بعيد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وجّهت أصابع الاتهام إلى الجهاز الأمني التونسي في قضايا تخص إطلاق الرصاص ضد المواطنين العزّل. وحين وجد هذا الجهاز نفسه محلّ تهمة بخصوص خدمته للنظام القمعي لزين العابدين بن علي، قام رجال الأمن بتنظيم مسيرات اعتذار قدموا من خلالها وعودًا بتحويل الجهاز القمعي إلى جهاز أمن جمهوري.
لكن، ورغم احتفال التونسيين في هذه الفترة بالعيد الخامس للثورة، فإن مسألة تعامل رجل الأمن مع المواطن بقيت محل تساؤل وجدل قانوني وإجرائي. فبعد خمس سنوات من الوعود بالعمل على تأسيس علاقة مع المواطن تقوم على التأمين لا الترهيب، لا زالت قضايا الاعتداء المجاني على التونسيين من طرف رجال الأمن تثير قلق حقوقيين ومتابعين للشأن التونسي. وبحسب تقارير حقوقيّة، فإنّ الأمن هو أكبر المنتهكين والمعتدين على الصحافيين التونسيين. وأمام خوف الضحايا من تمييع قضاياهم أو التلاعب بمجريات التحقيق فيها من طرف زملاء المعتدين، يفضّل أغلبهم الالتجاء إلى موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" للحديث بحرية عن معاناتهم وطلب المساعدة والدعم.
حالات متكررة وبطء قضائي
نشر الصحافي الشاب نضال الصيد نهاية الأسبوع الماضي على موقع "فيسبوك" تدوينة كشف من خلالها الاعتداء اللفظي والجسدي الذي تعرض له من طرف رجال أمن أثناء مروره قرب مقر وزارة الداخلية. وبسرعة قياسيّة تفاعل مدونون وناشطون على "فيسبوك" بإدانة هذا التصرف، مذكّرين بضرورة التزام رجال الأمن بحماية المواطنين واحترام حقهم في التجول بدون مضايقات.
اتّصلت صحيفة "العربي الجديد" بنضال الصيد، الذي أكد قيام عدد من الأمنيين باعتراض سبيله متهمين إياه بالسكر، ليوجهوا له إثر ذلك جملة من الشتائم قبل أن ينهالوا عليه بالصفع والركل. وقال الصيد إنه لم يكن بحالة سكر حين تم الاعتداء عليه غير أن رجال الأمن لم يستسيغوا قيامه بالرد على أسئلتهم بثقة وشجاعة، الأمر الذي رأوا فيه استفزازا لهم. وقد قامت المصالح المختصة بالتفاعل مع تدوينته، فتم استدعاؤه بوزارة الداخلية ووعده مسؤولون أمنيون هناك بمعاقبة المتورطين كما طلبوا منه تحرير شكوى في الغرض لدى وزير الداخلية ووكيل الجمهورية.
حول تساؤل "العربي الجديد" عن مدى جدوى استعمال مواقع الإنترنت للتشهير بالمعتدين من رجال الأمن، أجاب نضال بأنه كان قد تعرّض منذ شهر لاعتداء مماثل من طرف أمنيين وقد وقدّم شكوى لدى القضاء ولكن لم يتم النظر فيها إلى حد اللحظة. فـ"فيسبوك"، بحسب رأي الصحافي الشاب، هو وسيلة آمنة تمكّنه من تجنب اعتداءات مماثلة في المستقبل وتوصل صوته إلى السلط المختصة نظرا لتفاعل الناشطين السريع على هذا الموقع مع حوادث مماثلة.
على "فيسبوك" أيضًا، نشر الشاب التونسي طه ساسي، بلاغًا طالب فيه الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب بالتدخل العاجل لإنصافه على خلفية "اعتداء بالعنف الشديد وتلفيق تهم كيدية من طرف أعوان أمن في حقه وحق زوجته" أواخر الأسبوع الماضي. وجاء في تدوينة طه ساسي أنّ "دورية أمنية قامت بإيقاف سيارة أجرة كانا يستقلانها ليطالبوهما إثر ذلك بإبراز وثيقة تثبت زواجهما قبل أن يقوموا باستدراجهما نحو السيارة الأمنية واعتدوا عليهما بالعنف الشديد. وإثر اصطحابهما لمركز الأمن أثناء إصرار المتضررين على تقديم شكوى، قام رئيس المركز بمحاولة منعهما مهددًا إياهما بتطور الأمور ضدّهما نحو الأسوأ". وأضاف المتضرر أيضًا أنه "اضطر إلى نقل زوجته إلى المستشفى للعلاج ثم تم اقتيادهما إلى المحكمة التي أمرت بإطلاق سراحهما".
ولا يعتبر الاعتداء بالعنف اللفظي والجسدي المشكل الوحيد الذي يواجهه التونسيون مع بعض رجال الأمن. فمضايقة بعض الأمنيين للتونسيين من أجل الحصول على رشى مالية أصبح أمرًا مزعجًا دفع بعضهم للالتجاء إلى موقع "فيسبوك" أيضًا لكشفه والتشهير به.
اقرأ أيضاً: حزن على وفاة المصوّرة ليلى علوي
"افرح بيّا"؟
يتندّر التونسيون والسائحون المغاربة بعبارة "افرح بيا" التي يقصد بها بعض أعوان الأمن في تونس "أعطني رشوة". وكان بعض السياح الجزائريين والليبيين الذين توافدوا بكثافة خلال عطلة الصيف الماضية، قد استعملوا موقع "فيسبوك" ليعبّروا عن انزعاجهم من مضايقة رجال أمن تونسيين لهم بطلب الأموال مقابل التغاضي عن مخالفاتهم المرورية أو بدون سبب أحيانًا.
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد شهدت في بداية شهر كانون الثاني/يناير الجاري ضجةً بعد نشر أحد المواطنين لفيديو يوثق طلب رشوة كان بطلها أحد رجال أمن المرور، والذي تورط بطلب رشوة قيمتها ديناران فقط (حوالى دولار أميركي فقط). المواطن الضحية اشتكى من خلال تدوينة أرفقها للفيديو بصفحته على "فيسبوك" من قيام أحد الأمنيين بمطالبته بالأموال بصفة متكررة وتهديده في صورة عدم الاستجابة. المصالح المختصة بوزارة الداخلية سارعت إلى عزل الأمني المتورط وفتح تحقيق في الغرض.
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها حيث نشر سائح جزائري خلال شهر أبريل/نيسان الماضي على موقع "فيسبوك" فيديو يوثق وقوعه ضحية طلب رشوة بعشرة دنانير من طرف رجل أمن تونسي، ولم تقدم وزارة الداخلية أي توضيح يخص تفاعلها مع هذا الدليل.
وزارة الداخلية تردّ
نجح الضغط الذي يحدثه نشر التجاوزات الأمنية على شبكة الإنترنت في إثارة ردود فعل سريعة وناجعة لدى وزارة الداخلية في أغلب الحالات. غير أن اعتماد هذه الوسيلة لا يعتبر حلا ناجعا لتخطي إشكالات توتر العلاقة بين الأمنيين والمواطنين.
وكان عضو نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل محمد علي الهاشمي قد صرح في عدد من وسائل الإعلام التونسية بأن المواطن والأمني يتحملان على حد السواء نتائج تفشي ظاهرة الارتشاء عبر السماح لأنفسهما بالتورط فيها. كما أكد أيضًا أن 10 بالمائة من رجال الأمن يستفيدون من هذه الظاهرة وفضح هذه الممارسات من خلال تصويرها خلسة ونشرها على "فيسبوك" يحد من احتدامها ولكن احترام الإجراءات الأمنية يحد من الظاهرة بشكل أكثر نجاعة.
أما بخصوص التجاء التونسيين لهذا الموقع للتبليغ عن حالات الاعتداءات الأمنية فقال المستشار المكلف بالشؤون القانونية بوزارة الداخلية وليد الوقيني لـ"العربي الجديد" أمر طبيعي نظرا لانتشار تأثير هذا الموقع على التونسيين منذ الثورة. وأضاف الوقيني أن هذا التصرف مهم ومفيد للضحية غير أن بناء ثقة بين المواطن من جهة والسلط الأمنية والقضائية من جهة أخرى يتطلب قيام الضحية بالتبليغ عن طريق تقديم شكاية لدى القضاء والإصرار على متابعة مجرياتها حتى لا يصبح الفاعل عرضة لاعتداء أو تشويه. وقال الوقيني أيضا إن حوادث الاعتداء المجاني على المواطنين تعد حوادث معزولة ولا يمكن الحديث عن تحولها إلى ظاهرة خصوصا مع تنامي الجهود التي يبذلها الجهاز الأمني في محاربة الإرهاب وتأمين الأفراد والمجموعات في ظرف أمني حساس ومعقّد.
اقرأ أيضاً: صحافيو ليبيا: تعذيب وهجرة... واغتصاب
لكن، ورغم احتفال التونسيين في هذه الفترة بالعيد الخامس للثورة، فإن مسألة تعامل رجل الأمن مع المواطن بقيت محل تساؤل وجدل قانوني وإجرائي. فبعد خمس سنوات من الوعود بالعمل على تأسيس علاقة مع المواطن تقوم على التأمين لا الترهيب، لا زالت قضايا الاعتداء المجاني على التونسيين من طرف رجال الأمن تثير قلق حقوقيين ومتابعين للشأن التونسي. وبحسب تقارير حقوقيّة، فإنّ الأمن هو أكبر المنتهكين والمعتدين على الصحافيين التونسيين. وأمام خوف الضحايا من تمييع قضاياهم أو التلاعب بمجريات التحقيق فيها من طرف زملاء المعتدين، يفضّل أغلبهم الالتجاء إلى موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" للحديث بحرية عن معاناتهم وطلب المساعدة والدعم.
حالات متكررة وبطء قضائي
نشر الصحافي الشاب نضال الصيد نهاية الأسبوع الماضي على موقع "فيسبوك" تدوينة كشف من خلالها الاعتداء اللفظي والجسدي الذي تعرض له من طرف رجال أمن أثناء مروره قرب مقر وزارة الداخلية. وبسرعة قياسيّة تفاعل مدونون وناشطون على "فيسبوك" بإدانة هذا التصرف، مذكّرين بضرورة التزام رجال الأمن بحماية المواطنين واحترام حقهم في التجول بدون مضايقات.
اتّصلت صحيفة "العربي الجديد" بنضال الصيد، الذي أكد قيام عدد من الأمنيين باعتراض سبيله متهمين إياه بالسكر، ليوجهوا له إثر ذلك جملة من الشتائم قبل أن ينهالوا عليه بالصفع والركل. وقال الصيد إنه لم يكن بحالة سكر حين تم الاعتداء عليه غير أن رجال الأمن لم يستسيغوا قيامه بالرد على أسئلتهم بثقة وشجاعة، الأمر الذي رأوا فيه استفزازا لهم. وقد قامت المصالح المختصة بالتفاعل مع تدوينته، فتم استدعاؤه بوزارة الداخلية ووعده مسؤولون أمنيون هناك بمعاقبة المتورطين كما طلبوا منه تحرير شكوى في الغرض لدى وزير الداخلية ووكيل الجمهورية.
حول تساؤل "العربي الجديد" عن مدى جدوى استعمال مواقع الإنترنت للتشهير بالمعتدين من رجال الأمن، أجاب نضال بأنه كان قد تعرّض منذ شهر لاعتداء مماثل من طرف أمنيين وقد وقدّم شكوى لدى القضاء ولكن لم يتم النظر فيها إلى حد اللحظة. فـ"فيسبوك"، بحسب رأي الصحافي الشاب، هو وسيلة آمنة تمكّنه من تجنب اعتداءات مماثلة في المستقبل وتوصل صوته إلى السلط المختصة نظرا لتفاعل الناشطين السريع على هذا الموقع مع حوادث مماثلة.
Facebook Post |
على "فيسبوك" أيضًا، نشر الشاب التونسي طه ساسي، بلاغًا طالب فيه الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب بالتدخل العاجل لإنصافه على خلفية "اعتداء بالعنف الشديد وتلفيق تهم كيدية من طرف أعوان أمن في حقه وحق زوجته" أواخر الأسبوع الماضي. وجاء في تدوينة طه ساسي أنّ "دورية أمنية قامت بإيقاف سيارة أجرة كانا يستقلانها ليطالبوهما إثر ذلك بإبراز وثيقة تثبت زواجهما قبل أن يقوموا باستدراجهما نحو السيارة الأمنية واعتدوا عليهما بالعنف الشديد. وإثر اصطحابهما لمركز الأمن أثناء إصرار المتضررين على تقديم شكوى، قام رئيس المركز بمحاولة منعهما مهددًا إياهما بتطور الأمور ضدّهما نحو الأسوأ". وأضاف المتضرر أيضًا أنه "اضطر إلى نقل زوجته إلى المستشفى للعلاج ثم تم اقتيادهما إلى المحكمة التي أمرت بإطلاق سراحهما".
ولا يعتبر الاعتداء بالعنف اللفظي والجسدي المشكل الوحيد الذي يواجهه التونسيون مع بعض رجال الأمن. فمضايقة بعض الأمنيين للتونسيين من أجل الحصول على رشى مالية أصبح أمرًا مزعجًا دفع بعضهم للالتجاء إلى موقع "فيسبوك" أيضًا لكشفه والتشهير به.
Twitter Post
|
اقرأ أيضاً: حزن على وفاة المصوّرة ليلى علوي
"افرح بيّا"؟
يتندّر التونسيون والسائحون المغاربة بعبارة "افرح بيا" التي يقصد بها بعض أعوان الأمن في تونس "أعطني رشوة". وكان بعض السياح الجزائريين والليبيين الذين توافدوا بكثافة خلال عطلة الصيف الماضية، قد استعملوا موقع "فيسبوك" ليعبّروا عن انزعاجهم من مضايقة رجال أمن تونسيين لهم بطلب الأموال مقابل التغاضي عن مخالفاتهم المرورية أو بدون سبب أحيانًا.
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد شهدت في بداية شهر كانون الثاني/يناير الجاري ضجةً بعد نشر أحد المواطنين لفيديو يوثق طلب رشوة كان بطلها أحد رجال أمن المرور، والذي تورط بطلب رشوة قيمتها ديناران فقط (حوالى دولار أميركي فقط). المواطن الضحية اشتكى من خلال تدوينة أرفقها للفيديو بصفحته على "فيسبوك" من قيام أحد الأمنيين بمطالبته بالأموال بصفة متكررة وتهديده في صورة عدم الاستجابة. المصالح المختصة بوزارة الداخلية سارعت إلى عزل الأمني المتورط وفتح تحقيق في الغرض.
Facebook Post |
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها حيث نشر سائح جزائري خلال شهر أبريل/نيسان الماضي على موقع "فيسبوك" فيديو يوثق وقوعه ضحية طلب رشوة بعشرة دنانير من طرف رجل أمن تونسي، ولم تقدم وزارة الداخلية أي توضيح يخص تفاعلها مع هذا الدليل.
وزارة الداخلية تردّ
نجح الضغط الذي يحدثه نشر التجاوزات الأمنية على شبكة الإنترنت في إثارة ردود فعل سريعة وناجعة لدى وزارة الداخلية في أغلب الحالات. غير أن اعتماد هذه الوسيلة لا يعتبر حلا ناجعا لتخطي إشكالات توتر العلاقة بين الأمنيين والمواطنين.
وكان عضو نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل محمد علي الهاشمي قد صرح في عدد من وسائل الإعلام التونسية بأن المواطن والأمني يتحملان على حد السواء نتائج تفشي ظاهرة الارتشاء عبر السماح لأنفسهما بالتورط فيها. كما أكد أيضًا أن 10 بالمائة من رجال الأمن يستفيدون من هذه الظاهرة وفضح هذه الممارسات من خلال تصويرها خلسة ونشرها على "فيسبوك" يحد من احتدامها ولكن احترام الإجراءات الأمنية يحد من الظاهرة بشكل أكثر نجاعة.
Twitter Post
|
أما بخصوص التجاء التونسيين لهذا الموقع للتبليغ عن حالات الاعتداءات الأمنية فقال المستشار المكلف بالشؤون القانونية بوزارة الداخلية وليد الوقيني لـ"العربي الجديد" أمر طبيعي نظرا لانتشار تأثير هذا الموقع على التونسيين منذ الثورة. وأضاف الوقيني أن هذا التصرف مهم ومفيد للضحية غير أن بناء ثقة بين المواطن من جهة والسلط الأمنية والقضائية من جهة أخرى يتطلب قيام الضحية بالتبليغ عن طريق تقديم شكاية لدى القضاء والإصرار على متابعة مجرياتها حتى لا يصبح الفاعل عرضة لاعتداء أو تشويه. وقال الوقيني أيضا إن حوادث الاعتداء المجاني على المواطنين تعد حوادث معزولة ولا يمكن الحديث عن تحولها إلى ظاهرة خصوصا مع تنامي الجهود التي يبذلها الجهاز الأمني في محاربة الإرهاب وتأمين الأفراد والمجموعات في ظرف أمني حساس ومعقّد.
اقرأ أيضاً: صحافيو ليبيا: تعذيب وهجرة... واغتصاب