السفيرة هيلي قصدت فيينا "للضغط على الوكالة" حسبما تردد، كي تقوم بعمليات تفتيش عميقة في إيران "تشمل المواقع العسكرية السرية"، بحجة أنها "تحتضن عمليات تخصيب أو أنشطة نووية غير مشروعة". وأتى هذا التحرك في ظلّ احتدام الجدل بين ترامب وفريق الأمن القومي في إدارته، خصوصاً وزير الخارجية ريكس تليرسون، حول الاتفاق النووي مع إيران. وأكد الوزير في تقييمه الدوري، المطلوب رفعه إلى الكونغرس كل ثلاثة أشهر، على قيام طهران بالتزاماتها المطلوبة.
وافق ترامب على مضض مع التلويح بعدم استعداده للموافقة في المرة المقبلة، في تمهيد للانسحاب من الاتفاق تنفيذاً لوعدٍ قطعه في الانتخابات الرئاسية الأميركية العام الماضي. علماً بأن ترامب في حاجة للتعويض عن عجزه عن الوفاء بوعوده الانتخابية الأخرى الكبيرة. فضلاً عن ذلك، فإن ترامب في حاجة إلى موازنة تراجعه عن بعض تعهّداته مثل "الانسحاب من أفغانستان"، من خلال التأكيد على التزامه بهذا التعهّد. هكذا تصرّف أيضاً إزاء اتفاقية باريس للمناخ في يونيو/حزيران الماضي. خطوة سهلة لا تحتاج لموافقة الكونغرس، بل يخاطب بها قاعدته الانتخابية بصرف النظر عن العواقب، وفي ذات الوقت يخاطب بها إسرائيل أيضاً.
ومن هنا بحسب مراقبين، كانت جولة كوشنر في المنطقة لبيع الخروج من الاتفاق النووي إلى الدول التي ترحّب بهذه الخطوة، في مقابل تحصيل موافقتها وممارسة ضغوطها على الجانب الفلسطيني، للقبول بمفاوضات تنتهي بصيغة تسوية ترضى بها إسرائيل. صيغة تكون ترجمة لشعار الحل الذي "يتوافق عليه الطرفان"، وطرحته الإدارة الأميركية لنفض يدها من حلّ الدولتين، الذي تدّعي الإدارة بأنه ينطوي على "انحياز".
تحت هذا الغطاء يجري العمل لتمرير ما يُسمّى بالحلّ الإقليمي، فالرئيس ترامب الذي يعتمد منطق "الصفقة" في السعي لحلّ الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، يعمل على ما يبدو لتوظيف خروجه من الاتفاق النووي مع إيران، لتوظيفه كحافز مزدوج: من جهة لحمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على العودة إلى طاولة المفاوضات، ومن جهة ثانية لحمل العواصم النافذة في المنطقة على مساندته لإنجاز ما يسميه "الحلّ الأخير"، الذي يقول إنه لا يقوى على تحقيقه أحد غيره.
أما السفيرة هيلي فتبحث عن الذرائع لصياغة ملف يساعد ترامب على تسويغ الانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران. وخطابها في الأمم المتحدة المتعلق بهذا الملف، يدور حول هذه المهمة. الكونغرس يرفد مساعيها عبر فرض المزيد من العقوبات على إيران، وكوشنر يستطلع إمكانية تسويق هذا الاحتمال في المنطقة والثمن الأميركي المطلوب لنسف الاتفاق النووي وترتيب مفاوضات مفصّلة على القياسات الإسرائيلية تحت اسم "صفقة القرن".
في هذا الإطار، تحرص الإدارة الأميركية على إشاعة نوع من التفاؤل من خلال الحديث عن "التزام الرئيس ترامب بتحقيق سلام دائم"، وعن أن "هذه المهمة تندرج في قائمة أولوياته". كما تحرص على الترويج لمقولة إن "القيادات الشابة في المنطقة، لديها الطاقة والرغبة في تحدّي المخاطر وأخذ القرارات الكبيرة وإن لقاء العزم الرئاسي مع الإرادة الإقليمية، قادر على ترجمة الإنجاز الموعود". ليبدو الأمر وكأنه عبارة عن عملية حقن موجّهة إلى عواصم معيّنة يبدو أن قابليتها مفتوحة هي الأخرى للمضي بعملية يصورها الرئيس ترامب بحجم تحول تاريخي. لكن الاعتقاد السائد بأن مثل هذا التصور أبعد ما يكون عن الواقع، لا لسبب سوى لأن نتنياهو عازم على تفجير أي محاولة تفاوضية لها حظ في الانتقال إلى حيز التنفيذ.