كما أعلن الزعيم الكوري الشمالي، خلال اجتماع للجنة المركزية للحزب الأوحد الحاكم، أن "الشمال سيغلق موقعاً للتجارب النووية في شمال البلاد إثباتاً لالتزامه وقف التجارب النووية"، مضيفاً "أن أعمال تثبيت رؤوس نووية على صواريخ بالستية انتهت".
وبرر قرار التوقف عن التجارب بالقول إن "الوضع في كوريا الشمالية يتغير سريعاً لصالح الثورة الكورية منذ الإعلان العام الماضي عن اكتمال القوى النووية".
هذا التطور في موقف بيونغ يانغ الذي يأتي قبل أقل من أسبوع من القمة المرتقبة بين الكوريتين في 27 إبريل الحالي، والتي تسبق قمة تاريخية مرتقبة في غضون أسابيع بين الزعيم الكوري الشمالي والرئيس الأميركي دونالد ترامب، لاقى ترحيباً واسعاً من ترامب بوصفه "نبأ ساراً جداً لكوريا الشمالية والعالم" فضلاً عن إشادات من دول عدة.
وغرّد ترامب على "تويتر" رداً على إعلان كيم، قائلاً إنه "تقدم كبير! نتطلع إلى قمتنا". بدورها رحبت سيول بالإعلان الكوري الشمالي، معتبرة إياه "تقدماً مهماً نحو نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية".
كما رحبت كوريا الجنوبية بإعلان بيونغ يانغ وقف التجارب النووية، معتبرةً أن القرار سيخلق ظروفا إيجابية لنجاح عقد مؤتمر قمة بين الكوريتين وقمة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة. مع العلم أن رئيس كوريا الجنوبية مون جي، كان قد أعلن قبل يومين أن كوريا الشمالية تخلت عن مطلبها الدائم بسحب القوات الأميركية المتمركزة في كوريا الجنوبية، وقوامها 28 ألف جندي.
من جهتها، رحبت بكين بالقرار وذكرت أن "قرار وقف التجارب النووية والتركيز على تطوير الاقتصاد وتحسين مستوى معيشة السكان، سيُسهّل الوضع بشكل أكبر في شبه الجزيرة الكورية وسيعزز عملية نزع الأسلحة النووية ومساعي التوصل إلى تسوية سياسية". كما أشاد رئيس الحكومة الياباني شينزو آبي بإعلان بيونغ يانغ، لكنه قال إن "النقطة المهمة هي معرفة ما إذا كان القرار سيؤدي إلى التخلي بشكل تام عن تطوير سلاح نووي وصواريخ بشكل يمكن التحقق منه ولا رجوع فيه". لكن وزير الدفاع ايتشونوري أونوديرا كان طالب قبلاً بـ"ممارسة ضغوط قصوى على بيونغ يانغ"، قائلاً "لا يمكن أن نكون راضين لأن كوريا الشمالية لم تأتِ على ذكر التخلي عن الصواريخ البالستية القصيرة والمتوسطة المدة".
هذا الترحيب الواسع لم يمنع من ظهور أصوات عدة متوجسة وتطالب بتوخي الحذر من وجود مناورة تقوم بها بيونغ يانغ. وبينما رأى البعض أن "إعلان إغلاق الموقع النووي، الوحيد المعروف، وهو موقع بيونغيي ـ ري، شمال شرقي كوريا الشمالية، مجرد خطوة لكسب الثقة مع الأميركيين قبل الحوار"، حذر آخرون من "ألاعيب كيم" لا سيما أن الموقع النووي أصبح بالفعل غير صالح للاستخدام، بسبب انهيار نفق بعد اختبار بيونغ يانغ العام الماضي لما يزعم أنها قنبلة هيدروجينية.
وربط البعض بين إعلان كيم وبين "سعيه إلى كسب الوقت من أجل تخفيف العقوبات الدولية على نظامه"، معربين عن اعتقادهم بأنه "لن يتخلى عن ترسانته النووية". كما اعتبر
محللون أميركيون أن "خطوة كيم تهدف إلى دفع الولايات المتحدة بشروطه نحو الحوار، وعلينا التأكد من تخلّيه عن السلاح النووي".
لكن البعض الآخر رجح أن يكون "كيم صادقا فيما يفعل عبر تطبيع العلاقات مع الاميركيين لكنه يرغب في كسب ضمانات لاستمرار نظامه، وإعادة بناء الاقتصاد الكوري الشمالي. بالتالي فإنه اتخذ خطوات للخروج باتفاق مع الأميركيين".
وظهرت مؤشرات عدة تؤكد مدى قدرة العقوبات المفروضة، خصوصاً تلك المتعلقة بالنفط والحديد والخام والنسيج، على إيلام كوريا الشمالية.
وبحسب تقرير أوردته "نيويورك تايمز" فإن المؤشرات في كوريا الشمالية تبدو صعبة، إذ أغلقت المصانع بسبب النقص في المواد الخام، وهجر الصيادون قواربهم والوحدات العسكرية تلجأ إلى المركبات التي تعمل بمحركات الفحم للتنقل، فيما يظلّ تركيز الموارد الضئيلة بيد النخبة الحاكمة والعسكر.
بدوره، أشار الخبير الصيني في شأن كوريا الشمالية، وو كيانغ، إلى أن "العمال الذين كانوا يأتون يومياً من كوريا الشمالية إلى الصين، ثم يغادرون مساءً لم يعودوا يأتون"، في إشارة إلى توقف تدفق العمال الكوريين الشماليين إلى الجارة الصينية، ما يهدد بقطع مورد معيشة آخر للاقتصاد الكوري الشمالي. كما أنه بغياب العملة الأجنبية فإن تمويل الحكومة الكورية الشمالية، في ظلّ العقوبات، للاحتياجات الأساسية للشعب، بات في مهب الريح. وهو ما يهدّد المواسم الزراعية أيضاً، وفقاً لمدير مركز دراسات كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، في جامعة يانبيان الصينية، جين كيانغيي، فيما أبدت العاملة في برنامج "المساعدة السويسرية" لكوريا الشمالية، كاتارينا زيلفيغير قلقها من "احتمال أن تؤدي العقوبات مفعولها العكسي على نوعية الغذاء وتدهوره".
لكن على الرغم من كل ذلك، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن النظام يخشى أو على وشك الانهيار. وفي السياق، قال كانغ كي ـ جين، وهو أحد الفارين من كوريا الشمالية، "إن كنتم تظنّون أن النظام سيسقط بالعقوبات فأنتم لا تعرفون شيئاً عن الكوريين الشماليين. هؤلاء الناس حاربوا المجاعة بتناول الحشائش، ويفتخرون بذلك". كما أبدى أحد الخبراء الصينيين، اعتقاده بأن "الشمال لن يتخلى عن السلاح النووي بسبب حاجته للنفط ومشتقاته، لأن الاقتصاد أقوى مما نظنّ".
ويعزز هذا الوضع اعتقاد بعض المحللين أن "كيم يريد رفع مستوى الحياة للطبقة الوسطى الجديدة في البلاد، عبر مواجهة العقوبات بسياسة الحوار، طالما أن نظامه غير مهدد".
في هذا السياق، اعتبر الباحث في المعهد الأميركي ـ الكوري في مدرسة جون هوبكينز للدراسات العليا، كورتيس ملفين، أنه "نشهد أولى اختبارات كوريا الشمالية الاقتصادية في عهد كيم". حتى أن البعض، اعتبر أن "العقوبات يمكن أن تؤدي إلى تطبيق الخصخصة في كوريا الشمالية"، حسبما قال خبير الاقتصاد في الجامعة الكورية الجنوبية، كيم بيونغ ـ ييون.
وفي ظل هذا الانقسام في الآراء، اعتبر بعض المحللين أنه "من السابق لأوانه تحليل العقوبات على كوريا الشمالية، خصوصاً أن تأثير العقوبات بدأ في النصف الثاني من العام الماضي، بعد توقف بكين عن دعم بيونغ يانغ. بالتالي فإن أي تأثير لا ينبغي أن يظهر حالياً".
يبقى أن كل الأحداث المتلاحقة تشير عملياً إلى وجود تغيير جذري في سياسة كوريا الشمالية، وباتخاذه قرار الحوار الذي بدأه مطلع العام الحالي، يكون كيم قد خطا خطوة إضافية بعد سنة حافلة بـ"الجنون". سنة بدأت بتهديدات متبادلة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، شهدت خلالها إطلاق بيونغ يانغ صواريخ بالستية في مكان غير بعيد عن جزيرة غوام الأميركية، فضلاً عن انطلاق إنذار خاطئ في جزيرة هاواي "خشية من هجوم كوري شمالي"، ثم تهديد ترامب لكيم بقوله إن "زرّي النووي أكبر من زرّك النووي". سنة دخل فيها الوفد الرياضي الكوري الشمالي دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، في بيونغ تشانغ الكورية الجنوبية، في فبراير/شباط الماضي، معززاً مكرّماً وعلى رأسه كيم يو جونغ شقيقة الزعيم الكوري الشمالي، فتحوّل الصراع الأميركي ـ الكوري من الحرب إلى السلم بكبسة زرّ.
(العربي الجديد)