زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار، أحد الأحزاب المناوئة للوجود الأجنبي في أفغانستان، وهو ينعى الملا منصور، قال إن الأخير قُتل نتيجة التعاون الإيراني ـ الأميركي، وإن الاستخبارات الإيرانية هي التي ساعدت أميركا في الوصول إليه لقتله. وأضاف أنّ الهدف من قتله، في الوقت الراهن، هو العبث بعملية السلام، إذ إنّه كان من المتوقع استئناف الاجتماعات الرباعية (الولايات المتحدة، والصين، وباكستان، وأفغانستان) في المصالحة الأفغانية، والتي كان منصور أحد المشاركين فيها.
بدوره، أكد مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للشؤون الخارجية سرتاج عزيز، في تصريحات صحافية، الخميس الماضي، أنّ مقتل الملا منصور ضربة قوية للمصالحة الأفغانية، متوقعاً عدم استئناف الحوار الأفغاني في الوقت القريب. وشدد على أن مقتل منصور مخالف تماماً للآلية التي وضعت خلال الاجتماعات الرباعية بين أميركا، وأفغانستان، وباكستان، والصين بشأن المصالحة الأفغانية. في المقابل، ترى الرئاسة الأفغانية، وهو ما أعلن عنه البيت الأبيض، أنّ زعيم "طالبان" قُتل لأجل المصالحة الأفغانية، إذ كان منصور "عثرة في سبيل الحوار الهادف لحلحلة الأزمة الأفغانية"، وأن قتل الرجل سيساعد الحوار الأفغاني.
فيما يرى السفير الأميركي السابق لدى كابول، زلماي خليل زاد أن مقتل منصور بداية تغيير جذري في سياسة الولايات المتحدة إزاء "طالبان" وباكستان، وأنها البداية التي ستتبعها خطوات مهمة أخرى ضد قيادات "طالبان" المتواجدين في باكستان. كما اعتبر هذا الدبلوماسي الأميركي من أصل أفغاني، مقتل منصور وسيلة لزيادة الضغط على باكستان، منوّهاً إلى أنّ أميركا ستستهدف، مستقبلاً، كل من ينشط ضدها في أفغانستان، مشيراً إلى قيادات "طالبان" في باكستان، وبالتحديد في إقليم بلوشستان.
وفي ما يتعلق بشكوى باكستان حول الغارة الأميركية التي انتهكت سيادتها بمقتل الملا منصور، يقول خليل زاد إن "إسلام أباد لا يحق لها التعليق بعد مقتل منصور في باكستان، باعتبار أنّها لطالما ادعت أنها لا تؤوي قيادات طالبان". كما يدعو إلى ممارسة مزيد من الضغوط على باكستان في جميع النواحي، لا سيما في ما يتعلق بالتعاون العسكري الأميركي.
لكن ثمة رؤية ثالثة تقول إن أميركا قتلت منصور خلافاً لرغبة باكستان لكن ليس لمساندة عملية المصالحة، بل لإيصال مجموعة من القياديين داخل "الحركة" هم على صلة بالحكومة الأفغانية وأميركا، إلى زعامة "طالبان". في هذا الصدد، تقول صحيفة "سرخط" المحلية الأفغانية في عددها، أمس الأول الجمعة، إن أميركا أخْلت بقتل منصور الطريقَ أمام هؤلاء القادة، وإن واشنطن وكابول تعملان لإيصال المنسقين معهما من قيادات "طالبان" إلى زعامة "الحركة"، ومن ثم القضاء على نفوذ باكستان عليها (الحركة). ووفق هذه الرؤية، فإن قياديين من داخل الحركة ساعدوا أميركا في الوصول إلى منصور من خلال توفير معلومات استخباراتية، بحسب مراقبين.
ومن بين الروايات بشأن مقتل منصور، يشير مراقبون إلى أن التقارب بين روسيا و"طالبان" هو أحد الأسباب التي من أجلها أقدمت أميركا على قتل منصور في الوقت الحالي، إذ إنه قتل أثناء عودته من إيران بعد لقائه هناك بوفد روسي رفيع المستوى. وليست المرة الأولى التي يقوم فيها زعيم "طالبان" الراحل الملا منصور بزيارة طهران، وفق الوثائق المسربة، بل فعل ذلك مرتين منذ بداية العام الحالي. واجتمع خلال الزيارتين بوفود روسية وقيادات "طالبان" الذين هربوا من باكستان إثر الضغوط المتزايدة، ومسؤولين إيرانيين. ثمة من يدعي أن أسرة منصور هي أيضاً في إيران، وكان تفقُّد أحوالها إحدى مهام زيارة منصور إلى إيران.
كما أنّ هناك أسئلة كثيرة وغموضا كبيرا حول الوثائق المسربة المتعلقة بمنصور، ومنها بطاقة الهوية وجواز سفر الباكستانيين، وصور التقطها منصور بجواله لدى سفراته من مطار كراتشي إلى دول عربية. ويتساءل كثيرون عن إمكانية وكيفية تسريب تلك الوثائق في حين تفحّم جثمان منصور ومرافقه داخل السيارة التي استهدفتها الغارة الأميركية. ويرى مراقبون أن عملية اغتيال منصور جرت برضى باكستان، وأن السلطات الباكستانية هي التي أخرجت إلى العلن كل تلك الوثائق بعدما ساعدت الولايات المتحدة. ويعيد هؤلاء السبب إلى أنّ إسلام آباد كانت تخشى أن يخرج منصور من قبضتها بعدما بدأت طهران تحتضنه، لكنها في العلن أدانت وشجبت عملية القتل لإرضاء قيادات "طالبان". لذا فإن عدداً كبيراً من قيادات "الحركة"، وفقاً لهؤلاء المراقبين، اختفوا من مدينة كويتا الباكستانية مع أسرهم فور مقتل منصور، ولم يشاركوا في الاجتماعات التي جرت لتعيين خليفة الملا منصور، زعيم "طالبان" الجديد، الملا هيبة الله أخوند زاده.
ويشير المراقبون أنفسهم إلى أنّه على الرغم من أنّ الزعيم الجديد ليس من المعارضين لعملية الحوار، ولطالما فضّل اللجوء إلى الخيار السلمي لحل المعضلة الأفغانية، لكن في الوقت الراهن وبسبب الغضب الذي يسود أوساط القادة الميدانيين في "طالبان" من الصعب أن يقبل الملا أخوند زاده بالعودة إلى عملية السلام مع الحكومة الأفغانية، في ظلّ معارضة بعض القادة. وهذا يعني، وفقاً للمراقبين، أن أي قرار بهذا الشأن سيؤدي إلى تصدع داخلي أكبر، وهو ما سيتجنبه زعيم "طالبان" الجديد.
بالتالي، يتوقع محللون سياسيون أنّ يكون الطريق الوحيد نحو التوحد والتماسك بين أطياف "الحركة" هو الاحتكام إلى السلاح والانتقام لمقتل الملا منصور، وإلّا فسيواجه الملا أخوند زاده تحديات داخلية أكبر من التي واجهها منصور. وعلى الرغم من الإجماع على أنّ شخصية الزعيم الجديد ستؤدي إلى لمّ شمل "الحركة" وتوحيد كلمتها، تشير التقارير من داخل "الحركة" إلى وقوع خلافات بعد تعيينه. الغريب والمثير لقلق كل مَن له علاقات بـ"طالبان"، وفقاً لهؤلاء المحللين، هو أن قادة بارزين من أنصار الملا منصور بدأوا بمعارضة الرجل الجديد الذي كان يُسمع كلامه في جميع الأمور. ويستدل هؤلاء بأنهم لم يدعوا إلى المشاورات التي جرت بهذا الخصوص، بل ثمة من يدّعي أن زعيم شبكة حقاني، نائب أخوند زاده الأول، سراج الدين حقاني نفسه بدأ يعارض الزعيم الحالي.
أما الجماعات المنشقّة التي كان من المتوقع أن تعود إلى "الحركة" من جديد بعد تولي أخوند زاده الزعامة، فلمّحت بدورها إلى أنها لا تريد العودة وتعارض الزعيم الجديد. وأكد القيادي البارز في الجماعة المنشقة تحت زعامة الملا رسول، والمسماة "شورى الإمارة الإسلامية"، الملا منان نيازي، أن الجماعة لن تقبل زعامة أخوند زاده، وليس السبب شخصيته بل لأن الأسلوب الذي تم من خلاله تعيينه لم نتّفق معه. ويقول نيازي لـ"العربي الجديد" إن المشكلة الرئيسية تكمن في الانتخابات، "نريد أن يتم تعيين زعيم طالبان عن طريق جمع أهل الحل والعقد وفق دستور الحركة، وليس عن طريق جمع بعض القادة، كما حدث. سنعيّن لطالبان زعيماً جديداً في الوقت القريب المناسب".
من هنا، يرى كثيرون أن رجوع "طالبان" إلى الحوار سيزيد من هذه الانشقاقات، وأن الطريق الوحيد للحد منها هو الاحتكام إلى السلاح، وارتفاع وتيرة الهجمات ضد الحكومة الأفغانية والقوات الدولية، ما سيشغل القادة الميدانيين في "الحركة" بالحرب بدلا من التصدعات الداخلية، وهو ما فعله زعيم "طالبان" الراحل الملا منصور، ونجح في ذلك حتماً. بالتالي، فإن عملية السلام الأفغانية أمامها طريق معقّد، ولعل باكستان أدركت ذلك، إذ أكد مستشار رئيس الوزراء للشؤون الخارجية سرتاج عزيز إن "مستقبل عملية السلام مرهون بالحالة الداخلية في أفغانستان، ومقتل منصور ضربة قوية لجهود السلام الأخيرة".