تبعية مصر للسعودية وللإمارات بحصار قطر: تهديد لمصالح القاهرة؟

06 يونيو 2018
بدت مصر ـ السيسي وكأنها تابعة للسعودية والإمارات(بندر القلعود/الأناضول)
+ الخط -
بعد عام من اشتراك مصر في حصار قطر مع السعودية والإمارات والبحرين، بدت خطوات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقد عادت على القاهرة بمزيد من الأعباء السياسية والاقتصادية من دون تحقيق أي فوائد إيجابية، بل إن المخاوف اجتاحت الدوائر الاستثمارية والتجارية تحديداً من استمرار القطيعة مع الدوحة تحسباً لتكبد مزيد من الخسائر والفرص الضائعة. وبالتوازي مع فداحة الخسائر الاقتصادية، كرّست المقاطعة واقع مصر المضمحل في محيطها العربي واتساع الفجوة بينها وبين العرب، وتحولها إلى دولة تابعة للسعودية والإمارات دون أن تعوضها أي من الدولتين عما تكبدته من خسائر مالية أو أدبية، بل وعدم تعامل الدول الكبرى مع نظام السيسي كعنصر فاعل في هذه الأزمة، شأنها شأن باقي الأزمات الإقليمية التي تعامل معها بمنطق "صفري" محاولاً إرضاء جميع القوى الكبرى المتصارعة، طمعاً في مزيد من الدعم المالي والسياسي لنظامه.

فعلى مدار العام المنصرم بذل نظام السيسي جهوداً كبيرة في سبيل استمرار التصعيد ضد قطر، خصوصاً على المستوى القانوني، تارة باستصدار أحكام قضائية اتهمت مسؤولين قطريين بالسعي لاختلاس وإخفاء وثائق سرية متعلقة بالأمن القومي المصري (في القضية المعروفة إعلامياً بالتخابر مع قطر والمدان فيها الرئيس المعزول محمد مرسي)، وتارة بالتضييق على المصالح الاقتصادية القطرية باستصدار أحكام بتغريم شبكة "بي إن سبورتس". بالاضافة إلى إعداد النائب العام المصري ملفاً عن المتهمين الهاربين المتواجدين حالياً أو الذين تواجدوا سابقاً في قطر، بعد أحداث 30 يونيو/ حزيران 2013، من واقع حيثيات الأحكام وقرارات الإحالة الصادرة بحقهم، على أن ترفق بهذا الملف الإجراءات المتخذة في بعض الدعاوى والبلاغات التي قدمت له أو أقيمت في محكمة الأمور المستعجلة لاعتبار قطر دولة داعمة للإرهاب، بالتوازي مع تكثيف مخاطبة الإنتربول لتسجيل بعض المتهمين المقيمين في قطر على النشرة الحمراء الخاصة بترقب الوصول والاعتقال في مختلف دول العالم.

وحاولت مصر من تلك الجهود نسج رواية قانونية موثقة يمكن من خلالها اتهام حكومة قطر بالضلوع في تمويل العمليات الإرهابية على أراضيها، على الرغم من ضعف الأدلة الواردة في تلك القضية وغياب القرائن على وجود صلة بين الوقائع الفعلية التي حدثت وبين ما تزعم السلطات المصرية أنها عمليات تمويل واسعة النطاق تمتد بين قطر وتركيا ومصر لخلايا غير مركزية تابعة لجماعة الإخوان في 9 محافظات، أبرزها القاهرة والجيزة والإسكندرية.

إلّا أن الواقع أثبت أن محاولة مصر الضغط على قطر دولياً على المستويين القانوني والسياسي باستخدام التحقيقات والأحكام القضائية، لم تثمر شيئاً، لأسباب عدة، أبرزها أن سمعة القضاء المصري دولياً ليست جيدة بسبب استخدامه بواسطة النظام للتنكيل بالمعارضين من الإسلاميين واليساريين والحقوقيين وإصداره قرارات غير قانونية للتغطية على الانتهاكات الأمنية، فليست صدفة أن جميع من تصدر ضدهم أحكام حتى في القضايا الجنائية البعيدة عن أحداث العنف والتظاهر يكونون من معارضي النظام، إلى جانب القرارات التأديبية التي اتخذها القضاء بحق القضاة المعارضين للإطاحة بحكم جماعة الإخوان، بينما تم الإبقاء على زملائهم الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بعزل مرسي.

كما أن الاتهامات المنسوبة لقطر، وعلى رأسها قضية التخابر الشهيرة المدان فيها مرسي، خالية من التفاصيل "المحبوكة" والحاسمة التي تثبت ضلوع مرسي وأي من موظفيه أو حتى بقية المتهمين في التواصل مع قطر بهدف تسريب الوثائق لها. كما تخلو الأوراق من أي دليل على إعطاء قطر أي منح مالية لمرسي كرئيس جمهورية، نظير تشكيل جماعة إرهابية مزعومة، وهي العيوب نفسها الموجودة في قضايا أخرى ما زالت منظورة وتقتصر الدلائل فيها على الرواية الأمنية المحررة مكتبياً، كقضيتي التخابر مع حماس واقتحام السجون.

واللافت أن الخطوات التصعيدية كانت تعقب دائماً جلسات تنسيقية بين السيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد. وتؤكد المصادر الدبلوماسية المصرية أن "الأخير يخشى تدخل واشنطن للضغط على الدول الخليجية لإغلاق هذا الملف، وتجاوز صفحة الماضي، تحديداً بعد الاستقبال الحافل لأمير قطر تميم بن حمد في واشنطن وإشادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب به، لا سيما بعد الإجراءات القانونية التي اتخذتها قطر بإدراج بعض الكيانات والشخصيات على قائمة الإرهاب الخاصة بها، وتأكيدها على ثبات موقفها المناهض للإرهاب".

ويعود قلق بن زايد إلى أن تؤدي هذه الضغوط لتغير موقف الرياض من الأزمة، على وقع ارتفاع وتيرة التنسيق بين الإدارة الأميركية وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الأمر الذي يدفعه لتجديد النقاش مع السيسي حول سبل التصعيد وقطع سبل المصالحة، أو حتى العودة لأجواء ما قبل الحصار، وكذلك استمرار الهجوم الإعلامي الممنهج على قطر، خصوصاً من وسائل الإعلام المصرية باعتبارها أكثر شيوعاً على الصعيد الإقليمي من نظيرتها الإماراتية، مع نجاحهما من قبل في عرقلة الأفكار الكويتية التي كانت تسعى للتقريب بين أطراف الأزمة.



وعلى الصعيد التجاري، مثّلت المقاطعة التجارية وصولاً لصدور القرار الأخير من الحكومة القطرية بحظر عرض سلع دول الحصار، ضربة موجعة للمصدرين المصريين في مجالات الزراعة والإنتاج الحيواني تحديداً. فبحسب بيانات وزارة التجارة والصناعة المصرية، كانت مصر قد صدّرت إلى قطر حتى عشية الحصار منتجات بقيمة 282 مليون دولار سنوياً، من إجمالي حجم التجارة البينية البالغ 325 مليون دولار، بل إن الصادرات المصرية لقطر في الربع الأول من عام 2017 سجلت 118 مليون دولار.

وفي المقابل، وإن كانت الصادرات القطرية لمصر ضئيلة ولم تزد في أفضل أحوالها عن 43 مليون دولار سنوياً، إلا أن قطر كانت وما زالت تحتل المركز التاسع بين الدول المستثمرة في مصر، بإجمالي استثمارات يتخطى 18 مليار جنيه (1.1 مليار دولار)، حسب إحصائيات 2015، موزعة على أنشطة متنوعة، أبرزها المقاولات والصناعات البترولية والصناعات الثقيلة.

وخلال عام من الحصار، جنت مصر، مع سوء إدارة السيسي للأزمة، تجميداً للاستثمارات القطرية الواعدة الممثلة في أكثر من 200 شركة، ولم تفلح محاولات وزيرة الاستثمار سحر نصر وغيرها من المسؤولين في إقناع المستثمرين القطريين بالاستمرار في ضخّ الأموال للسوق المصرية، رغم تعدد التصريحات المتعهدة بحماية الاستثمارات، ومحاولة الفصل بين الأزمة السياسية والتعاون الاقتصادي.

ودخلت وزارة الاستثمار منذ ذلك الحين مفاوضات مأزومة مع شركة "الديار" القطرية العملاقة للاستثمار العقاري المملوكة لجهاز قطر للاستثمار، والتي كانت قد حصلت منذ العقد الماضي على أراض بإجمالي مساحة 40 مليون متر مربع في القاهرة والقاهرة الجديدة والبحر الأحمر، لمحاولة إتمام تخارجها من السوق المصرية، أو إتمام المشاريع التي تعهدت بها، إذ إن الحكومة قد هددتها سلفاً قبل الحصار بسحب الأراضي بسبب عدم الالتزام بالجداول الزمنية، في مشروعي "نايل كورنيش" ومنتجع بشرم الشيخ بقيمة إجمالية للمشروعين بلغت 520 مليون دولار.

إلا أن الحصار وما صاحبه من إجراءات تضييق على المسافرين بين البلدين والتحويلات المصرفية وغيرها، دفعت إلى مطالبة الشركة القطرية باللجوء إلى التحكيم الدولي لفض التنازع مع الحكومة المصرية، ما أدى عملياً إلى تجميد الموقف المتعثر بين الطرفين. فمن جهة لم تعد مصر قادرة على سحب الأراضي، لأن سحبها في الظروف السياسية الحالية سيؤدي حتماً إلى خسارتها أي دعوى تحكيمية وستترتب على ذلك خسائر فادحة للاقتصاد المصري، في المقابل أصبحت الشركة في موقف أقوى ولم تعد مضطرة للالتزام بالجداول الزمنية المحددة سلفاً.



وتكشف الأرقام الرسمية من تقارير البنك المركزي المصري وهيئة الاستثمار عدم صحة الادعاءات التي تروج في وسائل الإعلام المصرية عن ارتباط ازدهار الاستثمار القطري في مصر بفترة حكم جماعة الإخوان المسلمين، ففي العام المالي 2015 - 2016 (العام الثاني من حكم السيسي)، كانت قطر تحتل المركز الثاني للاستثمارات الجديدة في مصر بواقع 104 ملايين دولار في الربع الثاني من ذلك العام، مقابل 33.3 مليون دولار في الربع الأول، بزيادة قدرها 215 في المائة.

الخسائر المصرية المباشرة بعدم تطوير هذه الاستثمارات وتجميدها وفقدان بعضها، يتكامل مع خسائر أخرى تتمثل في الحركة المالية الناشئة عن وجود 350 ألف مصري يعملون في قطر، على مستوى حجم التحويلات السنوية ورحلات الطيران المباشرة وإيجاد سوق للعمالة الماهرة يخفف عن الدولة المصرية بعض الأعباء الخدمية والمرفقية فضلاً عن استيعاب مئات الموظفين الحكوميين والقضاة والخبراء الفنيين المعارين.

ففي عام 2016 بلغت تحويلات المصريين العاملين في قطر إلى المصارف أو السوق المحلية حوالي مليار دولار، كانت تحتل المرتبة الرابعة بعد تحويلات المصريين في السعودية والكويت والإمارات، كما كانت تأتي في المركز الأول من ناحية متوسط قيمة التحويلات نظراً لارتفاع مستوى العاملين المصريين في قطر وزيادة الرواتب هناك، وذلك بمتوسط 463 دولاراً شهرياً للعامل الواحد.

ورغم عدم وجود قيود على التحويلات المصرفية، إلا أن فئات واسعة من العاملين المصريين بقطر أصبحوا يفضلون تأجيل إرسال التحويلات أو استخدام البنوك القطرية في توفير أموالهم، تخوفاً من تطورات الأزمة السياسية بين البلدين، فضلاً عن تكبد الطيران الحكومي المصري خسائر فادحة نتيجة إلغاء الرحلات من وإلى الدوحة التي كانت تقل على مدار العام السواد الأعظم من العاملين المصريين.

وتتخوف الحكومة المصرية من اتخاذ قطر رد فعل قاس على استمرار مقاطعة مصر بترحيل العاملين المصريين أو عدم جلب المزيد منهم خلال السنوات المقبلة، الأمر الذي سيؤثر سلباً على استقرار الأوضاع الاجتماعية لمئات الآلاف من الأسر وسيحرم مصر من مئات ملايين الدولارات من التحويلات النقدية، ما دعا الحكومة أخيراً لتدشين حملة توعية للعاملين المصريين بقطر لضمان عدم وقوعهم في أي مخالفات قد تؤدي لإبعادهم.
وتضاءل بشكل لافت حجم السياحة القطرية لمصر هذا العام، وساهم في ذلك القرار الذي أصدره وزير الداخلية المصري مجدي عبدالغفار في نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي بإلغاء قرار وزاري يعود إلى عام 1960 بإعفاء رعايا دولة قطر الراغبين في الدخول إلى مصر من الحصول على التأشيرة، والسماح لهم بالدخول إلى البلاد دون الحصول عليها بشرط حملهم جوازات سفر صالحة، وأن تطبق على المواطنين القطريين الراغبين في الدخول لمصر رسوم تأشيرة الدخول المطبقة على الأجانب بموجب القرار الوزاري 344 لسنة 2017 وهي بواقع 400 جنيه (22 دولاراً) لسفرة واحدة، و500 جنيه (28 دولاراً) لسفرات عدة عند وصولهم لمنافذ البلاد.