تزامناً مع الهجوم الواسع الذي تنفذه القوات العراقية، منذ فجر أمس الثلاثاء، على مدينة الشرقاط، والبلدات المجاورة لها، على بعد نحو 90 كيلومتراً جنوبي الموصل، بهدف انتزاعها من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، تصاعدت دعوات تقسيم المحافظة الشمالية، التي تضمّ نحو أربعة ملايين مواطن عراقي، من مختلف الطوائف والقوميات. في هذا الصدد، استغلّ زعماء حرب وقادة سياسيون المواقف الأميركية، التي تطالب بتوافق سياسي على "مرحلة ما بعد داعش" في المحافظة، للإعلان عن طلبات تتركز على تجزئة المحافظة إلى أقسام عدة، وفقاً لأسس طائفية وعرقية. وهو ما عدّه مراقبون "خطراً بالغاً وإسفيناً في وحدة أراضي بلاد الرافدين".
في ملف معركة الشرقاط، أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، من مقر إقامته في نيويورك، حيث يشارك بأعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، بعد ساعات على لقائه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عن بدء الهجوم على الشرقاط، وهو الهجوم الثاني من نوعه بعد فشل الهجوم الأول في يوليو/تموز الماضي، من دون تحقيق أي نتيجة.
ووفقاً لمصادر عسكرية عراقية، فإن "الهجوم تشارك فيه ثلاثة ألوية من الجيش العراقي و1400 عنصر من مليشيات الحشد الشعبي، تمثّل ستة فصائل مسلّحة هي: بدر وحزب الله العراقي والعصائب والخراساني والعباس والنجباء، مدعومون بقوات الشرطة الاتحادية ولواء مغاوير واحد، تم تدريبه على يد الأميركيين الشهر الماضي". وأضافت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن "مقاتلات أميركية تغطي سماء المعركة، ونفّذت عشرات الضربات في الساعات الأولى من الهجوم على أسوار المدينة وأحيائها الداخلية، استهدفت مواقع التنظيم وتجمعاته ومنصات صواريخ".
والشرقاط مدينة تاريخية قديمة تعود تسميتها الى كلمة آشورية وهي "آشوركات"، أي "مدينة الذئاب"، وتقع بين ثلاث محافظات عراقية: على بعد 90 كيلومتراً جنوب الموصل، العاصمة المحلية لمحافظة نينوى، و125 كيلومتراً شمال تكريت، عاصمة محافظة صلاح الدين المحلية، و135 كيلومتراً غرب محافظة كركوك، وعاصمتها مدينة كركوك.
وتُعدّ المنطقة مركزاً لمدينة آشور التاريخية، وتضم الموقع الأثري الآشوري، الذي يعود إلى العام 3000 قبل الميلاد، ما يجعل المدينة من أقدم مدن العراق والمنطقة العربية. كما يقطنها نحو نصف مليون نسمة، ينتمون لعشائر عربية، أبرزها شمر والجبور والجميلة واللهيب والعبيد والدليم وغيرهم. وتعرف الشرقاط، أيضاً، باسم مدينة الأدباء والشعراء وتمتاز بطبيعة ساحرة، ويشطرها نهر دجلة إلى قسمين، يطلق على الأول اسم الساحل الأيمن، والثاني الساحل الأيسر. الساحل الأيمن يُشكّل مركز القضاء، والساحل الأيسر يمثل ريف المدينة. مع العلم أن الشرقاط ملاصقة لمدينة الحضر التاريخية المشهورة.
ومع تدفق مزيد من القوات الحكومية ومليشيات الحشد إلى مشارف المدينة، خلال الساعات الأولى من الهجوم، تتوالى الإعلانات الحكومية عن تحقيق انتصارات في تلك المعارك، من دون إرفاقها بتسجيلات مصورة، وعزت الحكومة ذلك إلى سخونة القتال.
ورجّحت مصادر استخبارية عراقية، أن يتم استعادة المدينة في وقت قياسي، خصوصاً بعد تكرار "داعش" سلسلة انسحاباته في المدن بعد الهجمات التي تنفذها القوات العراقية المشتركة والمليشيات بدعم من التحالف الدولي، تجنّباً لخسائر بشرية تلحق بقواته.
في هذا الإطار، كشف مصدر أمني في قيادة عمليات صلاح الدين فضل، لـ"العربي الجديد"، أن "القوات الأمنية تمكنت من تحرير قريتين محاذيتين للشرقاط". وأوضح أن "القوات الأمنية تمكنت من استعادة قرية الامسيحلي، الواقعة جنوب غربي الشرقاط، وقرية الجمسة المجاورة لها، من دون مقاومة تُذكر من داعش"، مرجحاً أن "يتم حسم الموقف في المدينة بسبب الإصرار الأميركي على ذلك".
في سياق التقسيم الإداري في نينوى، أفاد رئيس قائمة التآخي والتعايش في مجلس محافظة نينوى، سيدو جتو، أن "مجلس نينوى (الحكومة المحلية) تلقى طلبات عدة لتحويل مدن في نينوى إلى محافظات مستقلة". وذكر أن مجلس نينوى تلقى طلباً "من مجلس مدينة سنجار أحد أقضية محافظة نينوى، يطالب بدعم تحويل القضاء إلى محافظة". وأضاف أنه "يُنتظر وصول طلب ثانٍ مماثل من الوحدات الإدارية في منطقة سهل نينوى". وبيّن جتو، أن "مجلس محافظة نينوى سيقوم بعد تلقّي تلك الطلبات، بطلب تزويده بمعلومات عن عدد السكان والنواحي والقرى وبُعدها عن مركز المحافظة المقترحة، وسنقوم بدورنا بإحالة الطلب إلى مجلس وزراء الحكومة الاتحادية العراقية، على أن يرفعه إلى البرلمان للمصادقة عليه، أو اتباع طريق آخر، وهو إجراء استفتاء لآراء سكان تلك المناطق، ما إذا كانوا يريدون تحويل مناطقهم إلى محافظة أم لا".
مع العلم أن مساحة محافظة نينوى تبلغ 37.323 كيلومتراً مربعاً، وتشكّل ما نسبته نحو 9.6 في المائة من مساحة العراق. وهي ثالث أكبر محافظة بعد محافظتي الأنبار (32.7 في المائة من مساحة العراق)، والمثنّى (11.9 في المائة). أما بالنسبة لترتيبها لناحية عدد السكان على مستوى العراق، فتحلّ بالمركز الثاني بعد العاصمة بغداد، ويبلغ عددهم وفق إحصاء عام 2009، نحو أربعة ملايين نسمة. وتُعتبر نينوى واحدة من أكثر محافظات العراق تنوعاً بتركيبتها السكانية، وتأتي دعوات تقسيمها كإحدى نتائج وتداعيات وقوعها تحت سيطرة "داعش"، منتصف عام 2014.
في هذا السياق، دافع رئيس حزب بيت نهرين المسيحي، روميو هكاري، عن فكرة استحداث محافظة للمسيحيين والمكوّنات الأخرى بشمال نينوى. مع العلم أن هكاري يقود قوة مسلحة من المسيحيين، تقاتل "داعش" إلى جانب قوات البشمركة الكردية، وكشف لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "نقل رأيه بضرورة استحداث محافظة في مناطق سهل نينوى، التي يشكل المسيحيون نسبة كبيرة من سكانها، إلى وفد أميركي، برئاسة نائب وزير الخارجية، انتوني بلينكن، الذي زار أربيل في 15 سبتمبر/أيلول الحالي". وأضاف هكاري "يجب استحداث محافظة في مناطق سهل نينوى ويجب ربطها بإقليم كردستان لا ببغداد".
أما سكرتير الحركة الآشورية، عضو مجلس النواب العراقي، يونادم كنا، فيبدي خشيته من أن يؤدي تقسيم نينوى واستحداث محافظات جديدة، بينها واحدة على مناطق المسيحيين، إلى وقوع نزاع مع إدارة نينوى ومع بغداد.
وقال كنا في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إنه "يجب احترام رأي وإرادة المواطنين، فربما جاءت النتائج سلبية حين يتم فرض حالة ما كأمر واقع، ويجب ألا تؤدي القرارات التي يتم اتخاذها إلى نزاعات وتحوّل المنطقة إلى ساحة صراعات بين إقليم كردستان وبغداد وإدارة محافظة نينوى".
من جهته، رأى سعيد مموزيني، مسؤول الإعلام في الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البرزاني، في محافظة نينوى، أن "تقسيم محافظة نينوى لا يزال في مرحلة الأفكار التي تطرح للنقاش". ونوّه في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "بالنسبة للحزب الديمقراطي الكردستاني، فمشروعه حول نينوى واضح، ويقوم على أمر واحد، وهو الأخذ برأي المواطنين في أي منطقة يتم اقتراح تحويلها إلى محافظة جديدة، فإن وافق السكان تُستحدث المحافظة، وإن رفضوا ينتهي الأمر".
بدوره، أعلن أحد قيادات ما يعرف بمجلس تحرير مدينة تلعفر (80 كيلومتراً غرب الموصل) فاضل حسين، عن تقديمه مقترح تحويل المدينة ذات الغالبية التركمانية إلى محافظة مستقلة غير تابعة لمحافظة نينوى. وأثارت تلك الدعوات قلق الشارع العراقي الذي بات يعتبر أن مرحلة ما بعد تحرير المحافظة من "داعش" ستكون أسوأ من الحالية، بسبب الصراع الذي يشبه "تقسيم تركة ميت" وفقاً لكلام أحد زعماء العشائر في نينوى، الشيخ محمد العبود. وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هاجس ما بعد التحرير والخوف من مشاريع التقسيم هو أكثر ما يقلق الشارع"، مبيّناً أن "سكان نينوى بمختلف طوائفهم، لا يريدون سوى العيش بسلام، كما كانوا في نفس المحافظة منذ قرون طويلة".
أما النائب منصور البعيجي، فاعتبر أن "أصحاب مشاريع التقسيم كالسرطان"، موضحاً في بيان أمس، أنه "يجب مواجهة التصريحات والدعوات التي تدعو إلى تقسيم المحافظة تحت ذريعة حماية الأقليات بعد تحريرها من داعش". واعتبر أن "من يطالب بالتقسيم اليوم بذريعة حماية الأقليات، هم ذاتهم من سلّموا، بالأمس، تلك المناطق للدواعش". أما النائب هيثم الجبوري، فرأى أن "الذين يريدون تقسيم نينوى بعد تحريرها بحجة حماية الأقليات، يستكملون مشروع داعش"، محذراً من استغلال الوضع الأمني لتنفيذ أجندات".