سرى همس في واشنطن أمس يفيد بأن نائب الرئيس مايك بنس الذي كان في طريقه إلى المطار، طُلبت منه العودة والتوجه إلى البيت الأبيض بسبب حدوث حالة "طارئة" تستدعي حضوره. بسرعة اتجهت التساؤلات وبعض الظنون نحو إيران واحتمال أن تكون الإدارة في صدد اتخاذ خطوة ما ضدها. تطمينات البيت الأبيض لإزالة القلق، لم تكن كافية، وخصوصاً أن الموضوع بقي محاطا بتكتم تام لعدة ساعات رافقها انقطاع الرئيس دونالد ترامب على غير عادة، عن تويتر. وحتى وقت متأخر لم تتضح حقيقة الحالة "الطارئة".
السبب في توجه الشكوك نحو الملف الايراني أن الإدارة ومعها الكونغرس، أعطت في الأيام الأخيرة إشارات متضاربة بشأن تعاملها مع عودة طهران إلى تخصيب اليورانيوم. بعضها يلوح بالصدام. وبعضها يؤشر إلى ترجيح خيار الحوار.
فور إعلان العودة إلى التخصيب، حذر ترامب إيران من "اللعب بالنار"، وهدد بعمليات عسكرية ماحقة "لا تطول مدتها" ولا تتطلب عمليات ميدانية أرضية. وكأنه يلوح باستخدام سلاح مدمر. لكنه ما لبث أن عاد إلى النقيض بقوله انه "ليس على عجلة" من أمره. إشارة واضحة إلى رغبته في الاستمرار بتغليب الدبلوماسية.
وزير الخارجية مايك بومبيو أصدر هو الآخر بياناً يلفت فيه إيران إلى انها "ترتكب خطأ" بهذه الخطوة التي "تخالف الاتفاق النووي"، متوعداً "بمواصلة الضغوط القصوى ولغاية أن تنهي طهران مشروعها النووي". اللهجة تتناسب مع موقفه المتشدد رغم ضبابية تحذيره الذي تناسى فيه أن الإدارة سبق وانسحبت من الاتفاق الذي يطالب إيران بالتقيد به.
اللافت أن المستشار جون بولتون، غاب عن الرد على التخصيب. وكان الرئيس ترامب قد استبعده من الوفد المرافق له في زيارته لكوريا الجنوبية التي قام بها بعد انتهاء قمة العشرين في اليابان، والتي تخللها عبوره إلى كوريا الشمالية ومصافحة كيم جونغ أون. عزل بولتون عن الإعداد لهذا الاستعراض الدبلوماسي وعن المشاركة فيه، بدا كتعبير عن رفض مقاربته للعلاقة مع بيونغ يانغ والمبنية على خيار القوة. وقد يكون ذلك بداية تهميشه وترجمة لنية ترامب في إضعاف تأثير مستشاره على ملفات معينة في السياسة الخارجية. وربما عزله والتخلص منه في النهاية، إلا إذا بقيت بعض المفاتيح المقربة من بنيامين نتنياهو متمسكة به، على ما يتردد.
وثمة من لا يستبعد أن يتجاوز الرئيس كلا من بولتون وبومبيو في تعامله مع إيران كما تجاوزهما بالنسبة لكوريا الشمالية، التي كانت قد شكت مؤخراً من هذا الثنائي. وبدا أن الرئيس لم يعترض على شكواها وأعطاها ما يشبه الاعتراف بها بدخوله الرمزي إلى أراضيها ولو لثوانٍ. لكن الرئيس لم يبلغ هذه النقطة مع إيران، رغم تلويحه بالحوار معها من غير شروط. ما زال يحتفظ بورقة القوة ولو أن الدلائل تستبعد لجوءه إليها في المدى القريب على الأقل.
الأسبوع الماضي نزل بثقله للحيلولة دون تصويت مجلس الشيوخ على بند في موازنة البنتاغون، يقضي بوجوب حصوله على موافقة مسبقة من الكونغرس على أي عمل عسكري ضد إيران. مجلس النواب يعتزم التصويت عليه بعد أيام. لكن الجمهوريين خاصة في مجلس الشيوخ رفضوا هذا الشرط بذريعة أنه قد يشكل قيداً على قرار الرئيس "ورسالة خاطئة تفيد منها إيران ". علماً انه في كلا المجلسين رغبة لكبح قراره خوفاً من تقلباته. لكن الحسابات السياسية والانتخابية تمنع فرض هذا الشرط.
وبذلك تبقى القراءات لتناقضات موقف الرئيس متراوحة بين الاعتقاد بأنه محتار بشأن إيران وبين أنه يلعب دور المحيِّر الذي لا يكشف عن أوراقه. لكن ضغط الوقت والتطورات لن يسمحا بطول أمد اللعب في دائرة اللون الرمادي. خاصة إذا ما واصلت إيران رفع منسوب عملية التخصيب التي يقول الخبراء إنها قد تبلغ "مع أواخر الصيف "، مستوى الكمية اللازمة من اليورانيوم المخصب بدرجة منخفضة " لتصنيع جهاز نووي واحد"، بعد تكثيف نوعيته.