أعلنت الادارة الأميركية تخصيصها 12 مليار دولار للإغاثة العاجلة للمزارعين المتضررين من قرارات فرض الرسوم الجمركية، يتم توجيهها عبر برنامج للمساعدات المباشرة، وهو ما اعتبره البعض بمثابة إعلان عن نية الرئيس الأميركي دونالد ترامب مواصلة التصعيد في ملف الحرب التجارية وعدم التراجع عن قراراته.
وتأتي الخطوة في محاولة لحماية المزارعين المتضررين من قرارات فرض رسوم على الواردات، وما نتج عنها من ردود أفعال من الدول الأخرى تسببت في انخفاض مشترياتهم من المنتجات الزراعية الأميركية،
وقال وزير الزراعة الأميركي، سوني بردو، الثلاثاء "هذه الخطوة هي رسالة واضحة للدول الأخرى أنها لا يمكنها الضغط على مزارعينا لإجبار الولايات المتحدة على التراجع".
وأضاف بردو "الادارة الأميركية لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي، بينما يتحمل مزارعونا المجتهدون أعباء تعريفات غير ودية وغير قانونية".
لكن القرار يؤكد أن ادارة ترامب ستدفع ثمناً باهظاً، اقتصادياً وربما سياسياً، لحروب تجارية تسبب فيها ترامب نفسه، مدعياً أنه "يمكنه الانتصار فيها بسهولة".
وفرضت كل من الصين والمكسيك وكندا والاتحاد الأوروبي تعريفات عقابية على بعض المنتجات الواردة إليهم من الولايات المتحدة، بعدما أصر ترامب على فرض رسوم اضافية على واردات بلاده من الصلب والألومنيوم وبعض المنتجات الصينية الأخرى.
وركزت تلك الدول عند فرضها للتعريفات العقابية على المنتجات الزراعية الأميركية، وأهمها فول الصويا ولحم الخنزير وعصير البرتقال والسكر، كونها تمثل نسبة كبيرة من الصادرات الأميركية، بالاضافة إلى أنها تمس القاعدة السياسية التي يعتمد عليها ترامب في أية استحقاقات انتخابية.
وقد تضطر الادارة الأميركية، وفقاً للبرنامج الذي أعلن عنه وزير الزراعة الأميركي، لشراء ما لم يتم تصديره من تلك المحاصيل من المزارعين، لتعويضهم عن الخسائر المالية، ومن ناحية أخرى لضمان أصواتهم قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأميركي المقرر عقدها في نوفمبر / تشرين الثاني القادم.
وتصدر الولايات المتحدة أكثر من ربع انتاجها من فول الصويا إلى الصين، وهو ما يمثل حوالي ثلث واردات الصين من الفول، وتوقع جرانت كمبرلي، رئيس اتحاد مزارعي فول الصويا في ولاية أيوا الأميركية، والذي استضاف الرئيس الصيني شي جينبنج في مزرعته العائلية التي تنتج فول الصويا في عام 2012، انخفاض الصادرات الأميركية من فول الصويا إلى الصين بحوالي 70% بعد فرض الصين تعريفات على وارداتها منه بنسبة 25%.
ولا يقصر كمبرلي النتائج على الخسائر المادية من جراء انخفاض التصدير وبالتالي هبوط الأسعار، وانما يتوقع "اعلان بعض المزارعين افلاسهم ومن ثم فقدان عشرات الآلاف لوظائفهم في القطاع الزراعي".
ولم ينتظر مستوردو فول الصويا الصينيون التطبيق الفعلي للتعريفات، وانما سارعوا بالغاء الاتفاقات المبرمة الخاصة باستيرادهم من أميركا منذ أبريل / نيسان الماضي، تجنباً لاحتمالات أن يبدأ التطبيق الفعلي للتعريفات قبل وصول سفن الشحن إلى المواني الصينية، حيث تستغرق تلك الرحلات شهراً على أقل تقدير.
واستعاض هؤلاء عن الصفقات الملغاة بشحنات من البرازيل والأرجنتين، ووافقوا على دفع 15-30 دولار زيادة في الطن، هرباً من تعريفات ضخمة قد يتم فرضها في أي لحظة.
وفي ذلك يقول كن موريسون، محلل الأسواق الذي أمضى أكثر من ربع قرن من حياته المهنية في بورصات السلع "يحاول مستوردو الفول الصينيون إدارة المخاطر التي يتعرضون لها، حيث أن التعريفات الجديدة ترفع سعر الطن بأكثر من مائة دولار. لقد كان التهديد بفرض التعريفات بمثابة تعريفات فعلية على تلك المنتجات".
ولم يكن حال مصدرو لحم الخنزير أفضل كثيراً من منتجي فول الصويا، حيث هددت الصين مؤخراً بفرض تعريفات اضافية بنسبة 25% على مشترياتها من لحم الخنزير الأميركي، على الرغم من سابق فرضها تعريفات بنسبة 25% أيضاً في أبريل / نيسان الماضي، رداً على فرض أميركا تعريفات على واردات الصلب والألومنيوم.
ولو أخذنا في الاعتبار أن الصين كانت تطبق بالفعل 12% تعريفات جمركية على وارداتها من لحم الخنزير الأميركي، فإن المحصلة النهائية التي سيتحملها المستورد الصيني تصل إلى 62%، الأمر الذي يهدد مشتريات السوق الصينية، التي اشترت العام الماضي حوالي 17% من اجمالي صادرات لحم الخنزير الأميركية.
وفي سياقٍ متصل، فرضت المكسيك على مشترياتها من لحم الخنزير الأميركي تعريفات وصلت إلى 20% قبل أسبوعين تقريباً، وهو ما يجعل أكثر من 40% من صادرات لحم الخنزير الأميركية تقع تحت طائلة التعريفات الانتقامية من الصين والمكسيك فقط، الأمر الذي يهدد حياة ووظائف الآلاف من المزارعين الأميركيين. وقدر اقتصاديون من جامعة ولاية أيوا خسائر منتجي لحم الخنزير، من جراء التعريفات الجديدة، بما لا يقل عن 2 مليار دولار سنوياً.
ويقول جيم هايمرل، رئيس المجلس الوطني لمنتجي لحم الخنزير بالولايات المتحدة، "نحن نواجه خسائر مالية كبيرة وكساد بسبب النزاعات التجارية المتصاعدة، وهذا يعني دخل أقل لمنتجي لحم الخنزير، وبالتأكيد سيضطر بعضهم للخروج من السوق".
ويرى هايملر أن التعريفات على المنتجات الأميركية تجعلها أقل تنافسية في السوق الدولية، ويضيف "المزارعون الأميركيون من منتجي لحم الخنزير وعائلاتهم هم أناس وطنيون، ويظهرون قدراً كبيراً من الولاء للمصلحة العامة للبلاد، بينما يتحملون عبئاً غير متناسب من الاجراءات التجارية العقابية ضد الولايات المتحدة".
وقبل الإعلان عن المبلغ المخصص لتعويض المزارعين بدقائق، قال ترامب في كانساس "سيستفيد المزارعون في نهاية المطاف إذا تسبب ضغط التعريفات في موافقة الدول الأخرى على شروط تجارية جديدة". وأضاف موجهاً كلامه للمزارعين "قليلاً من الصبر".