قبل 32 عاماً، اضطر الحاج الفلسطيني محمد العبوشي، إلى اقتلاع أشجار الحمضيات التي كانت تملأ جنبات الحي الشرقي من مدينة جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، على مساحة تقدر بنحو 100 دونم، لما شكلته تلك البساتين من عبء مادي وقع على عاتق أسرته.
يقول ظافر العبوشي، نجل الحاج محمد، لـ"العربي الجديد": "لن أعود للزراعة مرة أخرى، لم أجرب قساوة العيش إلا حينما كنت مزارعًا". في الوقت الحالي، يمتلك ظافر العبوشي وأشقاؤه صالة للأفراح ومتنزهًا ومسبحًا، كبديل لعملهم في الزراعة، سواء الشجرية منها أو المحاصيل القثائية، ضمن أراضي سهول مرج بن عامر التاريخي والممتد شمال فلسطين المحتلة.
يقول العبوشي: "سلطات الاحتلال قررت ضرب المزارع الفلسطيني، مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وبدأت بإرفاد السوق الفلسطينية بحمضيات ومزروعات أخرى بأرخص الأثمان، وهو ما لم يستطع المزارع الفلسطيني منافسته لأنه غير مدعوم مقارنة بالمزارع الإسرائيلي، ما اضطر كثيرين منهم إلى ترك مزارعهم والعمل داخل الخط الأخضر أو العيش دون مستوى الحياة المطلوبة".
اقرأ أيضا: مسلّم.. من حياة المستوطنة إلى الإعدام على يد "داعش"
الجنة تلاشت بفعل الاحتلال
عبر جولة في الحقول الزراعية المحيطة بمدينة جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، والممتدة ضمن سهول مرج بن عامر في فلسطين المحتلة عام 1948، وثق كاتب التحقيق، الفرق الشاسع بما كانت عليه الأراضي الزراعية وما هي عليه الآن، إذ أصبحت المساحات الزراعية ضحلة، فيما تبدو حقول مرج بن عامر التي كانت مزروعة بالأشجار والخضروات والمحاصيل القثائية أرضاً قاحلة ومتفرقة الزراعة وتتوزع فيها المباني الحديثة، بعدما كانت جنة تشقها الينابيع، وتزينها حقول الحمضيات والنخيل.
وتبلغ مساحة مرج بن عامر بشكل إجمالي 250 ألف دونم، ممتدة من سفوح جبال الكرمل والجليل شمالي فلسطين التاريخية، إلى المنطقة الجنوبية من محافظة جنين، ومن منطقة إكسال شرقًا إلى منطقة عارة وعرعرة في المثلث الفلسطيني غربًا، لكن إسرائيل اقتطعت نحو 75 في المائة من تلك المساحة، بعد احتلالها فلسطين في عام 1948.
اشتهر مرج بن عامر قديمًا وقبيل احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية عام 1948، بزراعة القمح وأطلق عليه سلة "خبز فلسطين"، كونه مصدرًا أساسيًا للقمح في المحافظات الفلسطينية إذ كان يزرع المرج بنحو 135 ألف دونم سنويًا، لكن ما تبقى من مساحته البالغة 28 ألف دونم بعد أن سيطرت إسرائيل على غالبية مساحاته، لم تعد كما كانت في السابق وتتنوع فيها المزروعات حاليًا.
اقرأ أيضا: "العربي الجديد" يكشف..آلة ابتزاز الفلسطينيين في جيش الاحتلال الإسرائيلي
محاصيل كادت أن تختفي
في الوقت الحالي تراجعت المحاصيل الحقلية في مرج بن عامر، بينما ازدادت إنتاجية زراعات الخضار نظرًا لاستغلال المساحات الزراعية بأكبر كمية زراعة ممكنة في الدونم الواحد، وخصوصاً الزراعات المحمية في بيوت بلاستيكية.
ووفقاً لما وثقه "العربي الجديد"، فإن السبب الأهم في تراجع الزراعة الفلسطينية في المرج، هو سيطرة سلطات الاحتلال على الأحواض المائية ومصادر المياه الفلسطينية حتى بعد توقيع اتفاقية أوسلو بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في عام 1993، وتحكم الاحتلال بالمياه، وخصوصاً في المناطق المصنفة ج، إضافة إلى عدم السماح بإنشاء آبار جديدة.
25 ينبوعًا طبيعيًا كانت تنتشر في سهول مرج بن عامر في جنين جفت جميعها، بسبب الاستنزاف الزائد من الآبار للحوض الجوفي السفلي، وبسبب تذبذب سقوط الأمطار، علاوة على سيطرة إسرائيل على الأحواض المائية.
يؤكد مدير زراعة جنين، وجدي بشارات، لـ"العربي الجديد" أن وحدة الإنتاجية في المساحة المتبقية من مرج بن عامر قد تضاعفت: "ازدادت الزراعات المحمية إلى 15 ألف دونم بعد أن كانت أربعة آلاف دونم، وزادت نسبة زراعة بعض المحاصيل مقارنة مع السابق، في ما قلّ إنتاج بعض الأصناف، نظرًا لعدم الجدوى الاقتصادية منها". وتنفرد جنين ضمن ما تبقى من سهول مرج بن عامر، في الوقت الحالي، بإنتاج الفريكة، وهي قمح أخضر يتم شواؤه، وتجفيفه ليستخدم في صناعة أكلة تسمى الفريكة.
وبدأت وزارة الزراعة الفلسطينية وبالتعاون مع عددٍ من المؤسسات الدولية الشريكة، باستصلاح أراضٍ جديدة وزراعتها بالأشجار المثمرة، في مرج بن عامر، على أمل أن تسد جنين حاجتها من الفواكه والحمضيات بدلاً من استيرادها من إسرائيل، إذ كانت جنين مزروعة بنحو أربعة آلاف دونم من الحمضيات، فيما تقدر اليوم، وفقاً لإحصائيات وزارة الزراعة، بنحو 500 دونم.
اقرأ أيضا: بالفيديو.. مفاعل ديمونا.. تسرُّب إشعاعي يقتل أهل الخليل
مبانٍ تلتهم أراضي المرج
عبر جولة في أراضي مرج بن عامر، وثق كاتب التحقيق، غزو مباني سكنية وشركات ومؤسسات صحية خاصة وحكومية، بعضها وفرت لها بعض الهيئات المحلية خدمات الكهرباء، لتلتهم تلك المباني أراضي مرج بن عامر وتزحف باتجاه السهول، ما أثر سلبًا على مساحاته، على الرغم من تأكيداتٍ لوزارة الزراعة الفلسطينية عدم منحها أيّ تراخيص للبناء هناك.
مدير الزراعة في جنين، وجدي بشارات، شدد في حديثه لـ"العربي الجديد"، على ضرورة إيجاد عقوبة رادعة لمن اعتدى على أراضي السهول ومن وفر الخدمات له، لأن ما يجري تعدى سوء التخطيط، بل هو إجرام بحق أراضي المرج.
البناء وحده لم يكن السبب في الحد من توسع الزراعة في أراضي المرج، إذ يقول مدير وزارة الحكم المحلي في جنين، رائد مقبل، لـ"العربي الجديد" إن "إجراءات الاحتلال حدّت كثيرًا من الزراعة في المرج أيضًا"، مشددًا على ضرورة توعية وتثقيف المواطن الفلسطيني بأهمية عدم البناء في أراضي المرج، وتشجيعه على التوجه للبناء في المناطق الجبلية.
وبين مقبل أن كثيراً من الحالات التي رصدت في البناء الممنوع في السهل قد أحيلت للقضاء الفلسطيني من أجل النظر فيها، لكنها معلقة منذ سنوات، وهو ما يتطلب تطوير القانون بما يتلاءم مع ردع كل من يخالف هذا القانون.
اقرأ أيضا: بنك الجلد الإسرائيلي: جثامين الشهداء في خدمة القاتل
محاولات الحفاظ على الأراضي الزراعية
في عام 2012 صادق مجلس الوزراء الفلسطيني، على "المخطط الهيكلي المكاني" والذي تتابعه لجنة مختصة، بحيث يُحدد استخدامات الأراضي عالية القيمة ومنع البناء عليها، باستثناء السماح لحالات بناء ضمن المصلحة الوطنية العليا ولا يسمح لأي جهة الموافقة على البناء سوى قرار من مجلس الوزراء الفلسطيني.
وعلى الرغم من تشكيل اللجنة التي تتابع المخطط، وثقت "العربي الجديد"، وجود أبنية مؤسسات أهلية، وحتى حكومية، تعدت على أراضي المرج في جنين، على الرغم من أنه كان بالإمكان إقامة تلك الأبنية في الجبال. يؤكد مدير مشروع المخطط المكاني، أحمد صالح لـ"العربي الجديد"، أنه كان ينبغي الدراسة المتأنية قبل السماح بإقامة تلك المباني"، ويتفق معه مدير الحكم المحلي في جنين، رائد مقبل، قائلاً: "الوزارة عممت على كافة الهيئات المحلية بعدم السماح بتوفير الخدمات وتسهيل البناء في الأراضي الزراعية، ومن يخالف توضع قضيته أمام مجلس الوزراء".
وقبل المصادقة على المخطط المكاني، لم يكن مرج بن عامر يخضع لضوابط ومحددات، لكن المخطط صنف أراضيه أراضيَّ محمية، وكان الأمر متروكًا ضمن موافقة وزارة الزراعة الفلسطينية، "لكن المشكلة تتمثل في عدم وجود صلاحية لدى وزارة الزراعة الفلسطينية في جنين أو قوة تنفيذية توقف البناء وتنفذ الهدم، على الرغم من أن الهيئات المحلية مخولة بتنفيذ قرارات الهدم، وهو ما لم يتم، حتى بعد المصادقة على المخطط"، وفق ما أكده زراعة جنين لـ"العربي الجديد".
اقرأ أيضا: "العربي الجديد" تخترق عصابة صهيونية تستهدف الفلسطينيين
تزايد التعدي على أراضي المرج
قبل إقامة السلطة الفلسطينية في عام 1994، سعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ومن خلال الإدارة المدنية التابعة لها، إلى توسيع مخطط حدود بلدية جنين باتجاه السهول، لكن الأمر الصادم أن نسبة المخالفات الأكبر للبناء تمت في ظل وجود السلطة الفلسطينية، وفق ما يؤكده مدير مشروع المخطط المكاني، أحمد صالح لـ"العربي الجديد".
ويشير صالح إلى أن ما تبقى من مساحة مرج بن عامر في منطقة جنين شهد تعديًا كبيراً، حيث خسر المرج ما نسبته 10 في المائة من مساحته في الأبنية، بواقع 2300 دونم، بعكس ما كان أيام الاحتلال، إذ لم تتم مخالفات في التعدي على أراضي المرج آنذاك.
ويشدد المسؤول الفلسطيني صالح، على أن سوء التخطيط في البناء كان له الدور الأكبر في التعدي على أراضي المرج، إضافة إلى عدم تنفيذ العقوبات المقررة قانوناً في حق المعتدين، على الرغم من أن القانون يخول الجهات المختصة بإمكانية الهدم أو الحبس أو الغرامات.
ويرى صالح أن محاولات التوعية وحدها لا تكفي للحفاظ على أراضي المرج، بل يجب إنفاذ العقوبات، خصوصاً بعد المصادقة على المخطط المكاني، إذ توجد حاليًا بعض القضايا تتعلق بالتعدي على المرج، موضحًا أن انخفاض تكاليف البناء في السهول لسهولة الحفر، تدفع كثيرين للتوجه للسهول بدلاً من الجبال من أجل تعمير منشآتهم.
"سوء التقدير والتخطيط"، أكده، أيضًا، عضو اللجنة الفنية المصغرة للمخطط الوطني جهاد ربايعة، واصفاً ما حدث في تصريحات لـ"العربي الجديد"، "ما حصل هو سوء تقدير، لكنه بالنهاية تم وفق القانون المعمول به".
وبينما تظل المباني التي تعدى أصحابها على أراضي المرج قبل المصادقة على المخطط قائمة، فإن إخلاءها وتعويض أصحابها بحاجة لجهد كبير ودعم مالي، وهو ما لا تستطيع الحكومة الفلسطينية فعله حاليًا، وفق ما اختتم به ربايعة.
يقول ظافر العبوشي، نجل الحاج محمد، لـ"العربي الجديد": "لن أعود للزراعة مرة أخرى، لم أجرب قساوة العيش إلا حينما كنت مزارعًا". في الوقت الحالي، يمتلك ظافر العبوشي وأشقاؤه صالة للأفراح ومتنزهًا ومسبحًا، كبديل لعملهم في الزراعة، سواء الشجرية منها أو المحاصيل القثائية، ضمن أراضي سهول مرج بن عامر التاريخي والممتد شمال فلسطين المحتلة.
يقول العبوشي: "سلطات الاحتلال قررت ضرب المزارع الفلسطيني، مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وبدأت بإرفاد السوق الفلسطينية بحمضيات ومزروعات أخرى بأرخص الأثمان، وهو ما لم يستطع المزارع الفلسطيني منافسته لأنه غير مدعوم مقارنة بالمزارع الإسرائيلي، ما اضطر كثيرين منهم إلى ترك مزارعهم والعمل داخل الخط الأخضر أو العيش دون مستوى الحياة المطلوبة".
اقرأ أيضا: مسلّم.. من حياة المستوطنة إلى الإعدام على يد "داعش"
الجنة تلاشت بفعل الاحتلال
عبر جولة في الحقول الزراعية المحيطة بمدينة جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، والممتدة ضمن سهول مرج بن عامر في فلسطين المحتلة عام 1948، وثق كاتب التحقيق، الفرق الشاسع بما كانت عليه الأراضي الزراعية وما هي عليه الآن، إذ أصبحت المساحات الزراعية ضحلة، فيما تبدو حقول مرج بن عامر التي كانت مزروعة بالأشجار والخضروات والمحاصيل القثائية أرضاً قاحلة ومتفرقة الزراعة وتتوزع فيها المباني الحديثة، بعدما كانت جنة تشقها الينابيع، وتزينها حقول الحمضيات والنخيل.
اشتهر مرج بن عامر قديمًا وقبيل احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية عام 1948، بزراعة القمح وأطلق عليه سلة "خبز فلسطين"، كونه مصدرًا أساسيًا للقمح في المحافظات الفلسطينية إذ كان يزرع المرج بنحو 135 ألف دونم سنويًا، لكن ما تبقى من مساحته البالغة 28 ألف دونم بعد أن سيطرت إسرائيل على غالبية مساحاته، لم تعد كما كانت في السابق وتتنوع فيها المزروعات حاليًا.
اقرأ أيضا: "العربي الجديد" يكشف..آلة ابتزاز الفلسطينيين في جيش الاحتلال الإسرائيلي
محاصيل كادت أن تختفي
في الوقت الحالي تراجعت المحاصيل الحقلية في مرج بن عامر، بينما ازدادت إنتاجية زراعات الخضار نظرًا لاستغلال المساحات الزراعية بأكبر كمية زراعة ممكنة في الدونم الواحد، وخصوصاً الزراعات المحمية في بيوت بلاستيكية.
ووفقاً لما وثقه "العربي الجديد"، فإن السبب الأهم في تراجع الزراعة الفلسطينية في المرج، هو سيطرة سلطات الاحتلال على الأحواض المائية ومصادر المياه الفلسطينية حتى بعد توقيع اتفاقية أوسلو بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في عام 1993، وتحكم الاحتلال بالمياه، وخصوصاً في المناطق المصنفة ج، إضافة إلى عدم السماح بإنشاء آبار جديدة.
25 ينبوعًا طبيعيًا كانت تنتشر في سهول مرج بن عامر في جنين جفت جميعها، بسبب الاستنزاف الزائد من الآبار للحوض الجوفي السفلي، وبسبب تذبذب سقوط الأمطار، علاوة على سيطرة إسرائيل على الأحواض المائية.
يؤكد مدير زراعة جنين، وجدي بشارات، لـ"العربي الجديد" أن وحدة الإنتاجية في المساحة المتبقية من مرج بن عامر قد تضاعفت: "ازدادت الزراعات المحمية إلى 15 ألف دونم بعد أن كانت أربعة آلاف دونم، وزادت نسبة زراعة بعض المحاصيل مقارنة مع السابق، في ما قلّ إنتاج بعض الأصناف، نظرًا لعدم الجدوى الاقتصادية منها". وتنفرد جنين ضمن ما تبقى من سهول مرج بن عامر، في الوقت الحالي، بإنتاج الفريكة، وهي قمح أخضر يتم شواؤه، وتجفيفه ليستخدم في صناعة أكلة تسمى الفريكة.
وبدأت وزارة الزراعة الفلسطينية وبالتعاون مع عددٍ من المؤسسات الدولية الشريكة، باستصلاح أراضٍ جديدة وزراعتها بالأشجار المثمرة، في مرج بن عامر، على أمل أن تسد جنين حاجتها من الفواكه والحمضيات بدلاً من استيرادها من إسرائيل، إذ كانت جنين مزروعة بنحو أربعة آلاف دونم من الحمضيات، فيما تقدر اليوم، وفقاً لإحصائيات وزارة الزراعة، بنحو 500 دونم.
اقرأ أيضا: بالفيديو.. مفاعل ديمونا.. تسرُّب إشعاعي يقتل أهل الخليل
مبانٍ تلتهم أراضي المرج
عبر جولة في أراضي مرج بن عامر، وثق كاتب التحقيق، غزو مباني سكنية وشركات ومؤسسات صحية خاصة وحكومية، بعضها وفرت لها بعض الهيئات المحلية خدمات الكهرباء، لتلتهم تلك المباني أراضي مرج بن عامر وتزحف باتجاه السهول، ما أثر سلبًا على مساحاته، على الرغم من تأكيداتٍ لوزارة الزراعة الفلسطينية عدم منحها أيّ تراخيص للبناء هناك.
مدير الزراعة في جنين، وجدي بشارات، شدد في حديثه لـ"العربي الجديد"، على ضرورة إيجاد عقوبة رادعة لمن اعتدى على أراضي السهول ومن وفر الخدمات له، لأن ما يجري تعدى سوء التخطيط، بل هو إجرام بحق أراضي المرج.
البناء وحده لم يكن السبب في الحد من توسع الزراعة في أراضي المرج، إذ يقول مدير وزارة الحكم المحلي في جنين، رائد مقبل، لـ"العربي الجديد" إن "إجراءات الاحتلال حدّت كثيرًا من الزراعة في المرج أيضًا"، مشددًا على ضرورة توعية وتثقيف المواطن الفلسطيني بأهمية عدم البناء في أراضي المرج، وتشجيعه على التوجه للبناء في المناطق الجبلية.
وبين مقبل أن كثيراً من الحالات التي رصدت في البناء الممنوع في السهل قد أحيلت للقضاء الفلسطيني من أجل النظر فيها، لكنها معلقة منذ سنوات، وهو ما يتطلب تطوير القانون بما يتلاءم مع ردع كل من يخالف هذا القانون.
اقرأ أيضا: بنك الجلد الإسرائيلي: جثامين الشهداء في خدمة القاتل
محاولات الحفاظ على الأراضي الزراعية
في عام 2012 صادق مجلس الوزراء الفلسطيني، على "المخطط الهيكلي المكاني" والذي تتابعه لجنة مختصة، بحيث يُحدد استخدامات الأراضي عالية القيمة ومنع البناء عليها، باستثناء السماح لحالات بناء ضمن المصلحة الوطنية العليا ولا يسمح لأي جهة الموافقة على البناء سوى قرار من مجلس الوزراء الفلسطيني.
وعلى الرغم من تشكيل اللجنة التي تتابع المخطط، وثقت "العربي الجديد"، وجود أبنية مؤسسات أهلية، وحتى حكومية، تعدت على أراضي المرج في جنين، على الرغم من أنه كان بالإمكان إقامة تلك الأبنية في الجبال. يؤكد مدير مشروع المخطط المكاني، أحمد صالح لـ"العربي الجديد"، أنه كان ينبغي الدراسة المتأنية قبل السماح بإقامة تلك المباني"، ويتفق معه مدير الحكم المحلي في جنين، رائد مقبل، قائلاً: "الوزارة عممت على كافة الهيئات المحلية بعدم السماح بتوفير الخدمات وتسهيل البناء في الأراضي الزراعية، ومن يخالف توضع قضيته أمام مجلس الوزراء".
وقبل المصادقة على المخطط المكاني، لم يكن مرج بن عامر يخضع لضوابط ومحددات، لكن المخطط صنف أراضيه أراضيَّ محمية، وكان الأمر متروكًا ضمن موافقة وزارة الزراعة الفلسطينية، "لكن المشكلة تتمثل في عدم وجود صلاحية لدى وزارة الزراعة الفلسطينية في جنين أو قوة تنفيذية توقف البناء وتنفذ الهدم، على الرغم من أن الهيئات المحلية مخولة بتنفيذ قرارات الهدم، وهو ما لم يتم، حتى بعد المصادقة على المخطط"، وفق ما أكده زراعة جنين لـ"العربي الجديد".
اقرأ أيضا: "العربي الجديد" تخترق عصابة صهيونية تستهدف الفلسطينيين
تزايد التعدي على أراضي المرج
قبل إقامة السلطة الفلسطينية في عام 1994، سعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ومن خلال الإدارة المدنية التابعة لها، إلى توسيع مخطط حدود بلدية جنين باتجاه السهول، لكن الأمر الصادم أن نسبة المخالفات الأكبر للبناء تمت في ظل وجود السلطة الفلسطينية، وفق ما يؤكده مدير مشروع المخطط المكاني، أحمد صالح لـ"العربي الجديد".
ويشدد المسؤول الفلسطيني صالح، على أن سوء التخطيط في البناء كان له الدور الأكبر في التعدي على أراضي المرج، إضافة إلى عدم تنفيذ العقوبات المقررة قانوناً في حق المعتدين، على الرغم من أن القانون يخول الجهات المختصة بإمكانية الهدم أو الحبس أو الغرامات.
ويرى صالح أن محاولات التوعية وحدها لا تكفي للحفاظ على أراضي المرج، بل يجب إنفاذ العقوبات، خصوصاً بعد المصادقة على المخطط المكاني، إذ توجد حاليًا بعض القضايا تتعلق بالتعدي على المرج، موضحًا أن انخفاض تكاليف البناء في السهول لسهولة الحفر، تدفع كثيرين للتوجه للسهول بدلاً من الجبال من أجل تعمير منشآتهم.
"سوء التقدير والتخطيط"، أكده، أيضًا، عضو اللجنة الفنية المصغرة للمخطط الوطني جهاد ربايعة، واصفاً ما حدث في تصريحات لـ"العربي الجديد"، "ما حصل هو سوء تقدير، لكنه بالنهاية تم وفق القانون المعمول به".
وبينما تظل المباني التي تعدى أصحابها على أراضي المرج قبل المصادقة على المخطط قائمة، فإن إخلاءها وتعويض أصحابها بحاجة لجهد كبير ودعم مالي، وهو ما لا تستطيع الحكومة الفلسطينية فعله حاليًا، وفق ما اختتم به ربايعة.