يمتلك الفيلسوف الألماني فردريرك نيتشه مكانة تخصّه دوناً عن باقي المفكرين، حيث يعتبره معظم الفنانين والكتّاب شاعراً، ويكاد يكون من الأسماء الأساسية في فكر وتجربة أي فنان يستشهد به ويضرب بجنونه مثالاً على العقل والحرية والألم والعبقرية.
في هذا السياق، تأتي تجربة الفنان التركي محمد سنان كوران، في معرض جديد افتتح أمس تحت عنوان "بعد الوفاة" ويتواصل حتى نهاية آب/ أغسطس المقبل، ومن خلاله يعود الفنان إلى العرض مثلما يعود به غاليري "آنا لودل" في إسطنبول، إحدى أبرز الصالات الفنية في المشهد التركي، بعد انقطاع الإغلاق العام الذي سبّبه اجتياح فيروس "كوفيد-19".
يقوم كوران بتجسيد مراحل العقل الثلاث التي تناولها نيتشه في كتابه "هكذا تكلم زرادشت"، فقد تصوّر المفكر الألماني لمراحل العقل والروح ثلاثة نماذج، بدأها من الجمل، فعلى عكس الأغلبية في القطيع ، بعض الناس أقوياء في الروح ويبدأون رحلة روحية لتحقيق الذات قد يكملونها أو لا يكملونها. المرحلة الأولى من تلك الرحلة هي عندما يصبح الإنسان جملاً،، وعلى الرغم من أن هذا المجاز يبدو غريباً، إلا أنه منطقي للغاية. فالجمل هو ناقل ويمثل الروح "القوية" السعيدة لتحمّل الأعباء.
أما المرحلة الثانية فهي الأسد، ففي عزلة الجمل في صحرائه يحدث التحوّل الثاني. ومن أجل تحقيق مصيرها، تحتاج الروح إلى السيطرة على الصحراء ، لتصبح سيد الصحراء من أجل التقاط الحرية. وللقيام بذلك ، يجب على الأسد ، كما يخبرنا نيتشه ، أن يناضل العائق الكبير أمام الحرية الحقيقية.
وفي المرحلة الثالثة يصبح العقل طفلاً، حيث يوجد في حالة متحرّرة من الإبداع واللعب الحر، حالة من البراءة والنسيان، بداية جديدة، حيث يعتقد نيتشه أن الروح الحرة الحقيقية ستشبه الأطفال الذين يلعبون، الذين يكتشفون العالم لأول مرة، دون أن يثقلهم ما حدث من قبل (ومن ثم "النسيان").
في المعرض، يحاول الفنان التركي كوران تسليط الضوء على تحوّلات نيتشه الثلاثة، استناداً إلى فكرة حاجة البشرية إلى العمل والتفكير بشكل مختلف حول مفهوم العمل الجماعي. ويذكّر في أعماله، بحسب بيان المعرض، بـ "أهمية أن يكون الناس معاً وهم لا يزالون على قيد الحياة".
يقول كوران حول معرضه إنه يعمل عليه منذ عام، وكان من المفرض أن يفتتح قبل أزمة كورونا، وبيّن أن التسمية "بعد الوفاة" جاءت من فكرة أن تقدير الفنانين لا يأتي إلا بعد رحيلهم.
في المعرض، أعمال من الرسم والتركيب والنسيج والنحت بالخشب والسيراميك، إلى جانب عرض لوحة جدارية أتاح الفنان للزائرين المشاركة بالإضافة عليها كيفما يشاؤون.
اعتمد الفنان بشكل كبير على الموروث الشرقي المتعلّق بالمنسوجات من جهة، ومن جهة أخرى بالألوان وتنوعها في المنمنات التركية القديمة، وقد وظّف الكثير من تقنيات هذا النوع.