قبل نحو ست سنوات، ترك كيبي أمادو (30 عاماً) ضواحي العاصمة السنغالية داكار وأتى إلى أكادير (وسط غرب المغرب) ليلعب مع فريق "فاتزكان" المحلي لكرة القدم. بعدها، انتقل إلى صفوف فريق "مولاي إسماعيل" في مكناس (شمال)، لينضم من ثم إلى اتحاد طنجة (شمال) ويتركه قبل نحو ستة أشهر. لكنّ ثمة اهتماماً آخر لأمادو، فهو فتح مطعماً سنغالياً في عام 2013، في سوق الداخل في طنجة لتأمين الطعام للمهاجرين الفقراء وتشجيع الناس على التضامن مع هؤلاء.
في الماضي، لم تكن الفكرة لتخطر على باله. كان اهتمامه ينصب على كرة القدم. لكن بعد وصوله إلى طنجة، عمل لصالح منظمة "كاريتاس" الإسبانية. وأتى المطعم على خلفية عمله مع المنظمة. يقول: "التقيت يوماً بأحد السنغاليين المهاجرين. لم يكن يعرف الإسبانية، فرافقته إلى مقر المؤسسة. هناك، قابلت المدير ونقلت له طلب المهاجر، فاختارني للعمل معهم في قسم التواصل والإدماج لمعرفتي بأوضاع المهاجرين ولإتقاني اللغتين الإسبانية والسنغالية".
قبل الانضمام إلى "كاريتاس"، كان المهاجرون يوقفون أمادو في الطريق ويطلبون منه المال أو المساعدة بصفته لاعباً. هم كانوا يظنون أنه يملك المال. بعدها، بدأ أمادو يدرك النسبة الكبيرة للمهاجرين الوافدين إلى طنجة يوماً بعد يوم. يقول: "كلهم يودّون العبور إلى أوروبا، بحثاً عن الحرية".
في البداية، كان المطعم عبارة عن بسطة صغيرة في الشارع، وكانت الطاهية إيمي ديديو مع مساعدة لها تعدان الطعام في بيت أمادو وتحملانه إلى الشارع. هناك، يحصل الجائع على ما يملأ بطنه. وبعد أسبوع فقط، تمكن أمادو من استئجار مكان أوسع، تحوّل لاحقاً إلى ملتقى لتشارك الثقافات، ونال في الوقت نفسه إشادة طيّبة بالمطبخ السنغالي الأفريقي. ويستطيع قاصد المطعم أن يشتري وجبة لقاء 2.5 يورو (2.9 دولار أميركي) أو يحصل عليها مجاناً. كذلك، يمكن شراء وجبة أخرى بالثمن نفسه، لأي معوز.
مع مشروعه هذا، أصبح أمادو أكثر قرباً من المهاجرين واطلاعاً على أوضاعهم المأساوية.
يقول: "بدأت بمساعدة الأفارقة من خلال تأمين علاجهم بالمشافي وتسهيل بعض الإجراءات. كذلك تمكّنت من حلّ نزاعات نشبت بينهم وبين المغاربة، لأنني أتقن اللغة الدارجة". ويشرح أن "الظروف في طنجة حالياً قاسية. في الرباط والدار البيضاء، نجد الناس أكثر انفتاحاً وقبولاً للآخر. لكن في طنجة، لا يتقبّلون الغرباء بسرعة. المهاجرون لا يعيشون حياتهم بحرية، فلا نجدهم مثلاً يتناولون الشاي إلا في مقاه معدودة. أما مطعمي فهو متاح لأي كان. يمكن للمرء أن يجلس فيه ويتناول الطعام ويدفع بدلاً أو يحصل عليه مجاناً. كذلك يستطيع التعرّف إلى أصدقاء جدد. هو نوع من التضامن وليس من أجل كسب المال، ويهدف أيضاً إلى إنهاء العنصرية".
يمكن للمرء أن يلتقي بأمادو وهو يرقص في أحد ملاهي المدينة الليلية، أو في السينما مع مجموعة من الأجانب. يقول: "أعيش حياة جيدة في طنجة. الأمر يعتمد عليك شخصياً وليس على المكان الذي تسكنه. أستطيع إدماج نفسي بأي محيط. وإذا اهتم المرء بما يقوم به أو يقوله مَن حوله، فإنه لن يتقدم خطوة إلى الأمام ولن يؤسس لحياته". ويتابع: "لون بشرتي أسود، وأنا أعيش في المغرب. لماذا عليّ أن أعيش حزيناً، وأتوقّف عند الكلام المسيء. تعلمت لغات عدة وهذا ربحي. أنا لا أؤمن بالمستقبل، بل باللحظة الراهنة. لذلك علينا الاستمتاع وعدم الالتفات إلى التفاهات. العنصرية موجودة في كل مكان". وقد أتاحت له طنجة فرصة التعرّف إلى أشخاص من جنسيات مختلفة. يخبر: "أنا أعيش في القصبة، جيراني إيطاليون وألمان وفرنسيون وأميركيون. الوقت يتغيّر، لذلك أنا أحب طنجة وهي مختلفة عن أكادير ومكناس، وقد ساعدتني في إتقان لغات عدة. هذه المدينة ممتعة".
ويخطط أمادو أخيراً للهجرة إلى برلين، "المدينة التي أحب، والتي تُلغى فيها الفروقات الاجتماعية والإثنية كلها. ألمانيا هي الدولة البديلة التي تختفي فيها ألوان البشرة. هناك حرية".
اقرأ أيضاً: ألف مهاجر أفريقي خارج طنجة