19 نوفمبر 2024
ترامب... داعش وتسونامي الهوية
تعدّدت التفسيرات والتحليلات الأميركية للأسباب التي أدت إلى فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أنّه لم تمض سوى أيامٍ قليلة على فوزه، فإنّ عشرات التحليلات المعمقة في الولايات المتحدة نفسها، ليس فقط في الإعلام، بل حتى في "بيوت الخبرة" والمجلات الرصينة، مثل "فورين أفيرز"، بدأت بعملية التحليل والتفسير لهذا "التسونامي" السياسي الصادم.
أغلب التحليلات التي قرأناها، ومن أبرزها مقال للإعلامي الأميركي، مايكل مور، تنبأ فيه قبل شهور بفوز ترامب، وكان متأكداً من ذلك في المقال، بصورة مدهشةٍ ومناقضةٍ لاستطلاعات الرأي، وجاء بعنوان "5 أسباب ستؤدي إلى فوز ترامب"، وأبرزها القلق والتوتر لدى الطبقة الوسطى البيضاء العاملة في الولايات المتحدة، خصوصاً فيما أطلق عليه "حزام صدأ البحيرات العظمى".
ولا يبتعد كثيراً المفكر الأميركي، فرانسيس فوكوياما في مقالته في "فورين أفيرز"، غداة فوز ترامب، في تحليله الأسباب التي أدت إلى ذلك، وإن كان هو يقف على الجهة الأخرى لمور، من انتصار ترامب، إذ كتب في مقالته "ترامب والتفسخ السياسي الأميركي" عن سببين رئيسين أديا إلى فوز ترامب: تنامي عدم المساواة، خصوصاً في شعور الطبقة العاملة الأميركية القادمة، والتفسخ السياسي عبر سيطرة مجموعات سياسية منظمة، مرتبط بالمصالح الاقتصادية، على النظام السياسي الأميركي، ما جعل النظام مغلقاً عاجزاً عن مواجهة مشكلات الركود والهجرات غير الشرعية وغيرها.
يحيل فوكوياما إلى كتابه "النظام السياسي والتفسخ السياسي" لفهم السبب الثاني، أو وجه العطب الذي ضرب النظام السياسي الأميركي، لكن كتاباً آخر هو الأكثر قدرة على أن يغوص عميقاً في البنية المركزية لخطاب ترامب، وهي بجملة واحدة سياسات الهوية، أو قلق الطبقة البيضاء الأنغلوساكسونية- البروتستانتية على هويتها الثقافية من الهجرات غير الشرعية والتحولات الثقافية، وتراجع قدرتها على التكيف الاقتصادي. ففي كتابه "من نحن.. تحديات الهوية القومية الأميركية"، يجادل المفكر الأميركي، صموئيل هنتنغتون، رافضاً مفهوم "مجتمع اللاجئين"، ومؤكداً على أنّ الهوية الجوهرية للمجتمع الأميركي هي الأنغلوساكسونية البروتستانتية التي تشكل القيم الرئيسة للثقافة الأميركية، ويهاجم ما أحدثته حركة الحقوق المدنية في السبعينيات من تغييراتٍ، أثرت سلباً على هيمنة هذه الهوية على المجتمع، ويؤكّد على خطورة التحدّي الذي تمثله الثقافة الإسبانية - المكسيكية على المجتمع الأميركي ووحدته.
لا يخرج خطاب ترامب، في الموقف من المسلمين والمكسيكيين والمرأة والثقافات الأخرى، عن هذا الجوهر الهوياتي المأزوم، الخوف على الهوية والشعور أنّها في خطر، وهو الهاجس الموجود أصلاً لدى شريحة اجتماعية واسعة من الأميركيين، عملت ماكينة ترامب الإعلامية الغوغائية على تعزيزه وتضخيمه ومداعبته.
أصبحت أزمة الهوية ظاهرة عالمية اليوم، لها وجوه متعددة ومتنوعة، بحسب المجتمعات وأزماتها الداخلية، ففي مجتمعاتٍ غربيةٍ وعربيةٍ، هي مرتبطة بديناميكيات العولمة ومخرجاتها من جهة، والأزمات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تلك الدول. ومن الواضح أن تسونامي ترامب لن يقف عند الجانب الغربي من الأطلسي، إذ سينتقل إلى الطرف الشرقي منه. وهنالك مخاوف حقيقية شبيهة بالنسبة للانتخابات الفرنسية، الرئاسية والبرلمانية في العام المقبل، كما حدث في إنكلترا، وبدت مؤشراته في ألمانيا.
وتأخذ الظاهرة الهوياتية بعداً أكثر قسوةً وعنفاً وتأزماً في المنطقة العربية، مع "إحياء الصراع الطائفي" السني- الشيعي، والحروب بالوكالة في المنطقة، وتتخذ صيغة حروب أهلية داخلية في العراق وسورية. وفي كتابنا (مع زميلي حسن أبو هنية) "تنظيم الدولة الإسلامية: أزمة الهوية السنية والصراع على الجهادية العالمية"، قبل عامين، كنا حريصيْن على ربط صعود تنظيم داعش بالأزمة السنية العنيفة في المنطقة، والشعور بالتهديد الهوياتي الوجودي لدى المجتمعات السنية في المنطقة العربية، وتحديداً في العراق وسورية ولبنان واليمن. وعلى الطرف الآخر، لا يبتعد الحشد الشعبي والقوى الطائفية الأخرى عن هذا النزوع الهوياتي الطائفي، في مواجهة السنة، وفي الخلفية السياسات الإيرانية التي تستخدم العامل الطائفي الشيعي بصورة فاعلة.
خلاصة القول إنّ بحث الهوية وسياساتها وأزماتها أصبح أساسياً ومهماً اليوم، لفهم ما يحدث في العالم، وفي أميركا والغرب ومجتمعاتنا، ويبدو أننا ما نزال في بداية تأثير هذا التسونامي.
أغلب التحليلات التي قرأناها، ومن أبرزها مقال للإعلامي الأميركي، مايكل مور، تنبأ فيه قبل شهور بفوز ترامب، وكان متأكداً من ذلك في المقال، بصورة مدهشةٍ ومناقضةٍ لاستطلاعات الرأي، وجاء بعنوان "5 أسباب ستؤدي إلى فوز ترامب"، وأبرزها القلق والتوتر لدى الطبقة الوسطى البيضاء العاملة في الولايات المتحدة، خصوصاً فيما أطلق عليه "حزام صدأ البحيرات العظمى".
ولا يبتعد كثيراً المفكر الأميركي، فرانسيس فوكوياما في مقالته في "فورين أفيرز"، غداة فوز ترامب، في تحليله الأسباب التي أدت إلى ذلك، وإن كان هو يقف على الجهة الأخرى لمور، من انتصار ترامب، إذ كتب في مقالته "ترامب والتفسخ السياسي الأميركي" عن سببين رئيسين أديا إلى فوز ترامب: تنامي عدم المساواة، خصوصاً في شعور الطبقة العاملة الأميركية القادمة، والتفسخ السياسي عبر سيطرة مجموعات سياسية منظمة، مرتبط بالمصالح الاقتصادية، على النظام السياسي الأميركي، ما جعل النظام مغلقاً عاجزاً عن مواجهة مشكلات الركود والهجرات غير الشرعية وغيرها.
يحيل فوكوياما إلى كتابه "النظام السياسي والتفسخ السياسي" لفهم السبب الثاني، أو وجه العطب الذي ضرب النظام السياسي الأميركي، لكن كتاباً آخر هو الأكثر قدرة على أن يغوص عميقاً في البنية المركزية لخطاب ترامب، وهي بجملة واحدة سياسات الهوية، أو قلق الطبقة البيضاء الأنغلوساكسونية- البروتستانتية على هويتها الثقافية من الهجرات غير الشرعية والتحولات الثقافية، وتراجع قدرتها على التكيف الاقتصادي. ففي كتابه "من نحن.. تحديات الهوية القومية الأميركية"، يجادل المفكر الأميركي، صموئيل هنتنغتون، رافضاً مفهوم "مجتمع اللاجئين"، ومؤكداً على أنّ الهوية الجوهرية للمجتمع الأميركي هي الأنغلوساكسونية البروتستانتية التي تشكل القيم الرئيسة للثقافة الأميركية، ويهاجم ما أحدثته حركة الحقوق المدنية في السبعينيات من تغييراتٍ، أثرت سلباً على هيمنة هذه الهوية على المجتمع، ويؤكّد على خطورة التحدّي الذي تمثله الثقافة الإسبانية - المكسيكية على المجتمع الأميركي ووحدته.
لا يخرج خطاب ترامب، في الموقف من المسلمين والمكسيكيين والمرأة والثقافات الأخرى، عن هذا الجوهر الهوياتي المأزوم، الخوف على الهوية والشعور أنّها في خطر، وهو الهاجس الموجود أصلاً لدى شريحة اجتماعية واسعة من الأميركيين، عملت ماكينة ترامب الإعلامية الغوغائية على تعزيزه وتضخيمه ومداعبته.
أصبحت أزمة الهوية ظاهرة عالمية اليوم، لها وجوه متعددة ومتنوعة، بحسب المجتمعات وأزماتها الداخلية، ففي مجتمعاتٍ غربيةٍ وعربيةٍ، هي مرتبطة بديناميكيات العولمة ومخرجاتها من جهة، والأزمات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تلك الدول. ومن الواضح أن تسونامي ترامب لن يقف عند الجانب الغربي من الأطلسي، إذ سينتقل إلى الطرف الشرقي منه. وهنالك مخاوف حقيقية شبيهة بالنسبة للانتخابات الفرنسية، الرئاسية والبرلمانية في العام المقبل، كما حدث في إنكلترا، وبدت مؤشراته في ألمانيا.
وتأخذ الظاهرة الهوياتية بعداً أكثر قسوةً وعنفاً وتأزماً في المنطقة العربية، مع "إحياء الصراع الطائفي" السني- الشيعي، والحروب بالوكالة في المنطقة، وتتخذ صيغة حروب أهلية داخلية في العراق وسورية. وفي كتابنا (مع زميلي حسن أبو هنية) "تنظيم الدولة الإسلامية: أزمة الهوية السنية والصراع على الجهادية العالمية"، قبل عامين، كنا حريصيْن على ربط صعود تنظيم داعش بالأزمة السنية العنيفة في المنطقة، والشعور بالتهديد الهوياتي الوجودي لدى المجتمعات السنية في المنطقة العربية، وتحديداً في العراق وسورية ولبنان واليمن. وعلى الطرف الآخر، لا يبتعد الحشد الشعبي والقوى الطائفية الأخرى عن هذا النزوع الهوياتي الطائفي، في مواجهة السنة، وفي الخلفية السياسات الإيرانية التي تستخدم العامل الطائفي الشيعي بصورة فاعلة.
خلاصة القول إنّ بحث الهوية وسياساتها وأزماتها أصبح أساسياً ومهماً اليوم، لفهم ما يحدث في العالم، وفي أميركا والغرب ومجتمعاتنا، ويبدو أننا ما نزال في بداية تأثير هذا التسونامي.