مع إعلانه التخلي عن الاتفاق النووي الموقع مع إيران، يكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد اتخذ الحدّ الأقصى من المواجهة مع أوروبا، خاصة أن الأمر لا يتعلق الآن بإيران فقط ومنعها من أن تصبح قوة نووية، إنما يهدد عالماً من التسلح النووي غير متحكمٍ فيه، ويُنبئ باستقرارٍ هشّ في الشرق الأوسط وضربٍ للتعاملات الاقتصادية الأوروبية مع إيران.
وفي قراءةٍ لخيار ترامب بالتصعيد، يجمع خبراء في العلاقات الدولية على أن هذا التصعيد من حيث المبدأ، لا يخدم، إنما يثير الاضطراب، وأن الرئيس الأميركي لا يزال يخادع ويخيف العالم من عدوانيته، والنتيجة ستكون حلاً وسطاً يمكن لجميع الأطراف التعايش معه بطريقة أو بأخرى.
ويرى هؤلاء الخبراء أن ترامب أراد اعتماد الاستراتيجية ذاتها التي اعتمدها مع كوريا الشمالية، ونقلها لحل النزاعات الأخرى، عبر السير بأقصى قدر من الضغط، وهذا ما يتوضح أيضاً من سياسته التجارية مع الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية، وقد توجت كل هذا التوجهات أخيراً بخروجه من الاتفاق النووي الإيراني، متجاهلاً كافة التحذيرات الأوروبية.
ويبدو واضحاً، بحسب الخبراء، أن ترامب ذهب إلى حدّ الإهانة للمصالح الأوروبية، وهذا ما لم يحصل حتى في عزّ الخلاف الأوروبي - الأميركي حين لم تنضم فرنسا وألمانيا إلى جورج بوش الابن في حرب العراق، إذ بقيت الشراكة بين هذه الأطراف سليمة، من دون أن تهتز أسسها.
ويتخوّف الخبراء أيضاً اليوم من تصاعد الصراع، ووضع ترامب الأوروبيين أمام خيارين، الولايات المتحدة أو إيران، تحت شعار "من ليس معنا فهو ضدنا".
وتواجه أوروبا الآن مهمة دبلوماسية صعبة، تقوم على منع الأميركيين من التصعيد أكثر وتغذية التوتر في العالم، وإقناع الإيرانيين في الوقت ذاته بعدم التخلي عن الاتفاق النووي، لأن البديل هو تعرض نظام مراقبة الأسلحة النووية بأكمله للخطر. ويقع على عاتق أوروبا وروسيا والصين، بحسب الخبراء، إقناع إيران بعدم العودة إلى التسلح النووي.
إلى ذلك، سيكون من الضروري ألا تنسحب الشركات الأوروبية من إيران على الرغم من صعوبة الأمر، بعد التهديدات بتدابير عقابية من قبل واشنطن، والصعوبة التي تواجهها أوروبا في حماية اقتصادها من الانتقام الأميركي، وفي ظلّ عدم الوضوح بعد لمدى أساليب الضغط التي ستحاول الولايات المتحدة اعتمادها لإجبار الأوروبيين على التحالف معها ضد طهران.
وفي هذا الشأن، يرى الخبراء أن الولايات المتحدة تمسك بأوراق ضغط عديدة، اقتصادية وأمنية، بينها التضامن في حلف الناتو. وليس معروفاً كذلك المدى الذي سيعيد فيه ترامب استخدام العقوبات ضد إيران، على الرغم من توضيح وزارة الخزانة الأميركية بأنه ستكون هناك فترة ما بين 90 و180 يوماً للشركات المتأثرة، قبل أن تكون العقوبات سارية المفعول بالكامل.
وفي السياق، يشدّد خبراء في الشؤون الأوروبية على ضرورة أن توظف أوروبا علاقاتها وتحالفاتها الدولية بمهارة دبلوماسية، عملاً بقناعة راسخة بأنها لا تشترك في قضية تضر بمصالحها وتهدد السلام العالم، مبرزين أنه إذا كان باعتقاد رجل ترامب ومستشاره للأمن القومي، جون بولتون، أن تغيير السلطة في إيران يحقق الهدف الاستراتيجي الصحيح للولايات المتحدة، وأنه بفعل الضغوط الاقتصادية والسياسية سينهار النظام في طهران، فهذا الأمر بات غير قابل للتحقق ولن ينجح، فالعقوبات السابقة لم تؤثر إلا على الشعب الإيراني حينها، وهو صمد، وكان معارضو النظام يلقون باللوم على حكومتهم التي جلبت لهم تلك المعاناة.
أما اليوم، فيرى الخبراء أن ترامب هو المسؤول الوحيد عما يحصل في إيران، بنظر الشعب الإيراني، وسيكون هناك التفاف شعبي حول النظام، وسخرية من كلام رئيس الولايات المتحدة بأن الشعب الأميركي يقف إلى جانب الشعب الإيراني.
من جهة ثانية، يرى خبراء اقتصاديون أنه من المهم عدم نسيان أن ترامب ليس سياسياً إنما رجل أعمال، ولهذا السبب يتحدّث دائماً عن صفقات، معتبرين أن التصعيد مع إيران يفيد الرئيس الأميركي اقتصادياً.
وفي هذا الإطار، يوضح هؤلاء الخبراء أن الولايات المتحدة تنتج الآن نفطاً أكثر من السعودية بمعدل 10.6 ملايين برميل في اليوم، وأصبحت في السنوات الأخيرة أكبر منتج للنفط في العالم، ولذلك فإن العقوبات الجديدة على إيران ستحدّ بشكل كبير من صادرات النفط الإيرانية وتضرّ بتطوير صناعة النفط والغاز في طهران، وبالتالي يمكن للولايات المتحدة أن تتطلع إلى الاستفادة من ارتفاع الأسعار وحصة سوقية أعلى، وأن تعزّز صادراتها من الأسلحة إلى الأسواق الخليجية، بما يمكن تسميته "توازن الرعب".
هكذا، يرى خبراء الاقتصاد أن الخشية من الخسائر تبقى حكراً على الشركات الأوروبية التي تعمل في الولايات المتحدة، وتملك في الوقت ذاته علاقات تجارية مع إيران، وهو أمرٌ شدد عليه وزير الخارجية الألماني مايكو ماس في حديث تلفزيوني، اليوم الأربعاء، موضحاً أن الاتفاق لم ينته بعد ولا يمكن اعتباره ميتاً، فكل الدول الاوروبية وإيران أرادت الالتزام به.
وقال ماس: "سنحاول الحفاظ على الاتفاق المهم الذي سيزيد الأمن في الشرق الأوسط ويجعل العالم أكثر أماناً"، مع تأكيده أهمية معالجة دور إيران في سورية.