تتجه الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً إلى التحلل. ويوماً بعد آخر، يُمعن التحالف السعودي الإماراتي في تركيع ودفن "الشرعية"، التي يعلن في الظاهر أنه جاء لدعمها وإنقاذها من المد الإيراني. منذ مطلع العام السادس للحرب، في 26 مارس/آذار الماضي، أصبحت "الشرعية" باليمن، مجرد اسم على ورق، إذ خسرت غالبية المناطق المحررة التي كانت تحت قبضتها، وباتت مستباحة من المليشيات، شرقاً وغرباً، فضلاً عن مناطق الشمال.
فقدت "الشرعية" مقرها المؤقت في عدن وموارد الدولة الشحيحة، والمنافذ البحرية كافةً. وحتى ردة الفعل التي كانت تظهر على شكل بيانات رافضة للانقلابات، التي تطعن بها من الظهر، انعدمت خلال الفترة الماضية. لم تعد هزيمة الحوثيين والمشروع الإيراني تشكل الهاجس الأول للتحالف السعودي، بقدر ما تشير الدلائل إلى هدف طارئ يتمثل في "دفن الشرعية" التي يتزعمها الرئيس عبدربه منصور هادي، المقيم في منفاه بالرياض منذ 2015. "اتفاق الرياض"، كان "الخازوق" الأول الذي صنعته السعودية للشرعية، وذلك بفرض مكّون انفصالي، هو "المجلس الانتقالي الجنوبي"، كشريك رئيسي في الحكومة، رغم حالة العداء التي يكنّها الطرفان لبعضهما البعض. ولا هدف لها من ذلك سوى فرض رجلها معين عبد الملك كرئيس للحكومة المرتقبة.
تدرك السعودية أن "المجلس الانتقالي"، المدعوم من أبوظبي، يحمل أجندة مناوئة بالمطلق لشكل الدولة اليمنية الحالية أو الاتحادية المأمولة من الأقاليم الستة، وأنه سيستغل موقعه المستقبلي لتفكيك اليمن، وستُجبر الشرعية على التماهي معه كونها تحت الوصاية. من المؤكد أن الشرعية في اليمن، ستدخل خلال الفترة المقبلة بموت سريري، وهو ما تريده السعودية، التي تضغط بكل أوراقها لتمكين الانفصاليين من المحافظات الجنوبية كافةً، تحت لافتة اتفاق الرياض، فيما تدور مؤامرة أخرى شرقاً، تتمثل في تسهيل مهمة انقضاض الحوثيين على محافظة مأرب النفطية.
ولأن الهدف تفكيك منظومة الجيش الوطني، الموالي للشرعية، أعلنت السعودية أنها ستقوم بدفع مرتبات القوات الانفصالية المتوقفة، وذلك بالريال السعودي، فيما القوات الحكومية، التي تعيش للشهر الرابع بدون مرتبات أيضاً، لم تجد أي اهتمام، فالرياض تكافئ الانقلابيين فقط، وتريد تفجير احتقان داخل الجيش الوطني.
آخر الابتكارات السعودية لتركيع الشرعية، كان باستحداث شروط تعسفية ضد الطيران اليمني، وذلك بإجبار الناقل الجوي الوحيد على إرسال كشوفات ونُسخ ملونة من جوازات سفر جميع المسافرين إلى غرفة عمليات التحالف بالرياض، بعد استحداث قوائم جديدة للممنوعين من السفر. لا يهدف القرار بالتأكيد لمراقبة تحركات القيادات الحوثية، فهي تصل إلى صنعاء أو تخرج منها عبر طائرات أممية، ولكن تشديد الخناق على قيادات الشرعية فقط. وبموجبه، لن يكون بمقدور القيادات الحكومية، السياسية والعسكرية، العودة من مصر أو الأردن إلى اليمن في حال فكرت بالتسلل كمسافرين عاديين، أو العكس.