراق في أيام معدودة؟". وأضاف: "لماذا ظهر فقط عندما ثرنا؟ هل هي مصادرة أو سرقة لجهود ودماء أريقت من أجل كرامتنا وإنهاء الظلم الواقع علينا؟".
ورأى أن كلام البغدادي اليوم يختزل ما جرى في العراق بفصيله، مضيفاً: "هذا كذب وجب أن يتراجع عنه، وعلى العالم عدم الوقوع في الفخ مرة أخرى، وأن يعتبر خطبة وخلافة البغدادي بمعزل عن موقف العشائر والفصائل الوطنية".
من جهته، اعتبر القيادي في تحالف "متحدون" الممثل عن العرب السنّة في العراق، خالد العلواني، أن خطبة البغدادي فرصة لإيران والمالكي والرئيس السوري، بشار الأسد، ليظهروا بموقف المدافع عن السلام والحامي من الإرهاب.
وقال العلواني، لـ"العربي الجديد"، إن البغدادي ظهر بتوقيت حساس ومفيد للمالكي الذي يحاول دمج الجميع في خانة الإرهاب، والحقيقة غير ذلك.
وأضاف: "هناك مَن مَسّهم الظلم وخرجوا مسلحين بعد يأسهم من المطالبات السلمية التي استمرت عاماً كاملاً".