عاد مجلس الأمة الكويتي لممارسة أعماله من جديد، بعد العطلة الصيفية الطويلة، وسط تحديات كبيرة تواجهها الكويت على الصعيدين الداخلي والخارجي. ويعقد المجلس أولى جلساته غداً الثلاثاء بعدما حدّد رئيسه مرزوق الغانم موعداً لها. وهناك استحقاق حاسم ينتظر النواب، يتمثل في الاستجوابات التي تهدد بسقوط الحكومة وبحل مجلس الأمة أيضاً، فضلاً عن استعدادهم لبحث رزمة من الأولويات والقوانين التي تنتظر تمريرها، وانتخاب اللجان الفرعية في المجلس. وتتزامن إعادة انطلاقة العمل التشريعي مع تحديات خارجية، أبرزها يتمثل في الأزمة الخليجية وحصار قطر.
وعقد 14 نائباً، من أصل 50 داخل البرلمان، اجتماعاً جانبياً اتفقوا فيه على ترتيب الأولويات بالاتفاق مع الحكومة في الفصل التشريعي المقبل، وذلك لتجنب أي خلافات جانبية قد تطرأ وتعطل مسيرة القوانين التي تنتظر إقرارها. ومن المرتقب أن يتصدر قانون دعم أسعار البنزين وتقديم "كوبونات" دعم للمواطنين هذه الأولويات، بالإضافة إلى قانون التقاعد المبكر وقانون محكمة الأسرة والسماح لفئة البدون بالانضمام إلى الجيش الكويتي من جديد، وإقرار قانون تجنيس 2000 شخص من هذه الفئة على وجه السرعة، ونقل صلاحيات اللجنة المركزية للمقيمين بصورة غير قانونية إلى وزارة الداخلية، بعد القرارات الأخيرة الصادرة من اللجنة ضدهم، والتي تمثلت في إيقاف بطاقاتهم الأمنية ومنع بعضهم من العلاج والتنقل.
وقّدم النائبان المستقلان رياض العدساني وعبدالكريم الكندري استجواباً لوزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وزير الإعلام بالوكالة، الشيخ محمد العبدالله الصباح، بسبب تهم تتعلق بالعبث بالمال العام. كذلك ينوي نواب آخرون استجواب وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، هند الصبيح، لكن قيادات في المعارضة قالت إن هذا الاستجواب يهدف إلى تعطيل الصفقة المعقودة بين الحكومة والنواب، وهو خيار مدعوم من أطراف خارج البرلمان ووزراء سابقين ينوون التصعيد وحلّ مجلس الأمة للدفع بانتخابات جديدة وتشكيل مجلس وزاري يسمح لهم بالسيطرة من جديد.
وكانت كتلة المعارضة بقيادة النائب جمعان الحربش، قد عقدت في الفصل التشريعي الماضي صفقة مع الحكومة تمثلت في تحصين رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح، من الاستجوابات، في مقابل إعادة الجنسيات لمن سحبت منهم لأسباب سياسية وإزالة القيود الأمنية المفروضة على المواطنين المشاركين في المسيرات والاحتجاجات وإسقاط أحكام السجن عن المتهمين بقضايا سياسية. لكن الحكومة لم تطبق بنود الصفقة بالكامل، إذ أرجعت الجنسية إلى عدد معين من العائلات، كذلك لم تقم بالإفراج عن سجناء الرأي. بالإضافة إلى ذلك، لم تحظ الصفقة بقبول لدى كافة أطراف المعارضة لكنهم اضطروا للقبول بها نتيجة للجمود السياسي الذي ضرب البلاد عقب مقاطعة الانتخابات التي استمرت لمدة ثلاث سنوات.
لكن المشاكل الداخلية والصراعات الداخلية بين البرلمانيين حول الأولويات ليست التحدي الوحيد الذي تمر به الكويت مع ابتداء الدور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الخامس عشر للبرلمان. فعلى الصعيد الخارجي، تحاول الكويت التقدّم في ملف الوساطة بالأزمة الخليجية، وذلك عقب قرار دول محور الرياض-أبو ظبي حصار قطر بسبب رفض الدوحة الخضوع لها في السياسات الداخلية والخارجية الخاصة بها. وتمثل استضافة الكويت قمة "مجلس التعاون الخليجي" المقررة في أواخر شهر ديسمبر/ كانون الأول هاجساً للقيادة السياسية في ظل إصرار دول الحصار على عدم حضور القمة في حال وجود قطر، وهو ما تصر عليه الكويت حفاظاً على الوحدة الخليجية. والتقى أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح بالعاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، في قمة سريعة استمرت ساعات عدة، تباحثا فيها بموضوع القمة الخليجية. كذلك زار وزير الخارجية الكويتي، صباح خالد الحمد الصباح، الدوحة والتقى بأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مطلعاً إياه على تطورات الأزمة الخليجية.
وفي هذا الإطار، قال الباحث السياسي حماد النومسي، لـ "العربي الجديد"، إن سعي الكويت المحموم نحو الوساطة في ملف الأزمة الخليجية قد يدخل البلاد في حالة من الركود، خصوصاً أن الخارجية الكويتية تسعى لإنهاء الأمور قبل موعد انعقاد القمة الخليجية كي لا تهتز صورة وحدة دول "مجلس التعاون الخليجي"، وهو سلاح ذو حدّين إذ يمكن لذلك أن يخفف الاحتقان السياسي المتوقع، أو يفجّره نتيجة الغضب الشعبي على بعض الملفات وأبرزها ملف البدون الذي وصل إلى طريق مسدود، وفق تعبيره.