يتزامن استعداد البرلمان المصري لمناقشة اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية مع استعدادات سرية مكثفة لتنسيق زيارة للعاهل السعودي الملك، سلمان بن عبد العزيز إلى مصر في يناير/كانون الثاني، أو فبراير/شباط 2017، وذلك بحسب مصادر دبلوماسية مصرية رفيعة المستوى. وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن قرار الحكومة المصرية إحالة الاتفاقية إلى البرلمان تمهيداً لإقرارها، وتسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، "هو بداية تحول إيجابي في العلاقة بين نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي والإدارة السعودية، بعد 3 شهور تقريباً من المشاكل والأزمات، على خلفية تعثر ملف الجزيرتين في ساحات القضاء، وتقارب السيسي مع نظام الرئيس السوري، بشار الأسد برعاية روسية، وتصويته لصالح مشروع روسي بشأن حلب في مجلس الأمن، ثم توقف الإمدادات البترولية السعودية إلى مصر". وتوضح المصادر أن "الحكومة المصرية استبقت بقرارها صدور حكم نهائي غير قابل للطعن من المحكمة الإدارية العليا بمصرية الجزيرتين، وأن تحركها جاء بتنسيق كامل بين بعض الأجهزة الاستخباراتية والدبلوماسية في البلدين خلال الأيام الماضية، بحضور السفير السعودي في القاهرة، أحمد قطان ووزيرة التعاون الدولي، سحر نصر".
وتشير المصادر إلى أن "مقترح زيارة الملك سلمان للقاهرة صدر عن السيسي أولاً، ولاقى ترحيباً من القيادات السعودية، شرط إتمام مسألة تنازل مصر عن الجزيرتين في البرلمان خلال يناير المقبل"، مؤكدة أن هناك لائحة للمساعدات السعودية لمصر بانتظار إصدار الاتفاقية نهائياً ليتم تفعيلها. وتتضمن اللائحة استئناف إرسال الإمدادات البترولية من شركة "أرامكو" السعودية بناء على الاتفاق المبرم بين البلدين في أبريل/نيسان الماضي، بالإضافة إلى ضخ مزيد من الاستثمارات السعودية في مختلف أنحاء مصر، خصوصاً سيناء، ومنح القاهرة مساعدات مالية جديدة لإنعاش الاقتصاد، من دون وضع شروط على استخدامها في أغراض محددة.
وترى المصادر أن من شأن هذه الخطوة أن تؤكد للسعودية جدية مصر في تنفيذ الاتفاق، وفي الوقت ذاته إتاحة فرصة جديدة للتفاوض السياسي حول باقي الموضوعات محل الخلاف بين القاهرة والرياض، وعلى رأسها الدور المصري في اليمن وسورية، وعلاقة السيسي بقوى الإسلام السياسي. وتفسر المصادر الدبلوماسية عودة الاتصالات المصرية السعودية بتعثر تطوير العلاقات بين القاهرة وموسكو حتى الآن، وعدم إتمام أي وعود بشأن عودة الطيران والسياحة الروسية، وكذلك الاتفاق النووي الخاص بمحطة الضبعة، التي كان من المتوقع البدء بتنفيذها في الربع الأخير من العام الماضي، بالإضافة إلى وجود خلافات حول إدارة أموال قرض صندوق النقد الدولي.
ويقول مصدر حكومي في وزارة البترول إن هناك أنباء تداولها الوزراء، بعد ساعات من الاجتماع الأسبوعي للحكومة مساء أول من أمس، ترجح استئناف إرسال الإمدادات السعودية لمصر خلال يناير، أو فبراير على أقصى تقدير، فيما يكشف مصدر آخر في مجلس الوزراء أن هناك خلافاً حول طريقة تعامل مجلس النواب مع الاتفاقية التي أحالتها له الحكومة، موضحاً أن التعليمات الصادرة من مكتب السيسي (الذي يديره اللواء عباس كامل، رأس الدائرة الاستخباراتية-الرقابية المحيطة برئاسة الجمهورية)، تفيد بسرعة إقرار الاتفاقية في البرلمان باعتبارها معاهدة دولية عادية، بينما ترى أجهزة أخرى داخل الدولة أنها ليست معاهدة عادية، بل اتفاقية سيترتب عليها تنازل مصر عن سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير، ما يوجب إجراء استفتاء شعبي قبل اعتماد الاتفاقية. ويوضح المصدر أن هذا الخلاف ستحسمه الأكثرية النيابية المسماة "دعم مصر"، من خلال تصويت على تقرير سيعدّه رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، ووزير الشؤون النيابية، مجدي العجاتي، متوقعاً أن يتم الإسراع أو الإبطاء في إقرار الاتفاقية "حسب حالة التقارب السياسي مع السعودية".
وحول كيفية تعامل الحكومة مع حكم المحكمة الإدارية العليا المتوقع صدوره في 16 يناير/كانون الثاني ببطلان الاتفاقية، يقول المصدر "مهما كانت نتيجة هذا الحكم، فلن يؤثر على سلطة البرلمان في إقرار الاتفاقية أو عدم إقرارها، لأن رئيس مجلس النواب ليس خصماً في القضية. وبالتالي لن يكون للحكم، إذا صدر ببطلان الاتفاقية، محل من التنفيذ، وستصبح الكلمة الأخيرة للبرلمان، ولن يتمكن أحد من الطعن على ما يصدر منه إلّا أمام المحكمة الدستورية العليا". وتقول مصادر حكومية في وزارة العدل إن من فوائد إحالة الاتفاقية إلى البرلمان أن مجلس النواب، إذا وافق على الاتفاقية وأقرها بقانون، فسيكون محظوراً على محكمة القضاء الإداري، أو الإدارية العليا، المضي قدماً في النظر بالقضية، سواء في صورة الطعن المتداول حالياً أو أي دعاوى جديدة، لأن الهيئة القضائية المختصة بمراقبة القوانين هي المحكمة الدستورية العليا، والتي تعتبر في مصر جزءاً أساسياً من السلطة الحاكمة، وهي معروفة ببطء النظر في الدعاوى، ما قد يؤدي إلى تعطيل القضية لشهور أو سنوات. يذكر أن الخلافات المكتومة بين السيسي والسعودية تفجرت علناً، للمرة الأولى، بعد تصويت مصر لصالح مشروعي قرارين متناقضين بشأن الأحداث الدامية في مدينة حلب السورية، أحدهما تبنته فرنسا وإسبانيا، وحظي بقبول السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا، والثاني تبنته روسيا وعارضته جميع الدول المذكورة. وعلقت السعودية إمداداتها البترولية المتعاقد عليها إلى مصر للشهور الثلاثة الماضية. وعزت مصادر سعودية ذلك القرار إلى توجيهات سياسية عليا، ما اضطر القاهرة إلى التباحث مع دول أخرى لتوفير احتياجاتها البترولية.