تحسنت العلاقات التونسية المغربية .. ولكن

04 يونيو 2014

محمد السادس في ضيافة المرزوقي في تونس (Getty)

+ الخط -
تأكد أن الخبر الذي راج، أخيراً، عن حدوث خلاف بين الرئيس التونسي، منصف المرزوقي، وملك المغرب، محمد السادس، عار من الصحة. فالمكتب المكلف في القصر الملكي نفى ذلك، ووصف صحفاً نشرت ذلك بأنها "ذات نوايا مبيتة"، كما نفى عماد الدايمي، الشخص الأول في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، القريب من المرزوقي، حصول خلاف حاد بين الرئيس التونسي والملك بشأن مسألة الصحراء الغربية.
لم تعرف المصادر وراء ترويج الحادثة، التي لم تحصل، ولا الغرض منه، خصوصاً وأن زيارة محمد السادس هي الأولى من نوعها، بعد الثورة التونسية، أي بعد تجاوز حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة، وقد عمل على إضفاء طابع خاص على هذه الزيارة، عندما اصطحب معه ولي عهده، وثمانية وزراء وتسعين من رجال الأعمال، وألقى خطابا في المجلس الوطني التأسيسي، استحسنته الجهات الرسمية، وتم التوقيع على 23 مذكرة واتفاقية تعاون بين البلدين.
مؤكد أنه يلاحظ، اليوم، أن أغلب مكونات الطبقة السياسية التونسية، خصوصاً الذين تحملوا مسؤوليات كبرى في أجهزة الدولة، استوعبوا دروساً عديدة، بعد سلسلة أخطاء كشفت، في السابق، عن وجود قدر واسع من الجهل بثقافة الدولة. ومن هذه الدروس ضرورة الحرص على تحقيق التوازن في علاقة تونس بكل من الجزائر والمغرب، أي أن يكون هناك القدر نفسه من المسافة تجاههما. وهي قاعدة ذهبية، ترسخت عبر ممارسة الدبلوماسية التونسية، منذ قيام الدولة الوطنية، وحرص الحبيب بورقيبة على التمسك بها طوال مرحلة حكمه، حين تجنب، في أغلب الحالات، إدخال تونس في حلبة الاستقطابات الإقليمية، التي طبعت أجواء منطقة المغرب العربي. وكاد بورقيبة أن يفقد حياته وحكمه، عندما افترضت الجزائر أنه مال ضدها، وكشفت حادثة قفصة عن جزء من الخفايا والخلفيات، وهي الحادثة التي ارتبطت بمدينة قفصة، وكان الرئيس بورقيبة في حالة نقاهة، وقامت بها مجموعة تدربت عسكريا في ليبيا، ودخلت تونس بتسهيلات من الجزائر.
بعد الثورة، كادت العلاقات بين تونس والجزائر أن تتوتر، بسبب تصريحات غير موزونة، أدلت بها شخصيات وازنة، مثل رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، سواء التي انتقدت قضية الصحراء الغربية، وهو ما ردت عليه الجزائر بقوة، أو التي توقع فيها انتصار الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية، اعتقادا منه بأن الخمسين سنة المقبلة ستشهد إدارة الإسلاميين السلطة في كامل دول المنطقة.
اليوم، وقد شهد التنسيق الأمني والسياسي، بين تونس والجزائر، درجات عالية، غير مسبوقة، بلغت درجة أن يتوسط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بين الغنوشي وزعيم حزب نداء تونس، الباجي قايد السبسي، وأن يقبلا بدور جزائري فاعل لحل الأزمة السياسية القوية التي اندلعت الصيف الماضي. كل هذا، ومعطيات أخرى، جعل القيادة السياسية في تونس تصبح شديدة الحرص على استضافة ملك المغرب، والذي التقط الرسالة بشكل جيد، وجاء معلنا أن بلاده ترغب في مساعدة تونس على إنجاح مسارها الانتقالي الديمقراطي واستكماله، بشكل سلمي وفعال، كما ثمن النتائج التي انتهى إليها الحوار الوطني في تونس.
المعضلة الرئيسية، التي عجز المرزوقي ومحمد السادس عن تحريكها، والدفع بها خطوة، ولو محتشمة، إلى الأمام، تلك المتعلقة بإخراج اتحاد دول المغرب العربي من غرفة الإنعاش. صحيح أنهما تعرضا، في محادثاتهما، للوضع المزري الذي يقع فيه هذا الهيكل الإقليمي المريض جدا، لكنهما اكتفيا بخطابات حسن النوايا. فمشروع الاتحاد لم يتقدم قيد أنملة، على الرغم من تغير نظامين في ليبيا وتونس، والسبب غياب إرادة سياسية فعلية، لجعل هذا الهيكل قادراً حتى على تنظيم اجتماع قمة. ولكي يتحقق ذلك، يجب أن تكون نقطة البداية عندما يجلس بوتفليقة ومحمد السادس، ويقررا فتح صفحة جديدة بين بلديهما.