خسر ليون أمام باريس سان جيرمان بهدفين دون رد، في قمة الأسبوع السادس من الدوري الفرنسي، لكنه قدم مباراة كبيرة طوال التسعين دقيقة. ونجح الضيوف في التقليل من خطورة نجوم العاصمة، وتضييق الخناق على كل من نيمار ومبابي وكافاني، لدرجة أن أصحاب الأرض خطفوا النقاط الثلاث بشق الأنفس عن طريق النيران الصديقة في الدقائق الأخيرة.
ولعب ليون من دون أكثر من اسم بالوسط والدفاع، ليظهر عمل الطاقم الفني في دراسة نقاط قوة الخصم جيداً، والتقليل منها قدر المستطاع، لدرجة أن نيمار ترك مكانه المفضل على اليسار، وانتقل لليمين إلى جانب مبابي حتى يهرب من الدفاع الصلب.
وحصل فريق مدينة الجنوب الشرقي لفرنسا على 11 نقطة بعد 6 جولات، ليبدأ البطولة بشكل جيد، ويبعد فقط نقطتين عن صاحب المركز الثالث المؤهل للتصفيات المؤهلة لدوري الأبطال، وهو الهدف الرئيسي للرجل الأقوى داخل النادي، والرئيس الأشهر في فرنسا خلال بدايات الألفية، جان ميشال أولاس.
رجل المال
يعتبر جان ميشال أولاس من أشهر رجال الأعمال في فرنسا، وارتبط الرئيس بنادي ليون منذ عام 1987، لينقل الفريق إلى مرتبة أعلى، ويسيطر على كرة القدم داخل البلاد بعد سنوات، بعد صناعته واحداً من أقوى فرق البلد منذ بداية سنة 2000، لدرجة أنهم فازوا بالدوري الفرنسي سبع مرات متتالية، في سابقة غريبة بعض الشيء على الكرة الأوروبية والفرنسية.
صعد ليون خطوات شاسعة مع أولاس، وتحول فريق الكرة من الدرجة الثانية إلى أحد كبار المرشحين بعصبة الأبطال خلال فترة زمنية متوسطة. ونجحت الإدارة في جني أموال طائلة من بيع النجوم، بعد تسويقهم بذكاء من جانب جان ميشال، ليبيع النادي كلاً من مايكل إيسيان، أبيدال، مالودا، بنزيما، ديارا، وآخرين. ويؤخذ فقط على الرئيس اهتمامه المضاعف بالشق المالي على حساب الجانب الرياضي، ليُهمل فريق الكرة قليلاً من أجل كسب الأموال، ما أثر بالسلب على ليون لصالح باريس وموناكو ومارسيليا وبوردو والبقية.
تأثر بطل الدوري سبع مرات بالقوة المالية الرهيبة لكل من سان جيرمان وموناكو، ليفشل في مواجهة التحديات الجديدة، ويعود للخلف بالسنوات الماضية، لكنه تأثر مؤخراً بتجربة فريق الإمارة على مستوى الاستثمار في المواهب الصغيرة. فموناكو لم يعد الفريق الذي يدفع كثيراً، بل أصبح يركز أكثر على جلب الأسماء الشابة، حتى يساهم في تطورها فنياً وتكتيكياً، لتساعده في المنافسة على البطولات، ومن ثم يبيعها بمبالغ مضاعفة، ليثبت هذا النموذج الرياضي نجاحه السريع أمام سطوة باريس، ويفوز الفريق بالدوري ويصل إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.
من الصعب الحصول على الدوري في المرحلة الحالية، لكن يأمل نادي ليون في استعادة الأمجاد القديمة على المدى البعيد، مع الجمع بين الربح المادي والفني، بالبحث عن لاعبين غير مكلفين مالياً، لكنهم على أتم الاستعداد للتعلم والصعود إلى مصاف النجوم الكبار بعد فترة، كأمثلة باكايوكو، ميندي، برناردو سيلفا، ليمار، ومبابي في العام الماضي.
ثورة انتقالات
قرّر أولاس التخلي عن معظم نجوم الفريق في الميركاتو الصيفي، بعد رحيل فالبوينا إلى فنربخشة، وبيع توليسو ولاكازيت إلى بايرن ميونخ وأرسنال مقابل مبالغ قياسية، وانتقال ماكسيم غونالونزى إلى روما، وجاليت تجاه نيس، ورشيد غزال الذي ذهب إلى موناكو، مع التخلي عن بعض اللاعبين الآخرين سواء بالتشكيلة الأساسية أو على مقاعد البدلاء. وراهنت الإدارة على ضم مجموعة من المواهب، مع دفع أرقام زهيدة لضمهم، وتجديد الثقة في المدير الفني جينيسيو، مع ترشيح البرازيلي القدير وجونينيو في كمدير رياضي للنادي، وكبير المختصين بأمور كرة القدم.
فكر جينسيو في التعاقد مع لاعبين يخدمون خطته الأساسية، فالمدرب يلعب أكثر برسم (4-2-3-1) مع تحويله إلى (4-3-3) في بعض المناسبات، لذلك جاءت الضربة الأولى بتعويض غياب أشهر ثنائي بالفريق، ألكسندر لاكازيت وماتيو فالبوينا، لاعبي منتخب فرنسا في فترات سابقة، بالإضافة لقرار الدولي الجزائري رشيد غزال الذهاب إلى موناكو، لتتفاعل الإدارة الرياضية سريعاً، وتتعاقد مع ماريانو دياز مهاجم ريال مدريد مقابل 8 ملايين جنيه إسترليني، كذلك أحد أفضل نجوم كأس أفريقيا 2017، بيرتراند تراوري، لاعب منتخب بوركينا وجناح تشيلسي المعار إلى أياكس.
ماريانو مهاجم صندوق مثالي، يختلف بعض الشيء عن سلفه لاكازيت، فالفرنسي قوي في العودة للخلف وبناء اللعب رفقة لاعبي الوسط، لكن الإسباني هداف بالفطرة، يتمركز خلف المدافعين وفي القنوات الشاغرة، وينتظر الفرصة المناسبة لترجمة الفرص إلى أهداف، ويتمتع بقوة كبيرة في التسديدات من بعيد، وإجادة الكرات الرأسية وألعاب الهواء، إنه أقرب إلى المهاجم الكلاسيكي بمفاهيم الكرة الحديثة، من خلال كثرة تحركاته وجرأته في هز الشباك، ليسجل حتى الآن 4 أهداف في 6 مباريات في الليغ 1.
في المقابل ساعد تراوري هجومياً من الطراز الأول، لاعب مهاري ومميز في موقف 1 ضد 1، يجيد المراوغات واللعب على الطرفين، مع إمكانية شغل مركز المهاجم الوهمي في بعض المناسبات، لذلك يستطيع تعويض غياب أي زميل بالثلث الهجومي الأخير، سواء كجناح أو صانع لعب أو رأس حربة. وقدم اللاعب موسماً استثنائياً مع أياكس، لينتقل إلى ليون مقابل عشرة ملايين جنيه إسترليني، ويصنع ثلاثية الهجوم رفقة نبيل فقير وممفيس ديباي، خلف المهاجم الأوحد ماريانو دياز، وفق خطة (4-2-3-1) كما يقول الكتاب.
حماية الهجوم
بعد ضمان تقوية الخط الهجومي بأكثر من خيار، جاءت الخطوة التالية بالحصول على خط وسط مثالي في التحولات، لحماية الدفاع أثناء المرتدات والتغطية خلف الأظهرة في الحالة الهجومية. ليتعاقد ليون مع الموهبة الصغيرة ندومبيلي من أميان على سبيل الإعارة. وشارك اللاعب الجديد الذي وصل في آخر أيام أغسطس/ آب، مع فريقه أساسياً أمام سان جيرمان بملعب حديقة الأمراء، ليفاجئ الجميع بمستوى رائع، نتيجة براعته في التمريرات الطولية والقطرية، وهروبه من الضغط بسرعته وقوته البدنية، مع عودته إلى الخلف لحماية الدفاع من دون الكرة.
ندومبيلي ليس الوافد الوحيد، فالسنغالي بابي شيخ ديوب جاء هو الآخر من سيلتا فيغو الإسباني، بعد لعبه كارتكاز صريح بالمنتصف في الليغا، واشتهاره بالقوة البدنية وافتكاك الكرات بالعرقلة المشروعة، بالإضافة لتصعيد الناشئ كريستوفر بيريرا من الفريق الثاني، ليضمن المدرب وجود ثلاثة لاعبين مع ليون توسارت في منطقة الارتكاز المعروفة خططياً بثنائي المحور. ولم يتوقف ليون عند هذا الحد ليعمل على تقوية دفاعاته، بضم البرازيلي مارسيلو من بيشكتاش التركي، ليلعب بجوار موريل أمام المرمى في القلب.
وبعد تضاعف دور الأظهرة بالموسم الماضي، ونجاح تجربة ريال مدريد وموناكو أوروبياً بالاعتماد على لاعبي الرواق، نجح ليون في ضم ثنائي جديد على اليسار، البرازيلي مارسال من بنفيكا البرتغالي، والفرنسي الصغير ميندي القادم من لوهافر. قبل أن يُنهي التعاقد مع الظهير الأيمن لأياكس الهولندي، كيني تيدي، اللاعب الذي عرف كيف يقلل من خطورة نيمار، وأجبره على الهروب بعيداً عن اليسار طوال المباراة.
كيني ظهير دفاعي بحت، يمتاز بالرقابة الفردية الصارمة، ومساندة ثنائي الخلف في كسر هجمات المنافسين، بينما يصعد الظهير المقابل للهجوم على اليسار، سواء مارسال أو ميندي، وبالتالي يهاجم ليون بعدد كبير من اللاعبين إذا احتاج إلى ذلك، مع ضمان الحماية للمرتدات بثلاثة مدافعين رفقة لاعب الارتكاز، وهذا ما فعله جينسيو في بدايات الدوري الفرنسي، ليفوز في أكثر من مباراة، ويخسر باحترام أمام المرشح الأقوى، باريس سان جيرمان، في انتظار تطور مستوى الصغار وتكيّفهم مع الأجواء الجديدة، من أجل مزاحمة الكبار في نهاية الموسم.