06 يونيو 2016
تحديات أمام حكومة الوفاق الليبية
كانت الولادة المتعسّرة لحكومة الوفاق الوطني الليبية، في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2015، عبر "اتفاق الصخيرات"، والذي تم برعاية دولية وحاضنة عربية، تهدف إلى وضع حد لحالة الفوضى التي تعيشها ليبيا بعد سنوات مريرة على انطلاقة ثورة 17 فبراير 2011 ضد معمر القذافي، والتي كانت تهدف إلى تحقيق أماني الليبيين في الديمقراطية والحرية والكرامة الإنسانية.
لم تستطع حكومة الوفاق الليبية أن تمارس أياً من مظاهر السيادة في ليبيا. لذلك، اتخذت من العاصمة التونسية مقراً لها في غياب أي سلطة لها في البلاد. والمفارقة أن حكومتي ليبيا القائمتين، وهما، حكومة المؤتمر في طرابلس وحكومة البرلمان في طبرق، المتصارعتان منذ سنوات، كانتا قد اتفقتا، لأول مرة، على عدم تمكين حكومة الوفاق من مزاولة مهامها. ولم تفلح تسع محاولات متواصلة لنيل الحكومة الجديدة ثقة برلمان طبرق، حسب اتفاق الصخيرات، الأمر الذى دفع قوى دولية وإقليمية للضغط المباشر على أعضاء البرلمان بصورة فردية، نتج عنه توقيع مائة من النواب على عريضة تأييد للحكومة الجديدة (عدد أعضاء البرلمان الفعلي 188)، وهو ما يمكن اعتباره ثغرة قانونية.
وقد شهر مارس/آذار الماضي حدثاً فارقاً بشأن حكومة الوفاق الليبية، حيث استطاعت الوصول إلى قاعدة بحرية على شواطئ طرابلس، برعاية إيطالية، بعد أن تم منعها من الوصول عبر المطار وإغلاق المجال الجوي الليبي أمامها مرات. ويرى السياسيون أن وصول الحكومة الجديدة إلى طرابلس مؤشر واقعي على وضع اللبنة الأولى في نجاح الحكومة، والبدء في عملية إنهاء الانقسام، وإعادة بناء مؤسسات الدولة الليبية التي تمزقت بفعل الصراع. وكان لافتاً للنظر الدعم المباشر والكبير للحكومة الجديدة، وتمثل في حزب العدالة والبناء، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، والذي كان أحد أهم مكونات اتفاق الصخيرات، على الرغم من التحفظ "النسبي" للجماعة عن الدعم المباشر لها. كما أعلنت المؤسسات المالية والاقتصادية السيادية الكبرى في ليبيا، المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار ومقرها طرابلس، دعمها الحكومة، عدا عن إعلان قائد جهاز حرس المنشآت النفطية، والمتمرّد على الحكومتين القائمتين، استعداده للعمل تحت شرعية الحكومة الجديدة، وهناك إعلان 13 بلدية في الجنوب والغرب تأييدها الكامل الحكومة الجديدة والولاء لها. وهناك الموقف المؤيد للحكومة من تشكيلات عسكرية أساسية، مثل كتائب مصراتة ولواء الصمود، وبعض القوى والتشكيلات العسكرية التي نتجت عن تفكّك قوات فجر ليبيا، والتي أعلنت دعمها الحكومة الجديدة، وشكلت حماية لها في طرابلس. وكان لافتاً الدعم الكبير من رجال الأعمال والتجار في ليبيا الحكومة الجديدة، بعد أن وصلت البلاد إلى أسوأ الأوضاع الاقتصادية منذ تأسيس الدولة الحديثة. عدا عن الدعم المهم من مواطنين ليبيين كثيرين للحكومة الجديدة، بعد سنوات خمس من الصراع والدماء والدمار، والذى كان المواطن البسيط أول من دفع ثمنه.
هذا كله عدا عن الدعم الدولي الكبير والمستمر للحكومة الجديدة من المجتمع الدولي، وكان منه زيارة وزير الخارجية الإيطالي، قبل أيام، إلى طرابلس، للقاء رئيس الحكومة، فائز السراج، ثم تبعه وفد سفراء مجموعة دول فرنسا وبريطانيا وإسبانيا، وإعلان مبعوث الرئيس الأميركي الخاص لشؤون السلام في ليبيا أن 28 دولة أقرّت عقوباتٍ على رؤساء "المؤتمر الوطني" في طرابلس وحكومة طرابلس وبرلمان طبرق، من أجل زيادة الضغط الدولي عليهم، لقبول مخرجات اتفاق الصخيرات، وعدم إعاقة عمل الحكومة الجديدة في طرابلس. وكان وصول الحكومة الجديدة إلى طرابلس في أجواء من الهدوء النسبي، واستقبال قطاعات مهمة لها بمثابة انطلاقةٍ جيدةٍ للحكومة الوليدة، إلا أن هناك تحديات كبيرة ما زالت تنتظر هذه الحكومة، لعل من أبرزها نيل ثقة برلمان طبرق الذى يرفض منح الثقة للحكومة، إلا بعد تغيير بعض
نصوص اتفاق الصخيرات، أو الالتفاف عليها، وتحديدا المادة الثامنة، وهي "انتقال جميع صلاحيات المناصب العسكرية، والمدنية، والأمنية العليا، المنصوص عليها في القوانين والتشريعات الليبية النافذة إلى مجلس الوزراء"، وهو ما تعتبره حكومة طبرق استهدافاً للقائد الحقيقي لها اللواء خليفة حفتر. ومن هذه التحديات أن يتم الاتفاق على الترتيبات الأمنية مع التشكيلات العسكرية التي تسيطر على طرابلس، والتي تنص على انسحاب التشكيلات المسلحة خارج المدن والتجمعات السكنية، ونزع السلاح وفق جدول زمني محدد، وهذا ما يثير الريبة لدى كثيرين منهم، وقد يشكل عامل ضعف. كما أن قوى ليبية عديدة، في مقدمتها مفتي ليبيا الشيخ صادق الغرياني ودار الإفتاء، ترى أن الحكومة لا تمثل الداخل الليبي، وتمَّ فرضها من القوى الدولية والإقليمية بالاتفاق المسبق مع دول الجوار، وهذا ربما يعزّز التدخل الأجنبي في إدارة البلاد، ويجعلها رهن الأوامر الأجنبية من ناحية، وربما يؤدي إلى إقصاء الإسلاميين وإبعادهم عن التأثير في خارطة الحكم، وهو ما يمكن وصفه بأنه إعادة إنتاج نظام معمر القذافي لحكم ليبيا.
وهناك التحدّي الاقتصادي وهو الأهم، فثمّة معلومات تشير إلى أن شبح الإفلاس يخيم على مؤسسات الدولة؛ حيث أن المصدر الوحيد لدخل البلاد هو قطاع النفط الذي تدنَّى سعره عالميا، مع توقف ضخِّه. بالإضافة إلى المشاريع الكبرى المتعثرة، والتي تحتاج معالجةً سريعةً قانونيةً وماليةً، قد تستنزف الاحتياطيات النقدية للبلاد التي تتآكل يوماً بعد يوم.
وهناك تحدّي ممارسة الحكومة عملها من العاصمة طرابلس، بالنظر إلى المعارضة التي يبديها رئيس حكومة طرابلس، خليفة الغويل ورئيس "المؤتمر الوطني" نوري بو سهمين، وبعض أعضاء المؤتمر ومؤيدين لهم من الكتائب العسكرية المسلحة والموجودة داخل العاصمة؛ والذي بدا واضحاً في إعلان حكومة طرابلسٍ حل نفسها لصالح حكومة التوافق الوطني، ثم ما لبثت أن تراجعت عن ذلك بعد أقل من 24 ساعة.
وأخيرا يبقى التحدّي الأهم والأخطر، أمام حكومة الوفاق الوطني، بقيادة السراج، هو تنظيم داعش الذي يسيطر على مدينة سرت الساحلية والنفطية (شرق العاصمة طرابلس على بعد 450 كم) والتي تمتلك مطاراً جوياً وميناءً بحرياً، وتبعد أقل من 300 كم من السواحل الإيطالية، والتي أصبحت تستقطب أنصار التنظيم في ليبيا، خصوصا بعد طردهم من مدينة درنة (شرق) مع وجود تحالف غريب مع أنصار القذافي في هذه المدينة التي كانت معقلا للقذافي وقبيلته، عبر سنوات حكمه.
لم تستطع حكومة الوفاق الليبية أن تمارس أياً من مظاهر السيادة في ليبيا. لذلك، اتخذت من العاصمة التونسية مقراً لها في غياب أي سلطة لها في البلاد. والمفارقة أن حكومتي ليبيا القائمتين، وهما، حكومة المؤتمر في طرابلس وحكومة البرلمان في طبرق، المتصارعتان منذ سنوات، كانتا قد اتفقتا، لأول مرة، على عدم تمكين حكومة الوفاق من مزاولة مهامها. ولم تفلح تسع محاولات متواصلة لنيل الحكومة الجديدة ثقة برلمان طبرق، حسب اتفاق الصخيرات، الأمر الذى دفع قوى دولية وإقليمية للضغط المباشر على أعضاء البرلمان بصورة فردية، نتج عنه توقيع مائة من النواب على عريضة تأييد للحكومة الجديدة (عدد أعضاء البرلمان الفعلي 188)، وهو ما يمكن اعتباره ثغرة قانونية.
وقد شهر مارس/آذار الماضي حدثاً فارقاً بشأن حكومة الوفاق الليبية، حيث استطاعت الوصول إلى قاعدة بحرية على شواطئ طرابلس، برعاية إيطالية، بعد أن تم منعها من الوصول عبر المطار وإغلاق المجال الجوي الليبي أمامها مرات. ويرى السياسيون أن وصول الحكومة الجديدة إلى طرابلس مؤشر واقعي على وضع اللبنة الأولى في نجاح الحكومة، والبدء في عملية إنهاء الانقسام، وإعادة بناء مؤسسات الدولة الليبية التي تمزقت بفعل الصراع. وكان لافتاً للنظر الدعم المباشر والكبير للحكومة الجديدة، وتمثل في حزب العدالة والبناء، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، والذي كان أحد أهم مكونات اتفاق الصخيرات، على الرغم من التحفظ "النسبي" للجماعة عن الدعم المباشر لها. كما أعلنت المؤسسات المالية والاقتصادية السيادية الكبرى في ليبيا، المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار ومقرها طرابلس، دعمها الحكومة، عدا عن إعلان قائد جهاز حرس المنشآت النفطية، والمتمرّد على الحكومتين القائمتين، استعداده للعمل تحت شرعية الحكومة الجديدة، وهناك إعلان 13 بلدية في الجنوب والغرب تأييدها الكامل الحكومة الجديدة والولاء لها. وهناك الموقف المؤيد للحكومة من تشكيلات عسكرية أساسية، مثل كتائب مصراتة ولواء الصمود، وبعض القوى والتشكيلات العسكرية التي نتجت عن تفكّك قوات فجر ليبيا، والتي أعلنت دعمها الحكومة الجديدة، وشكلت حماية لها في طرابلس. وكان لافتاً الدعم الكبير من رجال الأعمال والتجار في ليبيا الحكومة الجديدة، بعد أن وصلت البلاد إلى أسوأ الأوضاع الاقتصادية منذ تأسيس الدولة الحديثة. عدا عن الدعم المهم من مواطنين ليبيين كثيرين للحكومة الجديدة، بعد سنوات خمس من الصراع والدماء والدمار، والذى كان المواطن البسيط أول من دفع ثمنه.
هذا كله عدا عن الدعم الدولي الكبير والمستمر للحكومة الجديدة من المجتمع الدولي، وكان منه زيارة وزير الخارجية الإيطالي، قبل أيام، إلى طرابلس، للقاء رئيس الحكومة، فائز السراج، ثم تبعه وفد سفراء مجموعة دول فرنسا وبريطانيا وإسبانيا، وإعلان مبعوث الرئيس الأميركي الخاص لشؤون السلام في ليبيا أن 28 دولة أقرّت عقوباتٍ على رؤساء "المؤتمر الوطني" في طرابلس وحكومة طرابلس وبرلمان طبرق، من أجل زيادة الضغط الدولي عليهم، لقبول مخرجات اتفاق الصخيرات، وعدم إعاقة عمل الحكومة الجديدة في طرابلس. وكان وصول الحكومة الجديدة إلى طرابلس في أجواء من الهدوء النسبي، واستقبال قطاعات مهمة لها بمثابة انطلاقةٍ جيدةٍ للحكومة الوليدة، إلا أن هناك تحديات كبيرة ما زالت تنتظر هذه الحكومة، لعل من أبرزها نيل ثقة برلمان طبرق الذى يرفض منح الثقة للحكومة، إلا بعد تغيير بعض
وهناك التحدّي الاقتصادي وهو الأهم، فثمّة معلومات تشير إلى أن شبح الإفلاس يخيم على مؤسسات الدولة؛ حيث أن المصدر الوحيد لدخل البلاد هو قطاع النفط الذي تدنَّى سعره عالميا، مع توقف ضخِّه. بالإضافة إلى المشاريع الكبرى المتعثرة، والتي تحتاج معالجةً سريعةً قانونيةً وماليةً، قد تستنزف الاحتياطيات النقدية للبلاد التي تتآكل يوماً بعد يوم.
وهناك تحدّي ممارسة الحكومة عملها من العاصمة طرابلس، بالنظر إلى المعارضة التي يبديها رئيس حكومة طرابلس، خليفة الغويل ورئيس "المؤتمر الوطني" نوري بو سهمين، وبعض أعضاء المؤتمر ومؤيدين لهم من الكتائب العسكرية المسلحة والموجودة داخل العاصمة؛ والذي بدا واضحاً في إعلان حكومة طرابلسٍ حل نفسها لصالح حكومة التوافق الوطني، ثم ما لبثت أن تراجعت عن ذلك بعد أقل من 24 ساعة.
وأخيرا يبقى التحدّي الأهم والأخطر، أمام حكومة الوفاق الوطني، بقيادة السراج، هو تنظيم داعش الذي يسيطر على مدينة سرت الساحلية والنفطية (شرق العاصمة طرابلس على بعد 450 كم) والتي تمتلك مطاراً جوياً وميناءً بحرياً، وتبعد أقل من 300 كم من السواحل الإيطالية، والتي أصبحت تستقطب أنصار التنظيم في ليبيا، خصوصا بعد طردهم من مدينة درنة (شرق) مع وجود تحالف غريب مع أنصار القذافي في هذه المدينة التي كانت معقلا للقذافي وقبيلته، عبر سنوات حكمه.