يأتي ذلك وسط تحركات للفاعلين الدوليين والإقليميين في الملف الليبي لتركيز نفوذهم، قبيل قمة برلين المتوقع أن تعقد هذا العام، بحيث كشفت مصادر لـ"العربي الجديد" أن واشنطن وجّهت تحذيرا لحفتر بشأن النفوذ الروسي، فيما جمعت أبوظبي كلّا من حفتر ورئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، لإنقاذ وجودها العسكري والسياسي.
ويقول المتحدث الرسمي باسم مكتب الاعلام الحربي لـعملية بركان الغضب التابعة للجيش بقيادة الحكومة، عبد المالك المدني، إن "الأصوات التي تُسمع عبارة عن قصف مدفعي عشوائي من مليشيا حفتر باتجاه مختلف المحاور"، لافتا إلى أن أغلبها تتركز في محور اليرموك باتجاه منطقة صلاح الدين.
وكانت شعبة الإعلام الحربي التابعة لحفتر قد أعلنت تنفيذ قوات حفتر لــ"عدد من العمليات العسكرية البرية والجوية على مواقع وتمركزات لقوات الوفاق في محيط العاصمة"، موضحة أنها شنت غارات على مواقع لقوات الجيش في وادي الربيع وتاجوراء وخلة الفرجان وعين زاره.
كما أضافت الشعبة، في بيان صحافي صدر ليل الجمعة، أن تقدم مليشيا حفتر على الأرض شمل السيطرة على منطقتي العمائم والسدرة وأجزاء من منطقة التوغار، مشيرة إلى أنها تستهدف مناطق أوسع من ذلك باتجاه قلب العاصمة.
وأكد المدني أن بيانات قيادة مليشيا حفتر تهدف "إلى إيهام الرأي العام بأنها لا تزال تمتلك القوة وترفع معنويات مقاتليها ومؤيديها".
وبحسب المدني، فإن القصف العشوائي الذي تنفذه الطائرات الداعمة لحفتر أصابت، خلال الساعات الماضية من ليل البارحة، سيارة إسعاف وسيارتين مدنيتين بمنطقة وادي الربيع، ما أدى إلى إصابة شخصين بجروح بسيطة".
من جانبه، يرى الخبير العسكري الليبي، محيي الدين زكري، أن ما يحدث من كثافة الضربات الجوية والقصف العشوائي من جانب حفتر لا يجري بهدف إحراز تقدم جديد، وإنما للمحافظة على مواقعه الحالية.
ويوضح زكري حديثه لــ"العربي الجديد" بالقول "يبدو أن حفتر فقد الكثير من قوته، خصوصا أن هناك مؤشرات تعكس تراجع الدور الروسي، فتصريحات قادة الجيش قلّ فيها بشكل كبير الحديث عن وجود المرتزقة الروس، ويبدو أن حفتر يهدد قوات الجيش بقصف الأحياء المدنية بشكل عشوائي لوقف تقدمها"، مؤكدا أن ما يخشاه حفتر الآن، هو تحول قوات الجيش من الدفاع إلى الهجوم.
أميركا توجه تحذيرا قويا لحفتر
في هذا الصدد، يكشف مصدر برلماني مقرب من حفتر لـ"العربي الجديد"، تلقيه رسالة أميركية تتضمن انزعاجا واضحا من ركونه إلى الجانب الروسي. ويؤكّد المصدر، الذي فضل عدم نشر اسمه، أن الرسالة تتضمن أيضا تحذيرا قويا لحفتر من استمراره في التعاون مع روسيا وإفساح المجال لها لتقوية نفوذها في ليبيا، ولا سيما في الجانب العسكري، من خلال مدّه بالمقاتلين والأسلحة الحديثة.
من جانبه، عبر نائب السفير الأميركي لدى ليبيا، جوشوا هاريس، عن رفض بلاده "محاولات روسيا استغلال الصراع في ليبيا ضد إرادة الشعب الليبي"، وأكد في بيان نشرته السفارة الأميركية على موقعها اليوم السبت، استمرار دعم بلاده لسيادة ليبيا وسلامة أراضيها، مجدداً دعوة بلاده لحفتر لإنهاء الهجوم على طرابلس.
ويرى المحلل السياسي الليبي، عقيلة الأطرش، أن مستجدات الموقف الأميركي في الملف الليبي قد تكون وراء الضغط والحديث المتزايد عن تنامي الوجود الروسي في صفوف حفتر، وتصريحات مسؤولي موسكو تعكس إمكانية تراجعهم عن دعم حفتر عسكريا على الأرض.
ويعتبر الأطرش في حديثه لـ"العربي الجديد" أن دعوة واشنطن وزيري الخارجية والداخلية في حكومة الوفاق لزيارة رسمية، ومن ثم الإعلان عن حوار أمني بين مسؤولي البيت الأبيض وحكومة الوفاق، رسالة واضحة للمتدخلين في ليبيا بضرورة وقف تأثيرهم العسكري.
ويجري وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، ووزير الخارجية محمد سيالة، خلال زيارة رسمية لهما إلى واشنطن، حوارا أمنيا مع الجانب الأميركي منذ يومين.
وبحسب وزارة الداخلية في حكومة الوفاق، في بيان صحافي، فإن لقاءات الوزيرين مع مسؤولين أميركيين، من بينهم مسؤول في مجلس الأمن القومي الأميركي، تناولت تطورات الوضع الأمني والإنساني وكيفية المساعدة على وقف إطلاق النار، واستئناف العملية السياسية وتوطيد سلطة الدولة ومؤسساتها الشرعية، وأهمية العمل على إعداد خطة أمنية تشمل التعاون في برامج التدريب.
ونقل الموقع الرسمي للوزارة عن الجانب الأميركي تأكيده رغبة واشنطن في عودة الحل السياسي ووقف القتال، وتأكيد الجانب الليبي حق حكومة الوفاق في الدفاع عن العاصمة ومشروع الدولة المدنية.
مساع لإنقاذ الوجود الإماراتي بليبيا
في هذه الأثناء، كشف المصدر البرلماني، لـ"العربي الجديد" أن أبوظبي احتضنت، نهاية الأسبوع الماضية، اجتماعا غير معلن ضم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وحفتر ومسؤولين مقربين من حكام أبوظبي لمناقشة سبل إنقاذ الوجود الإماراتي في ليبيا عسكريا وسياسيا، مشيرا إلى أن أبوظبي باتت على قناعة بخسارة المعركة في طرابلس، وتبحث عن وسائل لإنقاذ موقفها إزاء الاجتماع الدولي لوقف الحرب جنوبي طرابلس.
ويؤكد المصدر أن الإمارات وحلفاء دوليين آخرين لحفتر يبحثون عن ضغط للتأثير على قرار وقف القتال الجاري، خلال الاستعداد لعقد قمة برلين، ليكون وقفا للقتال من دون انسحاب أي من القوتين إلى مراكزهما السابقة، للمحافظة على وجود حفتر في مواقعه الحالية داخل أحياء جنوب طرابلس.
ووفقا للأطرش، فإن حلفاء حفتر الإقليميين والدوليين يعيدون رسم خريطة وجودهم في ليبيا بطريقة أخرى، تحفظ وجودهم من خلال تقليل التوتر وتحقيق قدر من التفاهم مع خصومهم، أو على الأقل مع الجانب الأميركي.
ويرى أن "كلمة دولية وشيكة ستصدر في برلين لوضع حل نهائي للأزمة الليبية، وإن لم تتوافق مع مصلحة الليبيين، لكنها بكل تأكيد ستوقف آلة الحرب وسيكون تأثيرها سلبياً بشكل كبير على مشروع حفتر العسكري في ليبيا".