قرر الرئيس محمود عباس في شهر أيار/ مايو الماضي التحلل من الاتفاقيات مع إسرائيل، المصطلح بدا غريباً ومتعمداً، طبعاً ويظهر عدم الرغبة في الخروج نهائياً من الاتفاقيات، كما عدم بلورة سيناريوهات أو خيارات بديلة والأهم ربما تأكيد عدم امتلاك الإرادة والقدرة على التحلل من الذهنية إلى أدت إلى الاتفاقيات الكارثية نفسها.
للتذكير يتم الحديث عن التحلل من إعلان مبادئ أوسلو والاتفاقيات المنبثقة منه بأبعادها السياسية –الاعتراف المتبادل – والأمنية - التنسيق الأمني - والاقتصادية - اتفاق باريس الاقتصادي - علماً أنها كانت كارثية بكل ما للكلمة من معنى باعتراف أصحابها وعرابيها، وهم أنفسهم ما زالوا في قيادة السلطة حتى الآن لم يستخلصوا العبر ولم يدفعوا الثمن لا سياسياً ولا شخصياً.
طبعاً قرار التحلل في حد ذاته جيد ويظهر إقرارا واعترافا بالخطأ، لكن جزئي وناقص خاصة أننا نتحدث عن رئيس اعتبر في برنامجه الانتخابي الذي فاز على أساسه بالرئاسة – 2005 - أن خياره السياسي هو التفاوض ثم التفاوض ثم التفاوض، وعندما فشل الخيار ولم يؤد إلى نتيجة جدية واصل الرئيس الذي انتهت ولايته وبات مكلفاً تصريف الأعمال فقط طريقه، وكأن شيئاً لم يكن، وانتقل للحديث عن خطوات أحادية والذهاب إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية حتى دون القطع التام مع خيار التفاوض الفاشل.
قرار التحلل من الاتفاقيات صدر عن اجتماع ما توصف بالقيادة الفلسطينية التي تضم أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس ووزراء الحكومة، وشخصيات مستقلة أخرى، وهي هيئة" موسعة جداً - ما بين أربعين إلى خمسين شخصا - غير مهيأة أو مناسبة لاتخاذ القرارات، ولا حتى لإجراء نقاش مرتب ومنظم لأي قضية صغرى أو كبرى، وهي الهيئة نفسها التي قاطعها – عن حق - محمود عباس عندما كان رئيساً للوزراء بحجة أنها ليست دستورية أو ديمقراطية أو مؤسساتية. وتبدو أقرب إلى الاحتفال والمهرجان السياسي الفصائلي منها إلى الهيئة القيادية المنظمة المسؤولة، علماً أنها كانت تعقد آنذاك برئاسة الشهيد ياسر عرفات بكل ما حمله من قيمة ورمزية.
في الاجتماع الهلامي الفضفاض الذي قاطعته حركتا حماس والجهاد الإسلامي سأل ممثل الجبهة الشعبية وكان حضر أصلاً بشكل استثنائي عن أسباب التحلل وليس الإلغاء، كما طرح الأسئلة المنطقية عن صباح اليوم التالي والخيارات والبدائل التي بلورتها أو فكرت بها السلطة فتم إسكاته وقمعه وتهديده، وحتى محاولة الاعتداء الجسدي عليه من قبل حرس الرئيس. هذه الواقعة وحدها تؤكد بما لا يدع أي مجال للشك أنه لم يجر التحلل من الذهنية التي أدت إلى الاتفاقيات الكارثية سيئة الصيت ذهنية الهيمنة والاستئثار والاستبداد والفساد.
بعد الاجتماع – المهرجان - بأيام فقط أعلن وزير خارجية السلطة رياض المالكي عن موافقتها على المشاركة في لقاء وصف بالشخصي يجمع الرئيس محمود عباس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برعاية روسية في موسكو، وهنا يبدو السؤال منطقياً أيضاً كيف يمكن لقيادة قررت التحلل من الاتفاقيات، والقبول بلقاء شخصي دون شروط أو قواعد وأسس واضحة وجدول أعمال جدّي، ناهيك عن فكرة اللقاء نفسها التي تتناقض مع كل ما تدعيه السلطة.
اتضح طبعاً خلال الشهر الماضي عجز قيادة السلطة – والمنظمة - عن امتلاك بدائل وخيارات وتصورات لما بعد قرار التحلل وحتى الحديث عن الانتقال من السلطة إلى الدولة تحت الاحتلال، لا يبدو جدياً ولا يتضمن خطة مرتبة لتكريس هذا الواقع، ناهيك عن القدرة على قيادة عملية تحرير الدولة من الاحتلال من قبل القيادة الهرمة المترهلة الفاشلة التي عجزت عن فعل ذلك خلال العقود الثلاثة الماضية.
إلى ذلك فإن أزمة رواتب الموظفين التي تعانيها السلطة، ثم الفشل والعجز في مواجهة الموجة الثانية لجائحة كورونا، وتحميل الشعب المسؤولية الأساسية في القضيتين يؤكد أننا أمام قيادة غير جادة أو لم تستعد للتحلل من الاتفاقيات، كما ينبغي ناهيك عن التحلل من الذهنية القيادية الفاشلة التي أدت إليها.
أعتقد أيضاً أن التحلل من الذهنية لا الاتفاقيات فقط كان يقتضي الذهاب إلى غزة مباشرة وإبداء الاستعداد لإنهاء الانقسام وتطبيق تفاهمات المصالحة في أقصر مدى زمني ممكن، وهذا كان يستلزم بالضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية تأخذ على عاتقها توحيد المؤسسات، وإنجاز انتخابات رئاسية وتشريعية - وللمجلس الوطني حيثما أمكن - متزامنة أو حتى متعاقبة كان قد دعا إليها أصلاً الرئيس محمود عباس نفسه في سبتمبر/ أيلول الماضي ووافقت عليها حماس وبقية الفصائل بدون تزامن وبتعاقب معقول لكن تمت إزالة الفكرة برمتها عن جدول الأعمال وكأنها لم تكن في تأكيد آخر على عدم التحلل من الذهنية التي أدت إلى الاتفاقيات سيئة الصيت.
فيما يتعلق بغزة المحتلة أيضاً ولو بشكل غير مباشر من قبل إسرائيل لا يبدو التحلل من الاتفاقيات منطقياً في ظل الواقع المعقد الذي فرضه الاحتلال بعد تنفيذ خطة فكّ الارتباط الأحادية واللئيمة – 2005 - ولكن مطلوب أيضاً التحلل من الذهنية التي تتحكم بالسلطة، والتي مثلت أحد عوامل الاقتتال الدامي ثم الانقسام السياسي والجغرافي – 2007 - وبالتالي الواقع المأساوي الذي تعيشه غزة رغم تضحياتها الهائلة، والذهنية التي يجب التحلل منها. هنا هي ذهنية العسكرة وتحويل المقاومة إلى جيش وخوض حرب، بل حروب شبه تقليدية مع إسرائيل سمحت لهذه الأخيرة باستخدام الحد الأقصى من القوة ضدها وإعادتها سنوات، بل عقودا للوراء، علماً أن العسكرة عجزت ليس فقط عن تحرير غزة بشكل كامل، وإنما حتى رفع الحصار عنها، ناهيك عن تحولها إلى عقبة كأداء أمام إنهاء الانقسام والمصالحة.
في كل الأحوال لا فائدة أو جدوى من التحلل من الاتفاقيات والاحتفاظ بنفس الذهنية - الأحادية الاستبداد والفساد - التي أدت إليها، ونحتاج إلى تغيير شامل بجب أن يكون بالضرورة سلميا وديمقراطيا ينتج قيادة جديدة منتخبة وشابة تقطع مع الذهنية، بل الذهنيتين الفاشلتين اللتين تحكمتا بالواقع الفلسطيني خلال العقود الثلاثة الماضية وأوصلتاه إلى ما وصل إليه من عجز وانقسام وتيه رغم استعداد الشعب الفلسطيني الدائم للتضحية من أجل نيل حقوقه الوطنية المشروعة في الاستقلال والسيادة وتقرير المصير.
للتذكير يتم الحديث عن التحلل من إعلان مبادئ أوسلو والاتفاقيات المنبثقة منه بأبعادها السياسية –الاعتراف المتبادل – والأمنية - التنسيق الأمني - والاقتصادية - اتفاق باريس الاقتصادي - علماً أنها كانت كارثية بكل ما للكلمة من معنى باعتراف أصحابها وعرابيها، وهم أنفسهم ما زالوا في قيادة السلطة حتى الآن لم يستخلصوا العبر ولم يدفعوا الثمن لا سياسياً ولا شخصياً.
طبعاً قرار التحلل في حد ذاته جيد ويظهر إقرارا واعترافا بالخطأ، لكن جزئي وناقص خاصة أننا نتحدث عن رئيس اعتبر في برنامجه الانتخابي الذي فاز على أساسه بالرئاسة – 2005 - أن خياره السياسي هو التفاوض ثم التفاوض ثم التفاوض، وعندما فشل الخيار ولم يؤد إلى نتيجة جدية واصل الرئيس الذي انتهت ولايته وبات مكلفاً تصريف الأعمال فقط طريقه، وكأن شيئاً لم يكن، وانتقل للحديث عن خطوات أحادية والذهاب إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية حتى دون القطع التام مع خيار التفاوض الفاشل.
قرار التحلل من الاتفاقيات صدر عن اجتماع ما توصف بالقيادة الفلسطينية التي تضم أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس ووزراء الحكومة، وشخصيات مستقلة أخرى، وهي هيئة" موسعة جداً - ما بين أربعين إلى خمسين شخصا - غير مهيأة أو مناسبة لاتخاذ القرارات، ولا حتى لإجراء نقاش مرتب ومنظم لأي قضية صغرى أو كبرى، وهي الهيئة نفسها التي قاطعها – عن حق - محمود عباس عندما كان رئيساً للوزراء بحجة أنها ليست دستورية أو ديمقراطية أو مؤسساتية. وتبدو أقرب إلى الاحتفال والمهرجان السياسي الفصائلي منها إلى الهيئة القيادية المنظمة المسؤولة، علماً أنها كانت تعقد آنذاك برئاسة الشهيد ياسر عرفات بكل ما حمله من قيمة ورمزية.
في الاجتماع الهلامي الفضفاض الذي قاطعته حركتا حماس والجهاد الإسلامي سأل ممثل الجبهة الشعبية وكان حضر أصلاً بشكل استثنائي عن أسباب التحلل وليس الإلغاء، كما طرح الأسئلة المنطقية عن صباح اليوم التالي والخيارات والبدائل التي بلورتها أو فكرت بها السلطة فتم إسكاته وقمعه وتهديده، وحتى محاولة الاعتداء الجسدي عليه من قبل حرس الرئيس. هذه الواقعة وحدها تؤكد بما لا يدع أي مجال للشك أنه لم يجر التحلل من الذهنية التي أدت إلى الاتفاقيات الكارثية سيئة الصيت ذهنية الهيمنة والاستئثار والاستبداد والفساد.
بعد الاجتماع – المهرجان - بأيام فقط أعلن وزير خارجية السلطة رياض المالكي عن موافقتها على المشاركة في لقاء وصف بالشخصي يجمع الرئيس محمود عباس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برعاية روسية في موسكو، وهنا يبدو السؤال منطقياً أيضاً كيف يمكن لقيادة قررت التحلل من الاتفاقيات، والقبول بلقاء شخصي دون شروط أو قواعد وأسس واضحة وجدول أعمال جدّي، ناهيك عن فكرة اللقاء نفسها التي تتناقض مع كل ما تدعيه السلطة.
اتضح طبعاً خلال الشهر الماضي عجز قيادة السلطة – والمنظمة - عن امتلاك بدائل وخيارات وتصورات لما بعد قرار التحلل وحتى الحديث عن الانتقال من السلطة إلى الدولة تحت الاحتلال، لا يبدو جدياً ولا يتضمن خطة مرتبة لتكريس هذا الواقع، ناهيك عن القدرة على قيادة عملية تحرير الدولة من الاحتلال من قبل القيادة الهرمة المترهلة الفاشلة التي عجزت عن فعل ذلك خلال العقود الثلاثة الماضية.
إلى ذلك فإن أزمة رواتب الموظفين التي تعانيها السلطة، ثم الفشل والعجز في مواجهة الموجة الثانية لجائحة كورونا، وتحميل الشعب المسؤولية الأساسية في القضيتين يؤكد أننا أمام قيادة غير جادة أو لم تستعد للتحلل من الاتفاقيات، كما ينبغي ناهيك عن التحلل من الذهنية القيادية الفاشلة التي أدت إليها.
أعتقد أيضاً أن التحلل من الذهنية لا الاتفاقيات فقط كان يقتضي الذهاب إلى غزة مباشرة وإبداء الاستعداد لإنهاء الانقسام وتطبيق تفاهمات المصالحة في أقصر مدى زمني ممكن، وهذا كان يستلزم بالضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية تأخذ على عاتقها توحيد المؤسسات، وإنجاز انتخابات رئاسية وتشريعية - وللمجلس الوطني حيثما أمكن - متزامنة أو حتى متعاقبة كان قد دعا إليها أصلاً الرئيس محمود عباس نفسه في سبتمبر/ أيلول الماضي ووافقت عليها حماس وبقية الفصائل بدون تزامن وبتعاقب معقول لكن تمت إزالة الفكرة برمتها عن جدول الأعمال وكأنها لم تكن في تأكيد آخر على عدم التحلل من الذهنية التي أدت إلى الاتفاقيات سيئة الصيت.
فيما يتعلق بغزة المحتلة أيضاً ولو بشكل غير مباشر من قبل إسرائيل لا يبدو التحلل من الاتفاقيات منطقياً في ظل الواقع المعقد الذي فرضه الاحتلال بعد تنفيذ خطة فكّ الارتباط الأحادية واللئيمة – 2005 - ولكن مطلوب أيضاً التحلل من الذهنية التي تتحكم بالسلطة، والتي مثلت أحد عوامل الاقتتال الدامي ثم الانقسام السياسي والجغرافي – 2007 - وبالتالي الواقع المأساوي الذي تعيشه غزة رغم تضحياتها الهائلة، والذهنية التي يجب التحلل منها. هنا هي ذهنية العسكرة وتحويل المقاومة إلى جيش وخوض حرب، بل حروب شبه تقليدية مع إسرائيل سمحت لهذه الأخيرة باستخدام الحد الأقصى من القوة ضدها وإعادتها سنوات، بل عقودا للوراء، علماً أن العسكرة عجزت ليس فقط عن تحرير غزة بشكل كامل، وإنما حتى رفع الحصار عنها، ناهيك عن تحولها إلى عقبة كأداء أمام إنهاء الانقسام والمصالحة.
في كل الأحوال لا فائدة أو جدوى من التحلل من الاتفاقيات والاحتفاظ بنفس الذهنية - الأحادية الاستبداد والفساد - التي أدت إليها، ونحتاج إلى تغيير شامل بجب أن يكون بالضرورة سلميا وديمقراطيا ينتج قيادة جديدة منتخبة وشابة تقطع مع الذهنية، بل الذهنيتين الفاشلتين اللتين تحكمتا بالواقع الفلسطيني خلال العقود الثلاثة الماضية وأوصلتاه إلى ما وصل إليه من عجز وانقسام وتيه رغم استعداد الشعب الفلسطيني الدائم للتضحية من أجل نيل حقوقه الوطنية المشروعة في الاستقلال والسيادة وتقرير المصير.